عادل حمودة يكتب: اللعبة الإيرانية فى اليمن تنتهى فى السويد!

مقالات الرأي



"هدنة الحديدية" جاءت بعد مظاهرات ضد «مرشد إيران» للتوقف عن تمويل الحوثيين ولزيادة الإنفاق لصالح المواطنين

جماعة الحوثى لم تقبل بالتفاوض إلا بعد تعرضها لهزائم متكررة وخسارتها مساحات شاسعة من الأرض

قطر كانت تتجسس على قوات التحالف وتنقل أسرارها للحوثيين انتقامًا من السعودية

50 مليار ريال عائدات سنوية لميناء الحديدية ستصبح تحت تصرف حكومة عبد ربه منصور

لا أحد فى مصر انشغل بما يجرى فى السويد رغم وجود مصلحة لنا باليمن ودورنا فى حماية باب المندب


تحاول الصحافة العالمية أن تقنعنا أن السياسى البرتغالى أنطونيو جوتيرس أمين عام الأمم المتحدة أصبح قيصر العصر.. ووارث تيجان المجد المعلقة فى روما.. وراكب عرباتها المرصعة بالذهب.. ودموع الضحايا فى اليمن بعد أن أشرف على مفاوضات إيقاف الحرب هناك.

إن القول بأنه العبقرى الذى أوقف تلك الحرب وجعل التقارب بين أطرافها ممكنا هو قول مغلوط وسطحى وساذج.. فقوات الحوثيين المدعومة سياسيا وعسكريا ودعائيا من إيران والمؤمنة بعقيدة الاستشهاد الشيعية لم توافق على التفاوض برضاها.. ولم تقرر الانسحاب من مدن دخلتها برضاها.. ولم تتعايش مع غالبية شعب اليمن برضاها.. وإنما أرغمت على الانسحاب من تلك المدن ونزفت وتعبت وصار وجودها على الأرض مستحيلا.

لا أنطونيو جوتيرس يحمل فى يده مفاتيح العالم ومقادير البشرية.. ولا قوات الحوثيين نجحت فى أن تضع اليمن تفاحة على مائدة المرشد الأعلى فى طهران على خامئنى.. مثل هذه التصورات تلغى إرادة الشعوب.. وتسلبها حرية الرفض وحرية الاختيار وتقرير مصيرها.

كانت حرب الشرعية فى اليمن ضرورة فرضها الحوثيون بعد أن سيطروا على صنعاء والمخا ولحج وتقدموا نحو تعز ومأرب.. وأصبحوا على مشارف عدن حيث مقر الحكومة ومعقل الرئيس عبد ربه منصور هادى الذى غادر البلاد بعد قصف قصره الرئاسى بالطائرات واتجه إلى السعودية عبر سلطنة عمان.

جرت تلك الأحداث سريعة ومتلاحقة فى يوم 25 مارس عام 2015.

فى ذلك اليوم كانت مدينة شرم الشيخ تستعد للقمة العربية.. وفاجأت السعودية الملوك والرؤساء العرب بإعلان الحرب على الحوثيين فى اليمن قبيل ساعات من بدء الجلسة الافتتاحية للقمة.. وترقب الصحفيون والسياسيون حضور الرئيس اليمنى الذى أصبح الشخصية المحورية فى القمة ونال من الأضواء ما لم يتوقعه فى حياته.

ودعت السعودية والإمارات إلى تحالف إقليمى لإنقاذ اليمن من مصير مجهول.. صعب تصور المأساة التى سيأتى بها.. وانضمت إلى التحالف بمشاركات متفاوتة البحرين والكويت والمغرب ومصر والسودان والأردن وقطر التى استبعدت من التحالف فيما بعد عندما اكتشف أنها تتجسس على قوات التحالف وتنقل أسرارها إلى الجانب الآخر كما مولت قبائل محايدة بأموال مغرية حتى تساند الحوثيين انتقاما من السعوديين الذين تكن قطر لهم كراهية مزمنة.

