د. نصار عبدالله يكتب: ذكريات سميحة أيوب "2"

مقالات الرأي



مازلنا مع ذكريات سيدة المسرح العربى الفنانة الاستثنائية: «سميحة أيوب»، التى أثبتت أنها تجمع بين موهبة التمثيل وموهبة الكتابة أيضا وذلك من خلال كتابتها بنفسها لذكرياتها بأسلوب بالغ البساطة والسلاسة والتماسك والجاذبية، على النحو الذى أوضحناه فى الحلقة الماضية.. ولعلنا نضيف فى هذه الحلقة سمات أخرى من سمات كتابتها فى مقدمتها الصدق والشجاعة على قول الحقيقة، أو إن شئنا الدقة قول حقائق معينة قد يتحرج من ذكرها كتاب آخرون، وأهم من ذلك قدرتها على العرض الدرامى لتلك الوقائع من خلال الكتابة عنها بشكل بالغ البساطة لكنه بالغ التأثير وبشكل خاص كتابتها عن الموقف الذى أدى إلى طلاقها من زوجها الثانى ووالد أبنائها: الفنان الاستثنائى المبدع محمود مرسى والذى سنعرض له فى موضع لاحق، لكننا نبدأ أولا بحديثها عن كيفية ولوجها إلى عالم المسرح، فقد كانت يوما وهى بعد صبية فى الرابعة عشرة من عمرها، كانت تستذكر دروسها على مائدة الطعام شأنها فى ذلك شأن الغالبية العظمى من أبناء الطبقة المتوسطة الذين ليس لديهم مكاتب للمذاكرة، ولهذا فهم يستخدمون مائدة الطعام لكلا الغرضين: الطعام والمذاكرة!!.. كانت فى نفس الوقت تستمع إلى الراديو حين سمعت المذيع يعلن عن حاجة معهد الفنون المسرحية إلى فتيات للتقدم للمعهد، وسوف تحصل الطالبة التى تجتاز اختبار القبول على مكافأة قدرها ستة جنيهات شهريا.. هنا فقط راودتها الأحلام بأن تكون يوما ما من بين الملتحقين بالمعهد، لكنها لم تجرؤ على التصريح مجرد التصريح بهذه الرغبة لوالديها لأنها كانت توقن بأن مصير رغبتها تلك هى الرفض القاطع (وربما أيضا العقاب).. لكنها عندما ذهبت إلى المدرسة شعرت بألم فى حصة الألعاب، فقررت أن تستأذن من المدرسة وتعود إلى البيت قبل انتهاء اليوم الدراسى، لكن زميلة من زميلاتها اسمها «تماضر» قالت لها إنها سوف تذهب لكى تمتحن فى معهد التمثيل وطلبت منها أن تصحبها لكى تتسلى بالفرجة عليها وهى تؤدى الامتحان!!، وبعد أن نودى على المتقدمات، نظر إليها شخص من اللجنة وسألها: إنت بتعملى إيه يا شاطرة هنا؟.. أجابت: أنا كنت مع صاحبتى اللى كانت بتمثل دلوقتى.. فضحك وقال لها: انت تحبى تمثلى؟.. قالت له أيوه، قال: تمثلى زى مين؟ قالت: زى يوسف وهبى وليلى مراد!!.. وهنا ضجت اللجنة بالضحك، فقد كان من بين أعضائها يوسف وهبى وهى لا تعلم! وسألها أحدهم: انت يا شاطرة حافظة حاجة؟ قالت: لا.. قال ولا أى شىء؟.. قالت حتة شعر بالفرنساوى (لأنها كانت فى مدرسة سان جوزيف بشبرا) قال لها: طب قولى.. لكنها عندما تهيأت للإلقاء فوجئت بأن صوتها لا يخرج من حلقها!! فانفجرت بالبكاء.. وعندئذ قال لها الرجل الذى كان يخاطبها: معلهش.. ما تخافيش.. أنت عندك كام سنة؟ قالت: أربعتاشر.. وقد لاحظت أن أحد أعضاء اللجنة كان يرفض حتى أن يحدثها!! لكن الشخص الذى كان يخاطبها، فقد فهمت أنه فى سبيل إقناع اللجنة بالتروى.. أخيرا قال لها الشخص الذى كان يرفض الحديث معها: اسمعى يا شاطرة.. إنت لسة صغيرة ولازم يكون عندك ستاشر سنة علشان تاخدى المكافأة بتاعة المعهد..علشان كده إحنا هناخدك كطلبة مستمعة حتى يصل سنك للسادسة عشرة، وبعدها نرى إن كنت تصلحين، وتاخدى المكافأة!!.. كانت هذه هى البداية أو فلنقل النهاية لهذا الفصل من فصول مسرحية الحياة لكنه لم يكن الفصل الأخير لأن المسرحية لم تكتمل بعد، فقد خرجت من المعهد وقد نسيت كل شىء عن المتسابقات واللجنة، وجلست إلى المائدة لكى تؤدى الواجبات المدرسية، وإذا بجرس الباب يدق ويدخل خالها ويقبلها ويجلس بجانبها ويقول لها سيبى المذاكرة شوية واقعدى معايا لأنى مش هاقعد كتير، وفتحا الراديو وإذا بالمذيع يذيع نفس النداء، فقالت لخالها الذى تذكر عنه أنه كان رجلا فنانا شاعرا له دواوين كثيرة من الشعر (لم تذكر اسمه لا أدرى لماذا) رغم أنه كما سنرى كان صاحب الفضل عليها.. قالت له: إيه رأيك يا أونكل لو أروح أقدم فى هذا العهد؟.. قال لها: ياريت.. دول هياخدو تسع بنات من بين مائة بنت متقدمة، قالت له: لنفرض أنهم وجدونى صغيرة السن حرمونى من الستة جنيهات.. فرد عليها: ستة جنيهات إيه يا عبيطة.. المهم تتقبلى.. عندئذ أحست بالاطمئان وروت له ما حدث، وأوضحت له تخوفها من أبيها وأمها، لكنه قال لها: اتركينى لهم، غير أنها عندما توجه لكى يقوم بهذه المهمة.. سمعت شجارا عاليا.. انتهى بخروجه إليها ليقول لها: لمى هدومك فى شنطة.. أنا واخدك تسكنى معايا... وللحديث بقية