منال لاشين تكتب: أزمة الفقه الذكوري فى الميراث

مقالات الرأي



قانونًا يرث العم مع ابنة أخيه ولكنه ليس ملزمًا بالإنفاق عليها

لماذا أخذنا بالإسلام فى الميراث والقوامة وأهملنا تطبيق حقوق الكفالة للنساء؟


حاول الدكتور سعد الهلالى الاجتهاد لإيجاد حل يضمن حلولا عادلة فى مشاكل الميراث فلم يسلم من الأذى والتهديد بإخراجه من ملة الإسلام. فالاجتهاد ليس مطلوبا فى قضية الميراث ربما لأن الطرف المظلوم لا يشكل ظلمه أزمة عند العديد من الفقهاء، ولا يشعرون بتأنيب الضمير لما تعانيه النساء الآن من ظلم وتمييز، هذا الظلم والتمييز والانتقائية ليس نابعا بأية حال من الأحوال من الإسلام قرآنا وسنة. ولكنه يرجع إلى مئات السنين من سيطرة الرجال على الفقه والاجتهاد أو بالأحرى (لا اجتهاد) حتى أصبح لدينا فقه ذكورى. هذا الفقه تسبب فى تأجيل قانون الخلع أو حق المرأة فى خلع زوجها لعشرات وربما لمئات السنين على الرغم من ثبوت حق المرأة فى خلع زوجها بالسنة النبوية وبآيات من القرآن. خذ عندك التفسير الذكورى فى حق الرجل فى تأديب زوجته بالضرب. وخذ عندك مثلا التفسير الذكورى الضيق لحق الرجل فى تعدد الزوجات.


1- نص الشرع

مرة أخرى يتكرر الانتقاء والظلم بصورة أعمق وأوضح فى ملف الميراث. فالقانون الذى أخذ بالشرع فى تقسيم الميراث تجاهل الشرع فى حق المرأة المسلمة فى الكفالة لأقاربها من الرجال الذين يقاسمونها الميراث بسبب القوامة والولاية.

فالمرأة ليس لها حق فى إقامة دعوى للإنفاق عليها إلا للأخ والأب والجد فقط. وذلك فى حالة رفضهم أو امتناعهم عن الإنفاق عليها. وليس للمرأة المصرية طبقا للقانون المصرى الحق فى مطالبة عمها مثلا أو ابن العم فى الإنفاق عليها فى حالة الفقر أو العوز وعدم وجود الأب أو الأخ. وذلك وضع متناقض مع الشرع. لأن العم يرث أخيه فى حالة عدم وجود أبناء ذكور للأخ. وبذلك يشارك العم بنات أخيه فى الميراث طبقا للشرع والقانون. ولكنه غير ملزم قانونا بالإنفاق على بنات أخيه فى حالة الفقر أو العوز. وبالمثل أبناء العم أو الخال. ففى حالة عدم وجود ابن ذكر يرث الخال من ميراث شقيقته ويشارك بناتها فى المصير بحكم الشرع والقانون، ولكن هذا الخال غير ملزم قانونا بالإنفاق على بنات أخته. وهكذا يشارك المرأة فى ميراث أمها أو أبيها بحسب الأحوال بحكم القرابة والدم والقوامة والولاية، ولكنه قانونا غير ملزم بالإنفاق عليها لو لحقها العوز والفقر. وهذا وضع يتناقض مع مبادئ الإسلام والأسس والأسباب الخاصة بقواعد المواريث فى الشريعة الإسلامية. فكل حق مقابله واجب. والقواعد الإسلامية فى المواريث توسع دائرة العائلة ومفهومها وترابطها، ولكن القانون المصرى لا يعكس هذه القواعد بأى حال من الأحوال، ولا يرسخها فى المجتمع.


2- حقوق الزوجة

من ضمن الأزمات التى ظهرت فى المجتمع حقوق الزوجة عند الطلاق. فهناك رجال كثيرون يطلقون زوجاتهم بعد عشرين وثلاثين عاما زواجا ولا تجد المرأة فى هذه الحالة إلا الفتات من الثروة التى تعبت وشقيت مع زوجها لجمعها. وهذه حالة تحتاج إلى تشريع يقوم على الاجتهاد مثلما تحاول الآن الدكتورة سعاد صالح. وتدعو الدكتورة أن تحصل المرأة على 50% من أموال زوجها فى حالة الطلاق. وهذا وضع لم يعرف فى أيام الرسول والخلفاء. ولكن ظهرت الحاجة إليه لإنصاف النساء والحفاظ على حقوقهن.

بل إن بعض الفقهاء يحرمون ما أحله الله بزعم أن المواريث محددة بالنسب. وأقصد الوصية الموجودة فى القرآن. فإذا أراد رجل أن يكرم زوجته رفيقة الكفاح بالوصية لها أو حتى بيع بعض ممتلكاته لزوجته زعموا أنه حرام. وطبقا للشرع ترث الزوجة الثمن (12.5%) بينما ترث الأخت أو الأخ (فى حالة عدم وجود ابن) الربع (25%). فإذا أراد الزوج أن يميز زوجته مكافأة لها عن شقائها وتعبها معه فى بداية حياته أفتى الفكر الذكورى بأنه حرام ونسوا الحق فى الوصية. وذلك لمجرد التعود على ظلم المرأة.


3- القرآن والسلطان

أدرك أن الرد الجاهز لدى أصحاب الفكر الذكورى بأن العم أو الخال أو ابن العم ملزم اجتماعيا بالإنفاق على نساء عائلته، وهنا أذكر الجميع بمقولة (أن الله يصلح بالسلطان ما لا يصلح بالقرآن) فلا يمكن الاعتماد على الأخلاق والنوايا فيما يتصل بحقوق المرأة بينما نتمسك بالقانون فيما يتصل بحقوق الرجل. وهذا هو التناقض الذى أعنيه. فإذا كان المجتمع مصرا أو متفقا على العمل بالميراث تطبيقا للشريعة فأهلا وسهلا بتطبيق الشرع كاملا وليس منقوصا. أما أن تطبق نص الشرع فى الميراث فهذا ظلم بيّن للنساء.

ومنذ أسبوعين ناشدت شيخ الأزهر أن يقرأ جيدا نتائج استطلاع رأى أجريناه فى «الفجر» حول الميراث. فالنتائج خطيرة. أكثر من ربع المجتمع مع المساواة فى الميراث وأكثر من 70% من النساء مع المساواة فى الميراث. وهذه مؤشرات يجب أن تقلق الشيخ الجليل والقائمين على الأزهر. وتجعلهم يفكرون بعمق فى أهمية الاجتهاد فى هذا الملف. وذلك بدلا من التصدى لكل من يحاول أن يجتهد لصالح الإسلام أولا ثم المسلمين. فغياب أو بالأحرى تجاهل الاجتهاد يمنح كل مساحات جديدة وواسعة لأصحاب فكرة الدولة المدنية التى تقوم على العدل والحق والمساواة، وأن الدين علاقة بين الإنسان وربه. ولذلك يجب أن يحتذى الأزهر بالخليفة العادل عمر بن الخطاب. ففى عام الرمادة انتشر الجوع والفقر، فبحث الخليفة العادل عن قاعدة شرعية وأوقف مرحليا حد الحرابة وقطع يد السارق. أنا لا أدعى معرفة أو قدرة على الحديث فى الاجتهاد فى الدين، فالاجتهاد له ناسه. كل ما أطلبه وألح عليه هو ضرورة الاجتهاد لمواجهة عورات المجتمع التى تظلم المرأة.