ولم يكن من الصعب تحديد الأهمية الاستراتيجية لليمن بالنسبة لدول التحالف.

اليمن هو الامتداد الطبيعى لسواحل جنوب الجزيرة العربية.. كما تمتد الحدود الجبلية الوعرة بينه وبين السعودية ألف كيلومتر ما جعل منها منطقة تهريب للمخدرات والسلاح والإرهابيين والحوثيين الذين هددوا الأمن فى السعودية ونقلوا الأفكار الشيعية إليها وساندوا حركات التمرد فيها.

وفى اليمن منطقة ممرات حيوية.. أهمها باب المندب.. الممر المائى الاستراتيجى الذى تمر منه ناقلات النفط متجهة إلى أوروبا عبر قناة السويس ما جعل من يسيطر عليه شديد التأثير فى السياسة العالمية.

كما أن اليمن قريب من القرن الإفريقى الذى يقع على الناحية الشرقية من البحر الأحمر وقد عبره منذ زمن بعيد أبرهة ملك الحبشة وضرب الكعبة فى عام الفيل وبنى كعبة منافسة لها فى صنعاء يطوف حولها المسيحيون.

بعد سبعين سنة من احتلال الأحباش لليمن طردهم الفرس ليحتلوها ولكنهم لم يهتموا إلا بالعاصمة صنعاء وتركوا المقاطعات الأخرى نهبا للصراعات القبلية والعرقية والمذهبية التى لم يتخلص منها اليمن ربما حتى الآن.

وفى زمن أسامة بن لادن أصبحت اليمن مركزا شديد الخطورة لتنظيم القاعدة من جنسيات متعددة ساهمت فى هجمات إرهابية متنوعة أشهرها تفجير برجى التجارة فى نيويورك وتفجير سفارتى الولايات المتحدة فى نيروبى ودار السلام وإطلاق الصواريخ على المدمرة الأمريكية كول.

وفى هذه الفوضى سقط نظام على عبد الله صالح وتحول اليمن إلى كرات لهب لا تعرف من يصنعها؟ ولا تمسك بمن يلقيها؟ ولا تكتشف من يمولها؟ ولا تثق فيمن يطفئها؟ ولكن المؤكد أن أضرارها امتدت خارج الحدود وأصابت أقرب الجيران بالحرق والأذى.

ومع رغبة إيران فى توسيع نفوذها ــ بعد أن استولت على العراق وهددت لبنان وفرضت سيطرتها على سوريا ــ اتجهت إلى اليمن بعد أن أحست أن الثمرة يمكن أن تسقط فى حجرها.

لم يعد السكوت ممكنا.

وبدأت قوات التحالف عملية «عاصفة الحزم» لاستعادة الشرعية فى اليمن بمساعدة لوجستية من الولايات المتحدة.. خاصة أن الغطرسة الإيرانية لم تقبل بمبدأ التفاوض.. لم تتفاوض ولديها شعور بالقوة.. كما أنها لن تقبل بالتفاوض إلا إذا كسرت إرادتها.. إنها القواعد السائدة المستقرة فى لعبة الحرب والسلام.

أكبر دليل على ذلك أن أمين عام الأمم المتحدة السابق بان كى مون أعلن فى 20 مايو 2015 عن بدء محادثات مؤتمر جنيف بشأن اليمن ولكن الحوثيين رفضوا الحوار مع حكومة منصور هادى وبعد أقل من شهر أعلن أن المفاوضات ماتت قبل أن تولد.

لم يقبل الحوثيون بالتفاوض إلا بعد هزائم متكررة نالوها على الأرض فقدوا فيها مساحات كسبوها وفى إيران خرجت التظاهرات الغاضبة ضد السلطة القائمة مطالبة بالكف عن تمويل المغامرات الخارجية وتوجيه الأموال إلى ما يخدم المواطن الإيرانى الذى لا يجد خبزا ولا يتمتع بحرية وكان الشعار الذى رفع: «إيران قبل اليمن وسوريا ولبنان».

