منال لاشين تكتب: مفاجآت أزمة "الأوزان الثقيلة"!

مقالات الرأي



المستشفيات العامة لا يوجد بها أقسام لعلاج السمنة.. والتأمين الصحى لا يعترف به كمرض .. وأدوية تخسيس الفقراء تدمر الكبد والكلى


أرجو ألا تثير كلمة «التخان» أى ضيق أو حساسية لأحد، فأنا شخصيا والعياذ بالله من كلمة أنا أنتمى لنادى السمنة وبمركز محترم ومتقدم جدا على كثير من الأعضاء البالغ عددهم 1.9 مليار إنسان حول العالم وليس فى مصر فقط. وعلى الرغم من موقعى المتميز فى نادى السمنة إلا أننى أشعر بخفة فى روحى وجسدى وأحب المشى لمسافات طويلة دون أن يصيبنى التعب والإرهاق.. وأنا أشعر بانتماء لوزنى الذى أصبح جزءا من شخصيتى أشعر بالغربة إن هجرتها، وأردد دوما أن زيادة الكتلة يزيد من الجاذبية.وهذه المعادلة من أهم حقائق العلم.


لكن هناك ملايين فى مصر يكرهون سمنتهم ووزنهم الزائد. ربما تأخذهم الحياة بمتاعبها الاقتصادية وارتفاع الأسعار وأقساط المدرسة والجامعة والعلاج، للجرى أو بالأحرى اللهاث وراء توفير متطلبات الحياة ما يجعل من قضية الكرش والسمنة قضايا فرعية لدى الكثيرين من المصريين. ولكن إذا أتيحت للناس الفرصة الحقيقية لعلاج السمنة بالمجان أو بمبالغ صغيرة تدخل ضمن طاقتهم، فلاشك أنها فرصة جيدة لملايين المصريين خاصة الفقراء لتحقيق حلم جميل يراود الكثيرين. المهم أن تتحول دعوة الرئيس إلى عمل حقيقى من الحكومة تتجاوز التصريحات ويمسك بأصل المشكلة أو بالأحرى أصل الأزمة. فنحن أمام وضع مثير جدا ومتناقض. فرئيس الجمهورية وهو رأس الدولة يؤمن بمخاطر السمنة على المستوى الوطنى، ولكن آليات ومؤسسات الدولة لا تؤمن منذ عشرات السنوات بالموضوع كله. فالسمنة مرفوعة من الخدمة.


1- مرض أم دلع

العقبة الرئيسية فى التصدى لمرض السمنة تتمثل فى أن الحكومة والمجتمع لا يؤمنان أساسا بأن السمنة مرض. فمستشفيات الحكومة لا يوجد بها أقسام لعلاج مرض السمنة ولا أجهزة التخسيس ولا أطباؤه. لأن وزارة الصحة لا تعترف بأنها مرض أساسا. نأتى للتأمين الصحى الذى يلجأ إليه الفقراء ومعظم أبناء الطبقة المتوسطة للعلاج فيه لا يعترف أيضا بأن السمنة مرض، ويرفض أن يقوم بصرف أدوية لعلاج السمنة أو يدفع ثمن جلسات التخسيس بالرياضة أو الإبر الصينية. فلو أردنا أن نقهر السمنة فإن أول خطوة هى الاعتراف القانونى بالسمنة كمرض. وأن يعامل التأمين الصحى جلسات التخسيس مثل جلسات الغسيل الكلوى. وأن يكون فى كل مستشفى حكومى قسم للسمنة مثل قسم القلب أو المخ والأعصاب.

زيادة فى الأزمة لتصبح أزمة ثلاثية فإن معظم نظم التأمينات الصحية الخاصة لا تعترف بالسمنة كمرض ومن ثم لا تتضمن هذة الأنظمة علاج السمنة. ويشمل استثناء الأنظمة الصحية للسمنة أنظمة التأمين الصحى فى كل نقابات مصر والشركات.ويوجد نظام صحى وحيد يشمل تغطية مرض السمنة، ولكن اشتراكه أكثر من 30 ألف جنيه وبالدولار.

ولذلك فإن علاج السمنة وجلساتها وأنظمتها كلها تركت للقطاع الخاص. وهذه كارثة بل جريمة فى حق الفقراء. ومن باب الموضوعية فإن طبيبا شريفا ومحترما أقام مركزا لعلاج السمنة برسوم قليلة فى مستشفى الساحل وكان اسمه على ما أذكر الدكتور محمد شرف والذى آمن بحق الفقراء فى علاج السمنة بمستشفيات الدولة. ولكن تظل هذه التجربة وتجارب أخرى مجرد استثناءات من وضع قاس وضاغط على المواطنين.


2- جزار وعطار

وكان من الطبيعى فى ظل تجاهل تام من القطاع الطبى المملوك للدولة بأنواعة لمرض السمنة أن تترك الساحة للقطاع الخاص.

