البرنامج النووي يكلف إيران 500 مليار دولار

عربي ودولي

لبرنامج النووي
لبرنامج النووي


أظهر تقرير، صادر عن المنتدى الاستراتيجي العربي في دورته الحادية عشرة بالتعاون مع مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في مؤسسة الأهرام المصرية، أن إجمالي التكاليف المباشرة وغير المباشرة للبرنامج النووي الإيراني تجاوزت 517 مليار دولار منذ عام 2006 وحتى اليوم.

 

وبيّن التقرير الذي جاء تحت عنوان "التكلفة والتبعات الاقتصادية للبرنامج النووي الإيراني على الدولة والشعب"، والذي تم إطلاقه خلال جلسة حوار خاصة سبقت انعقاد المنتدى، أن التكاليف غير المباشرة للبرنامج المذكور، والمتمثلة في العقوبات الاقتصادية الدولية وتبعاتها على إيران، بلغت ما يقارب الـ500 مليار دولار. فيما تجاوزت التكلفة المباشرة، التي تشمل إنشاء البنية التحتية والمرافق الخاصة بالبرنامج النووي والتكلفة السنوية لتشغيلها، 50 مليار دولار تقريباً.

وأشار التقرير إلى أن هذه التكلفة للبرنامج النووي الإيراني تجعله "أحد أكثر المفاعلات النووية في العالم تكلفة على الإطلاق، على الرغم من قدراته التقنية المحدودة"، حيث تبلغ تكلفة المفاعلات الحديثة أقل من نصف هذه المبالغ.

 

وتناول التقرير بشكل مفصل تكلفة البنية التحتية وتشغيل مفاعل بوشهر والمرافق المرتبطة به، واستخراج وتخصيب اليورانيوم الخام واستيراده، والتسلسل الزمني لمراحل تطوير المفاعل، كما استعرض مراحل العقوبات الدولية التي فرضت على إيران منذ اكتشاف مرافق نووية سرية فيها في عام 2002.

 

كما سلط التقرير الضوء على تصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية حالياً في إيران مع تدهور الأوضاع الاقتصادية على إثر انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي العالمي، في شهر مايو الماضي، وإعلانها فرض عقوبات جديدة على إيران.

 

وقال التقرير "يهدد هذا التطور الحرج، في إشارة إلى الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، بتجدد خسائر الاقتصاد الإيراني في عام 2018".

 

وكانت الإدارة الأمريكية أعلنت بعد الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني عن إعادة فرض عقوبات على الاقتصاد الإيراني على حزمتين، الأولى دخلت حيز التنفيذ في شهر أغسطس 2018، وتشمل فرض عقوبات على التجارة مع إيران في مجال الذهب والمعادن النفيسة الأخرى، وعمليات بيع أو شراء أو تحويل المعادن كالصلب، والألمنيوم، والفحم، وفرض عقوبات على التعاملات الكبيرة لشراء أو بيع الريال الإيراني أو الاستثمار في السندات الإيرانية خارج حدود الأراضي الإيرانية، بالإضافة إلى فرض عقوبات على قطاع صناعة السيارات في إيران. والحزمة الثانية من العقوبات دخلت حيز التنفيذ في شهر نوفمبر 2018، وتتضمن فرض عقوبات شاملة على قطاع الطاقة الإيراني خاصة قطاع النفط، بالإضافة إلى فرض عقوبات على قطاع الموانئ والشحن وعلى البنك المركزي.

 

وتابع التقرير "أدى تردي الأوضاع الاقتصادية في إيران إلى اندلاع الاحتجاجات الشعبية في المدن الإيرانية بصورة متكررة خلال الأعوام الماضية تنديداً بالارتفاع الحاد في التضخم، وزيادة البطالة، والفقر، والفساد".

 

 

كما أدت العقوبات المتتالية على إيران، حسب التقرير، إلى تراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى إيران، كما ألغت الشركات الأجنبية عقود استثمار جديدة بعشرات المليارات من الدولارات خاصة في قطاع الطاقة، والذي يحتاج إلى ما بين 130 إلى 300 مليار دولار من الاستثمارات الجديدة للحفاظ على إنتاجيته حتى عام 2020.

ونتيجة تراجع الاستثمار وتراجع النمو، ارتفعت معدلات البطالة في إيران، خاصة بين الشباب الذين لا يجد ثلثهم تقريباً فرص عمل، وهو ما يسهم في تأجيج عدم رضاهم عن الوضع الاقتصادي المحلي. كما انهارت قيمة الريال الإيراني نتيجة العقوبات المتتالية، خاصة حزمة العقوبات الأمريكية الأخيرة، والتي أدت إلى تراجع سعر الدولار الأمريكي في السوق السوداء من 112 ألف ريال في أغسطس 2018، مقارنة مع 36 ألف ريـال للدولار الواحد في السوق الرسمية مطلع العام ذاته أي قبل العقوبات الأمريكية.

