منال لاشين تكتب: رئيس راهن على الزمن

مقالات الرأي



السادات: كدت أن أصاب بالإغماء فى مطار بن جوريون كان يريد استرداد القدس وضرب خصومه بالجزمة القديمة

على الرغم من كثرة الكتابات عن الرئيس الراحل أنور السادات، وعلى الرغم من الاحتفال بمئويته هذا العام.رغم هذا وذاك إلا أن الجدل لن ولم ينته حول أخطر خطوة اتخذها الرئيس الراحل. وهى الذهاب إلى إسرائيل، فزيارته الشهيرة للقدس ستظل واحدة من أكثر الانقلابات السياسية ليس فى الوطن العربى فقط، ولكن على المستوى الإقليمى والعالمى. وأظن وليس كل الظن إثم أن توابع هذا الانقلاب مستمرة فى السياسات العربية والخطوات التى قد تبدو مفاجئة من قبل بعض الحكام والحكومات العربية. لقد كان الانقلاب أو الزلزال أكبر مما يتحمله الكثيرون بما فى ذلك السادات نفسه، ومن ناحية أخرى فقد أصبح السادات هو مرجع لكل من أراد التطبيع مع إسرائيل.. فى وضع السادات اللبنة الأولى لفكرة الشرق الأوسط الكبير مراهنا على الولايات المتحدة الأمريكية.

1- صدمة السفر

حين أعلن الرئيس الراحل السادات استعداده للسفر لإسرائيل من أجل السلام كان يبدو قويا ممسكا بالزمان والمكان مسيطرا على الحدث..هكذا بدا الرئيس لكل المتابعين.ولكن الحقيقة الحدث كان أكبر من الرئيس السادات نفسه فى لحظات تاريخية. ففى كتاب حواراتى مع السادات للكاتب الكبير الراحل أحمد بهاء الدين سمح السادات لنفسه أن يعرى مشاعره الحقيقية لحظة أو بالأحرى صدمة وجوده فى إسرائيل. فى الكتاب يصف بهاء الدين للسادات الحزن والصدمة التى قابل بها المصريون هذا الحدث ودموع النساء التلقائية التى عبرت عن حجم الصدمة. فرد السادات بأن الأمر لم يكن مختلفا بالنسبة له، لم يكن الأمر هينا وشعرت بعدم التوازن عندما وطأت قدماى مطار بن جوريون ولم أميز الشخصيات التى كانت فى إسرائيل. باختصار السادات كاد أن يغمى عليه لحظة وصوله لإسرائيل ولكنه تماسك.

من أهم أسرار هذا الانقلاب بحسب الكاتب أحمد بهاء الدين أن السادات كان حسن النية. فالسادات كان يتصور أن أمريكا ستسمح له بالحصول على القدس والجولان مع سيناء. فالسادات لم يكن يسعى لصلح منفرد كما انتهى الوضع.ولكنه كان يحلم أو يتصور أنه قادر على إرجاع الأراضى العربية بما فى ذلك القدس والضفة الغربية للفلسطينيين والجولان لسوريا. وبذلك يصبح زعيم العرب جميعا لأنه استرجع الأرض.وقال السادات للأستاذ بهاء: سوف استرد الأرض وأضرب كل من هاجمونى من الحكام بالجزمة القديمة. ولذلك فإن كل من يتصور أو يؤيد أو يبارك خطوة السادات المنفردة كان خاطئا. لأن السادات لم يكن ينوى التضحية بالعرب من أجل صلح منفرد يعزل مصر عن محيطها العربى. ويعزله شخصيا عن العرب بل ملايين المصريين. فجنازة السادات ضمت أكبر عدد من الرؤساء والزعماء الدوليين، ولكنها لم تضم ملايين المصريين مثل جنازة عبد الناصر.

ومن يقرأ مذكرات الرؤساء والمسئولين الأمريكيين والغربيين بصفة عامة التى ظهرت بعد وفاة الرئيس السادات ربما يصل لنتيجة خطيرة. وهى أن أمريكا وإسرائيل سعيا لعزل مصر عن محيطها العربى من خلال إيهام السادات بأنه قادر على تحقيق سلام شامل وليس صلحا منفردا.

2- مغامرة أم مقامرة

رغم مرور سنوات طويلة لم ينته الجدل حول مدى صحة الانقلاب أو زلزال السادات.فقد انقسم الرأى العام عربيا ومحليا حول هذا الانقلاب.البعض اعتبر السادات عبقريا وسابق عصره. وأنه كسب بقية أرضه دون حرب أو إراقة دماء. وهذا هدف بلاشك نبيل ووطنى. ولكن البعض الآخر يرى أن الرئيس الراحل السادات أخطأ فى تقييم الوضع العالمى فى ذلك الوقت وذهب لوحده إلى عرين إسرائيل وسلم سياسته لأمريكا عندما آمن بأن 99% من أوراق اللعبة فى أيدى أمريكا. رغم وجود قوى دولية أخرى فى ذلك الوقت. ورغم أن العرب فى ذلك الوقت كانوا يؤمنون بالقومية العربية ويقفون وراء مصر. بل إن أمريكا نفسها فى وقت السادات لم تكن بنفس القوة التى عليها الآن. البعض يرى أن ما حصل عليه السادات أقل من الثمن الذى دفعته مصر نتيجة الصلح المنفرد مع إسرائيل. على أن الرئيس السادات فتح بابا لكل الحكام والحكومات فيما بعد لفتح قنوات أمام الصلح أو التطبيع أو العلاقات مع إسرائيل.وكأنما روحه تقود التطبيع وبعض خيوط السياسة العربية من قبره رحمه الله.

ولكن هذا الجدل أو الخلاف لا يمنع عن السادات كونه قائد وصاحب انتصار أكتوبر المجيد. ووحده الانتصار الذى جعل للسلام طريقا. وفى النهاية أفضل أن أستعير جملة الرئيس عبدالفتاح السيسى بأنه لولا انتصار أكتوبر ولولا أنهم جربوا مرارة الحرب والثمن الذى دفعوه فى الحرب لما سعوا للسلام. وأضاف الرئيس السيسى عن الجيش: إن الجيش المصرى فعلها مرة وقادر أن يفعلها كل مرة.وقد اخترت هذه النهاية لأنها عكس ما فعله السادات عندما أعلن أن حرب أكتوبر هى آخر الحروب فى المنطقة. فكل من يحافظ على أرضه وعرضه يجب أن يقول من فعلها مرة قادر أن يفعلها مرة أخرى.