وفى مجال علاج السمنة هناك نوعان من القطاع الخاص. الأول منظم ورسمى والنوع الثانى عشوائى. النوع المنظم غالى جدا ومكلف وفوق طاقة الملايين من الفقراء لأن السمنة تنتشر أكثر بين الفقراء وأطفالهم وذلك بحسب الدراسات العلمية. أقل جلسة إبر صينية الآن فى أقل حى شعبى بـ50 جنيها. ومعظم أطباء التخسيس المشهورين أو الشاطرين أسعارهم نار، وبعضهم تتحول المهنة السامية معه إلى جزارة.

ولذلك لم يجد الفقراء سوى الطب العشوائى.والتخسيس العشوائى يعتمد على العطارين والنصابين.والنصابون يبيعون للفقراء الوهم بأدوية مستوردة على قد اليد، ولكنها تضر بالصحة وتدمر الكبد والكلى. وكثرة الأعشاب مخاطرها أقل.وبذلك يقع الفقراء ومعظم الطبقة المتوسطة فى أيدى النصابين والعطارين. وحتى مراكز الرياضة فى الأحياء الشعبية والمتوسطة لا تحظى بحماية تبعث الأمان خاصة للنساء والفتيات. لأن سمعة صالات الرياضة الخاصة فى الأحياء الشعبية والفقيرة لا تشجع الفتيات والنساء على الذهاب إليها. فأحيانا تضم بلطجية. وفى معظم الأحيان هى صالات مشتركة. فيرفض الزوج أو الأب ذهاب ابنته أو زوجته لصالة رياضة بها شباب.


3- أكل وشرب

السمنة مرض ينتشر كالنار فى الهشيم فى العالم كله.وزادت نسب الأطفال الذين يعانون من السمنة فى دول العالم المتقدم. ولذلك اتخذت إجراءات فى بعض الدول.منها على سبيل المثال منع بيع المشروبات الغازية والهامبرجر والوجبات السريعة فى المدارس. وذلك على الرغم من أن بعض شركات المياه الغازية ترعى أنشطة مدرسية. والمدارس مع الأسف منفذ مهم للسمنة تنفذ منه إلى أطفالنا.

نأتى إلى الأكل.. وأعرف وأتفهم أن الحديث عن السمنة والكرش سبب غضبا للبعض الذين يعانون من ضيق الحياة والظروف الاقتصادية الصعبة. لأنهم ربطوا بين السمنة والغنى. ولكن على العكس تماما. فالفقر يمثل بيئة محفزة جدا للسمنة.وأذكر قصة مهمة للكاتب الكبير أحمد بهاء الدين حول هذه القضية. فقد كتب بعض المنافقين للنظام يسخرون من إقبال المصريين علىأكل العيش. واستهلاك سكر كثير فى الشاى. فرد عليهم الكاتب الكبير بأن استهلاك العيش دليل فقر. لأن الغنى يستبدل العيش بالأرز والمحاشى والمكرونة. وبالمثل قال الأستاذ بهاء إن المواطن الفقير لا يستطيع تناول الفاكهة والحلويات لارتفاع أسعارهما، ولذلك يحصل على السكريات اللازمة لحياته من مصدر واحد هو الشاى المحلى بالسكر.

ولذلك فإن تبنى الدولة للتصدى لعلاج مرض السمنة، إن صحت النوايا، يجب أن يشمل تأمين سلة الغذاء الصحى للطفل والأسر الفقيرة. بحيث يتاح لهذه الأسر الحصول على الخضروات والفاكهة فى طعامهم. وطعام الفقراء يعتمد على النشويات من عيش وأرز وبطاطس وفول.

ولم أطلب من الحكومة دعم أسعار الخضروات والفاكهة أو بعض أنواعها.لأن الدولة ضد الدعم. ولكن لو خلصت النوايا. فمن الممكن نشر ثقافة الزراعة فى البيوت (الزراعة بدون مياه) بحيث يستطيع الفقراء الحصول على الخضروات والفاكهة.

خلافا للبعض أعتقد أن الرئيس فتح جرحا مسكوتا عنه منذ سنوات. وهو حرمان الفقراء من حقهم فى علاج السمنة. ولذلك أرجو الرئيس السيسى أن يأمر وزيرة الصحة فورا باعتبار السمنة مرض. وتجهيز أطباء وأقسام لعلاج السمنة فى مستشفيات الحكومة.وإدخال علاج السمنة فى التأمين الصحى الجديد. وقبل أن أنهى المقال سأروى لكم قصة حقيقية. فقد ذهب رجل يعانى من السمنة إلى التأمين الصحى يطلب العلاج من المرض، وكان الرد استنى لما يجيلك أمراض السمنة ضغط وسكر وتعالى.