 

ونتيجة لذلك، قفز معدل التضخم إلى مستويات قياسية تصل في بعض التقديرات إلى متوسط سنوي نسبته 203% في بنهاية عام 2018، وتأثرت القطاعات الاقتصادية المختلفة في إيران بالعقوبات المتتالية وتبعاتها، خاصة قطاع النفط الذي تراجع إنتاجه وصادراته، الذي يعتمد الاقتصاد الإيراني على عائداته بصورة كبيرة، كما تراجع الإنتاج الصناعي الإيراني، والذي استهدفته العقوبات بصورة صريحة، خاصة حزمة العقوبات الأمريكية الأخيرة، إضافة إلى تأثر قطاع الزراعة بضعف الميكنة وغياب التقنيات الحديثة بسبب العقوبات، وعجز القطاع الصناعي المحلي عن تقديم البديل.

 

 

وأدت العقوبات الدولية كذلك إلى تدهور البنية التحتية الإيرانية بسبب تراجع الإيرادات العامة من تصدير النفط، وإحجام الشركات الأجنبية عن الاستثمار في القطاع بسبب العقوبات، وهو ما يضاف إلى تأثير التراجع التقني نتيجة العقوبات وتقييدها لنقل المعرفة والمعدات الحديثة إلى إيران، نتج عن ذلك تقادم البنية التحتية الإيرانية، خاصة في قطاع النفط وشبكات الطاقة، وهو ما يضعف من كفاءة هذه القطاعات، ويكلفها خسائر سنوية نتيجة فقدان جزء من إنتاجيتها.

 

وأضاف التقرير أن فعالية العقوبات الأمريكية ستعتمد في نهاية المطاف على استجابة الأطراف الدولية لها، سواء الحكومات أو الشركات، ومن المتوقع أن تستجيب الشركات الأوروبية للعقوبات تجنباً للخسائر المحتملة حال عدم استجابتها، في حين قد تستمر بعض الشركات الآسيوية في أعمالها مع إيران، أو حتى تتوسع فيها إلا إذا قررت الإدارة الأمريكية الضغط على الحكومات الآسيوية باستخدام ملفات ثنائية أخرى.

 

ولفت التقرير إلى أن "الوصول إلى بيانات ومعلومات رسمية دقيقة عن التكلفة المالية المباشرة للبرنامج النووي الإيراني، أو التكلفة الاقتصادية للعقوبات الدولية على إيران، مهمة صعبة أو غير متاحة بسهولة، خاصة فيما يتعلق بالتكلفة المالية للبرنامج، بل إن هذه البيانات غير متاحة حتى للمسؤولين الإيرانيين أنفسهم، ولا يمكن إلا لعدد محدود جدا من أبرز رجال الدولة الإيرانية الاطلاع عليها، ومن هنا ترتكز محاولات رصد التكلفة الاقتصادية الإجمالية للبرنامج النووي الإيراني، المباشرة وغير المباشرة، على تقديرات متخصصة تعتمد على الأجزاء المتاحة من البيانات الرسمية وشبه الرسمية، بالإضافة إلى مقارنات دولية وحسابات تقريبية لسد الفجوات في المعلومات المطلوبة".

 

أوضح التقرير أنه على الرغم مما تشير إليه بيانات تدفق الاستثمار الأجنبي إلى إيران من تراجع بسبب العقوبات، إلا أنها لا تظهر مخططات الشركات الأجنبية للاستثمار في إيران والتي ألغيت في مهدها، ومن ثم لم تسجل كخسائر على الرغم من كونها فرصاً ضائعة على الاقتصاد الإيراني، وأغلب مخططات الاستثمار الملغية خلال العقد الماضي كانت في القطاع النفطي الإيراني، الذي شهد زيادة سريعة في أسعار النفط، حفزت شركات الطاقة العالمية على زيادة استثماراتها في البلدان الغنية بالنفط بصورة غير مسبوقة، وهو ما لم تستفد منه إيران بسبب أزمة برنامجها النووي، وتقدر قيمة عقود الاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة الإيراني، والتي ألغيت منذ بداية أزمة البرنامج النووي والعقوبات وحتى عام 2010 بنحو 60 مليار دولار أمريكي.

