طارق الشناوي يكتب: "بلبوص!"

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي


بين الحين والآخر يهدد ابن البلد عندما يفيض به الكيل بخلع ملابسه، ويبدأ بالنظارة والساعة ثم القميص بعدها مرحلة فك الحزام، عادة يتمهل قليلا أثناء إقدامه على ذلك، ثم يتمهل، بل يتلكع أكثر عندما يصل لسوستة البنطلون، وقبل أن يُكمل يتدخل أولاد البلد العقلاء لإيقاف تلك الحالة من الجنون، ولهذا لا أفهم أى تبرير لخلع الممثل ملابسه لمدة عشرين دقيقة، فى مهرجان قرطاج المسرحى، حتى لو كان الموقف دراميا يقتضى ذلك، أو وصوله لما بعد مرحلة الاندماج.

يقولون إنه كان ينبغى عليه التوقف، كما هو مكتوب فى النص الأصلى، عند حدود خلع الملابس الخارجية، ولم يصل الأمر إلى أن يراه الجمهور بلبوصا، كما ولدته أمه، طبعا أمه لم تلده هكذا، لأنهم أحاطوه بملابس للتدفئة بعد الصرخة الأولى.

العرض المسرحى عنوانه (يا كبير) والممثل حسين مرعى الذى تعرى، سورى الجنسية، ولا أظنها كانت تفرق لو أنه ألمانى، لأن العرض مشترك (سورى ألمانى) فلقد أقيم المهرجان على المسرح البلدى، جزء من الجمهور غادر المسرح، بينما تشبث آخرون بمقاعدهم حتى نهاية العرض، وأكد زميلنا فى (اليوم السابع) جمال عبدالناصر، الذى كان شاهد عيان على الواقعة، أن الأغلبية رفضت مغادرة المسرح.

لم أقرأ النص، ولكن من المؤكد أنه يفضح النظام السورى، والممارسات العنيفة ضد المعارضة، أى عرض يأتى بعيدا عن الرقابة السورية التى تسيطر حتى على أنفاس المبدعين، فى داخل سوريا، يتمتع بهامش فى انتقاد النظام الذى لم يغير من طبيعته العنيفة، بل يبدو أنه سيزداد شراسة فى التعامل مع معارضيه، ولم يبد أى مرونة فى التسامح مع من طالبوا بسقوط بشار، من أجل حلم الحرية، ولم يرفعوا أبدا السلاح، بل هم أول المستهدفين من الدواعش وأخواتهم.

نعم.. نشاهد لوحات وتماثيل عارية تخضع لرؤية جمالية وليس مجرد عرى مجانى، عروض العراة الصريحة معروفة فى العالم (استربنتيز)، تلك النوادى المنتشرة فى أوروبا، تعقد اتفاقا ضمنيا مع الناس، فأنت تذهب إليها موقنا بأن العرى هو القاعدة، والعقد كما نعلم شريعة المتعاقدين، وبالتالى من يذهب لتلك النوادى بإرادته فهو يتحمل المسؤولية، مثلما تتواجد فى العالم أماكن لممارسة الدعارة، وبينها بالمناسبة دول عربية، تتم تحت رعاية الدولة وتتمتع بالمظلة الشرعية.

ويبقى الحديث عن الاندماج، وهل من الممكن أن يصبح مبررا؟ لو وصلنا إلى هذا الحد، كان يوسف بك وهبى وهو يؤدى دور (راسبوتين) قد قتل العشرات، وتخيل مثلا فنانة تؤدى دور عاهرة هل تندمج وتكمل، أو لو كانت تلعب دور مغتصبة هل يُكمل المغتصبون المشهد بواقعية؟.. للصبر حدود وأيضا للاندماج.

كان رشدى أباظة فى فيلم (كلمة شرف) يؤدى دور لواء شرطة وعندما كان يذهب للاستوديو، ولا يجد فريد شوقى وأحمد مظهر يقفان بمجرد رؤيته ويؤديان التحية العسكرية الواجبة فى هذه الحالة، يغادر اللوكيشن، روى لى هذه الواقعة كاتب الفيلم فاروق صبرى، الذى كان كثيرا ما يتفق مع فريد ومظهر على أنهما، فى حالة مشاهدتهما رشدى منفعلا، يقفان لأداء التحية الواجبة لسيادة اللواء، فى هذه الحالة فقط يعود رشدى لاستكمال التصوير، بعد أن يسمعهما كلمات خارج النص، هذا هو قطعا آخر حدود الاندماج المشروع!!.

وتبقى حكاية (البلبصة)، غريبة طبعا، ولكن الأغرب أن أغلبية المشاهدين أكملوا العرض.