كل هذه المتغيرات سهلت على مفاوضات السويد بناء الثقة وسهلت التفاهم بين طرفى النزاع (الشرعية والميليشيات) قبل الترتيبات النهائية للاتفاق الذى يشمل كثيراً من مئات من التفاصيل التى يجب الالتزام بها لإعادة الاستقرار إلى اليمن.

ودعم التفاؤل تصريحات إيجابية مشجعة خرجت من القيادتين السعودية والإماراتية سبقت المفاوضات وأكدت أنهما لن تتوقفا عن دعم اليمن واليمنيين.

وكان بند إطلاق سراح الأسرى الذى اتفق عليه هو البند الداعم للتفاؤل.. فعودة البشر إلى ذويهم ــ بعد طول فراق ــ ورجوع النازحين إلى ديارهم يضيف للسلام بعدا شعبيا يدعم وجوده واستمراره.

وبفتح الطرق والمدارس والمستشفيات لن تعود الحياة اليومية إلى طبيعتها بل سيعود اليمن المخطوف إلى أهله.

وعندما تسلم ميليشيات الحوثيين ميناء الحديدة ليفتح ويدار من جديد فإن عائده الذى يصل إلى 50 مليار ريال سنويا سيدخل البنك المركزى ليصبح تحت تصرف الحكومة الشرعية.

هناك بالقطع ملاحظات على تشكيل وفد الحكومة الشرعية سيجرى تلافيها.. وهناك أيضا تفاصيل عسكرية تفرض انسحاب الحوثيين من مدن يحتلونها ستأخذ وقتا لتنفيذها.. وهناك كذلك محاولات حوثية لفرض واقع جديد على الأرض بقوة السلاح يزيد من أوراقهم فى التفاوض لن تتكرر لفشلها.

إن قوات المقاومة اليمنية المدعومة بقوات التحالف نجحت فى تحرير محافظة بعد محافظة ومدينة بعد أخرى مسجلة بطولات وتضحيات سيأتى اليوم المناسب للكشف عنها.

ولكن ميليشيات الحوثيين ما كانت تتراجع لو لم تؤمر من إيران التى صارت فى وضع حرج يصعب عليها مواجهته دون التخفف من تورطها فى اليمن قبل السعى إلى حل القضية السورية.

إن إيران تدعى «العذرية» السياسية فى كل المحافل الدولية.. وتحاول فى كل أحاديثها أن تقنعنا بأن بكارتها الأخلاقية لم يمسسها أحد.. مع أن شهود العيان رأوها تنزف فى اليمن.. كما رأوها تخلع ملابسها وترمى نفسها فى أحضان الولايات المتحدة وإسرائيل قبل سنوات طوال فى الفضيحة التى أطلق عليها «إيران جيت».

لم تكن إيران بريئة فى اليمن.. بل وقفت مع القاتل ضد القتيل.. ومع السارق ضد المسروق.. ومع الضارب ضد المضروب.. وعندما انقلبت المعادلة عليها ادعت أنها مشغولة بكتابة خطاب اعتذار لولى الله على بن أبى طالب.. وأنه كرم الله وجهه نصحها بالتفاوض والتنازل فى السويد.

لكن ما يلفت النظر أن لا أحد فى مصر انشغل بما يجرى فى السويد رغم وجود مصلحة مباشرة لنا فى اليمن ورغم دورنا فى حماية باب المندب.

يجب إعادة الاهتمام إعلاميا وسياسيا بما يجرى للدول العربية التى لنا فيها مصالح وتاريخ وسقط لنا فيها شهداء.

لقد أثبتت قواعد الاستراتيجية أن أمن مصر يبدأ من خارجها.. مياه النيل تبدأ من إثيوبيا.. حماية قناة السويس تبدأ من باب المندب.. خطوط الأمان الأولى تبدأ فى سوريا.. وتحالف القوى الحالية شراكة بيننا وبين الخليج.