وبشكل عام، تأتي الخسائر المتمثلة في فرص الاستثمارات الأجنبية المهدرة على مدى سنوات الأزمة النووية بسبب العقوبات المتتابعة، في حين تقدر الحكومة الإيرانية احتياج قطاع الطاقة بها لما بين 130-145 مليار دولار من الاستثمارات الجديدة بحلول عام 2020، فقط للحفاظ على القدرات الإنتاجية لقطاع النفط، ومنعها من التراجع لسنوات المقبلة، وهي التقديرات التي تصل وفقا لمسؤولين إيرانيين آخرين إلى 300 مليار دولار، حسب التقرير.

 

نقل التقرير عن البنك الدولي تقديره حاجة إيران إلى خلق مليون فرصة عمل جديدة سنوياً من عام 2015، للإبقاء على معدلات بطالة في حدود 10%، لكن من الواضح أن الاقتصاد الإيراني لم ينجح في توفير هذا الكم من فرص العمل الجديدة بعد عام 2015، حتى في ظل تخفيف العقوبات الدولية، فقد ارتفع معدل البطالة في عام 2016 إلى 12.4%، وتراجع قليلاً إلى 11.8% في عام 2016، قبل أن يرتفع مجددا إلى 12.1% في الربع الأول من العام الجاري، وفقاً للبيانات الرسمية الإيرانية، وهو ما قد يعني معدل بطالة فعلي يفوق البيانات الرسمية ببضع درجات.

وتتفاقم أزمة البطالة الإيرانية بصورة خاصة لدى الشباب، مما يسهم في تأجيج مخاوفهم وعدم رضاهم عن الوضع الاقتصادي المحلي، وهو ما يفسر غلبة الفئة الشابة على المشاركة في الاحتجاجات.

 

يأتي قطاع النفط في مقدمة القطاعات الإيرانية المعتمدة في الأساس على التبادل الخارجي في صورة التجارة العالمية والاستثمارات الأجنبية، وكذلك في مقدمة القطاعات التي استهدفتها من خلال فرض حظر على الصادرات النفطية الإيرانية، ومن ثم كان القطاع من الأشد تأثرا بالعقوبات في الاقتصاد الإيراني، ويشكل قطاع النفط ركناً مهماً في اقتصاد إيران بسبب مواردها الهائلة منه، وفقاً للتقرير.

 

إلى جانب تراجع إنتاج قطاع النفط، أثرت العقوبات الدولية كذلك على الصناعة الإيرانية، خاصة بسبب ارتفاع أسعار الواردات، وفي مقدمتها المكونات والسلع الإنتاجية بعد انهيار قيمة العملة المحلية، وبسبب الحظر على توريد الماكينات والمعدات إلى إيران، والحظر على الصادرات الإيرانية أيضا.

 

ورصد تقرير المنتدى الاستراتيجي العربي أن البنية التحتية الإيرانية تأثرت بدورها بالعقوبات الدولية، سواء في جولتها الأولى في منتصف العقد الماضي أو في حزمة عقوبات 2012، ويعزى هذا إلى عدد من العوامل، في مقدمتها تراجع الإيرادات الحكومية خاصة من القطاع النفطي، وما ترتب على ذلك من تراجع الموارد اللازمة للاستثمار العام في البنية التحتية وتطويرها.

 

وبصورة إجمالية، بلغ إجمالي خسائر الاقتصاد الإيراني منذ عقوبات 2012 وحتى عام 2016، مع بدء التحسن الاقتصادي في أعقاب الاتفاق النووي ما بين 310 و390 مليار دولار أمريكي، في صورة إنتاج غير متحقق، بسبب عدد من العوامل، في مقدمتها تراجع الصادرات النفطية وتدفقات الاستثمارات الأجنبية، وحجب المعرفة والتقنيات الحديثة، وفقاً للتقرير.

 

يشار إلى أن المنتدى الاستراتيجي العربي يقدم، بتوجيهات ورعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ومنذ عام 2001 استشرافات وتوقعات سنوية دقيقة حول الأحداث المهمة على مدار العام.

 

ويتضمن المنتدى آراء الخبراء وبيانات موثوقة المصدر وتحليلات متعمقة، بهدف تسهيل عملية جمع الخبرات العالمية لاستشراف التحديات والفرص الإقليمية المستقبلية.

 

ويسهم المنتدى في تلاقي كبار المسؤولين الحكوميين من أنحاء العالم العربي ومن المناطق الأخرى من العالم، فضلًا عن رواد الأعمال والأكاديميين المتميزين من ذوي التأثير.