بعد رحيله.. عمار الشريعي عود يشكي حديث الصباح والمساء

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


غواص تعمق في أعماق بحار النغم، حتى حفرت ألحانه في قلوب وأذهان جمهوره، مداعبة أنامله أوتار العود جعلته بصير بقلبه فلم تمنعه ظروفه كونه كفيف أن يكون من أروع الملحنين على الإطلاق إنه الموسيقار الراحل عمار الشريعي، الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم.

 

بدأ  الشريعي- الذي ولد في السادس عشر من إبريل عام 1948، بمدينة سمالوط في محافظة المنيا- يتعلم العزف على آلة البيانو وعمره ثلاث سنوات، وكانت ابنة عمه تعلمه العزف عن طريق تسمية النغمات بأسماء الأصابع، وجاء إلى القاهرة وعمره خمس سنوات، والتحق بمدرسة "هادلي سكول" الأمريكية لتعليم المكفوفين، وبدأ في تعلم التدوين الموسيقي وعمره سبع سنوات، وتأسس تأسيسًا قويا سواء في التحصيل العلمي لعلوم الموسيقى، أو الممارسة العملية من خلال عزفه على الأكورديون، ثم دراسته لآلة البيانو 8 سنوات.

 

 وكان في التاسعة من عمره حين قام بتلحين أول عمل فني وهو أغنية "أمي"، أهداها لوالدته، وعندما بلغ من العمر 14 سنة، عزف على آلة العود التي من خلالها عرف أسرار الموسيقى العربية ومقاماتها وكل فنونها، وبدأ يطور نفسه بنفسه، ومن شدة إعجابه بـ"فريد الأطرش" كان يريد أن يعزف موسيقى "توتة"، فتدرب عليها بعصبية شديدة تسببت له في تمزق في كتفه، ولكن اتجاه الشريعي لاحتراف عزف الموسيقى، عرّضه لغضب أهله عليه، وتوقفهم عن إمداده بالمال الذي كان يدبر به أمور حياته في القاهرة، وعندما علِم الأطرش أن أحد أفراد عائلة الشريعي يحترف العزف، وأن العائلة لا ترغب في ذلك، وكان صديقًا للعائلة، قام بتنظيم حفلة في منزله على شرف عمار ودعا أعمامه للحفلة ووصفه بأنه "موسيقار كبير"، وعزف الشاب حينها على آلتي الأكورديون والعود.

 

واستمرت الأيام، وخلال دراسته في الجامعه عمل عمار الشريعي بفندق رمسيس بالهرم، فكان يعزف الأكورديون خلف إحدى الراقصات، وبعدما علمت والدته قررت مقاطعته، متهمتًا إياه بأن أمواله ورزقه حرام، واستمرت القطيعة خمس سنوات بعد أن ترك الشريعي المنزل وأستقل بحياته الخاصه، وصصم أن لا يعود إلا بعد أن يثبت لنفسه أن شارع الهرم ما كان سوى مرحلة مؤقته في حياته.

 

 

وهو ما نجح به خريج كلية الأداب في جامعة عين شمس، حتى قام بتأليف كونشرتو لآلة العود والأوركسترا ومتتالية على ألحان عربية معروفة وعزفهم مع أوركسترا عُمان السيمفونى سنة 2005، وشارك بالتعاون مع شركة إميولتور الامريكية في انتاج عينات من الالات تقليدية والشعبية المصرية والعربية، كما ابتكر العديد من الإيقاعات والضروب الجديدة، وأعاد صياغة وتوزيع العديد من المقطوعات الموسيقية والأغنيات.

 

وساهم مع مؤسسة دانسنج دوتس Dancing Dots الامريكية في انتاج برنامج جود فيل Good Feel والذي يقدم نوتة موسيقية بطريقة برايل للمكفوفين، وقام بتقديم وإعداد برنامج إذاعي لتحليل وتذوق الموسيقى العربية بعنوان " غواص في بحر النغم " من سنة 1988، إعداد وتقديم برنامج سهرة شريعي مع قناة دريم الفضائية المصرية، بالاضافة إلى تجاوز عدد أعماله السينمائية خمسين فيلمًا، وأعماله التليفزيونية 150 مسلسلًا، وما يزيد على عشرين عملًا إذاعيا، وعشر مسرحيات غنائية استعراضية، وزادت ألحانه على 150 لحنًا لمعظم فناني وفنانات العالم العربي.

 

وفتح لأجيال من شعراء العامية المصرية الحديثة، بدءًا من سيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودي وأحمد فؤاد نجم وحتى أيمن بهجت قمر، طريقًا واسعًا لتخرج أشعارهم من الدواوين إلى الفضاء الاجتماعي الواسع عبر الأعمال الدرامية، وفي الثمانينيات استطاع أن يدخل على آلة الأورج بعض التعديلات بحيث يدخل إليها إمكانية عزف الربع نغمة أو "السيكا"، والتي تميز كثيرًا المقامات الشرقية والعربية، فأصبحت آلة الأورج بدلًا من آلة تقتصر على النغمة ونصف النغمة، الآن تمتلك ربع النغمة أيضًا. وقام عمار بتسجيل هذه التغيرات وأرسلها لشركات صناعة الأورج العالمية وبالفعل قبلوها وتم حفظ حقه في هذا الاختراع.