سامي جعفر يكتب: ما فضحته رانيا يوسف

مقالات الرأي



من حجب المواقع الإلكترونية.. إلى الحصول على تصريح للتعبير عن الرأى


كانت الممثلة رانيا يوسف، تمشى على «ريد كاربت» الدورة الـ40 لمهرجان القاهرة السينمائى، فرحة بأنوثتها وفستانها المثير مثل أى ممثلة أخرى سواء فى مصر أو فى أى دولة، فى لحظة كانت ستمر سواء لقى اختيارها إعجاباً أو استهجاناً، سواء لتصميم الفستان الجيد أو الردىء، ولكن الفستان أثار فضيحة ضخمة.

أبسط الأسئلة التى تتفجر فى ذهن أى متابع لملحمة الفستان، ما هى حقيقة المجتمع المصرى هل هو بالفعل مجتمع متسامح وواسع الصدر وأخلاقى يستر أبناءه ويرفق بالغرباء، وكيف ينظر إلى المرأة هل يقدرها بالفعل أم ينتهك حريتها ويعتدى على حقوقها، وما هى الصورة التى يريد أن يراها عليها؟

فى البداية تحولت رانيا إلى تريند على موقع «تويتر»، واهتم كثيرون بالتعليق على الفستان بين مؤيد لحريتها وبين رافضين لما كشفه من لحمها، وزاد من اشتعال الموقف، ردودها التى بدت فيها كعادتها مستهينة بمن شعروا بالغيظ لإظهارها أنوثتها، ومتقبلة فى الوقت نفسه آراء الرافضين، فى تعبيرات ساذجة.

نقابة المهن التمثيلية، وعلى غير المتوقع أدانت تصرف رانيا وقررت إحالتها للتحقيق، لأن «المظهر الذى بدت عليه لا يتوافق مع تقاليد المجتمع وقيمه وطبائعه الأخلاقية، الأمر الذى أساء لدور المهرجان والنقابة المسئولة عن سلوك أعضائها»، متوعدة رانيا بجزاء حتى لا يتكرر تصرفها، ثم تراجعت النقابة عندما تمت إحالة رانيا إلى المحاكمة فى 12 يناير المقبل، واعتبرت ذلك أمرا شديد الخطورة وتصعيدا غير مبرر.

والنقابة فى موقفها المتناقض خلال أقل من 48 ساعة، كانت تحاول أن تلعب على الحبال، فى مزايدة غير مطلوبة لتبدو أكثر تمسكاً بالأخلاق، وتخلت عن أحد أدوارها باعتبارها مؤسسة تمثل أحد مكونات القوة الناعمة لمصر، أمام العالم، كما تخلت عن أحد أدوارها غير المباشرة، بالتمسك ومساندة الحرية الاجتماعية، خصوصاً أن تقييم زى بعينه مسألة نسبية بين الأفراد والمجتمعات.

أما النيابة فاستجابت لمجموعة من المحامين من هواة الشهرة، والجاهلين بأهمية مهنتهم العظيمة، وقررت إحالة الممثلة إلى محكمة جنح الأزبكية بتهمة الفعل العلنى الفاضح والتحريض على الفسق والفجور، ما يكشف أن الجهة التى تمثل سلطة الادعاء العام للمجتمع، تنظر إلى المهرجان السينمائى والممثلين الحاضرين فيه وكأنهم رواد أو عاملون فى كباريه غير مرخص.

قد يقول البعض: إن المسألة برمتها غير مهمة، ولا تستحق هذا الانشغال الشديد، ولكن حجم الاهتمام بالفستان يثير الدهشة والألم لأنه يفضح طبيعة المجتمع الذى أصبح يريد حجب كل شىء بداية من الأفكار إلى المنصات الإعلامية، وفى نفس الوقت يطلب مزيداً من الديمقراطية، لأن جوهر الديمقراطية ليس الإيمان بفكرة أو قبول رأى آخر أو تصرف مختلف، ولكنها ببساطة شديدة القبول بحرية الآخرين دون السعى لعقابهم أو إجبارهم على نمط من الأفكار أو التصرفات التى يرفضونها.

ومن زاوية نفعية بحتة، كشفت قضية الفستان، أن البلد الذى يسعى إلى جلب أكبر عدد من السائحين من جميع أنحاء العالم، يعيش فيه شعب يعتبر أبناؤه أن جزءا مكشوفا من جسد ممثلة أمر كاف للزج بها فى السجن وجرجرتها أمام القضاة،.. وأن دولة تعتبر إحدى مؤسساتها أن ارتداء امرأة رداء عارياً ارتكاب لجريمة فسق وتحريض على الفجور لا يمكن أن تحمى سائحة من التحرش أو الاغتصاب، خصوصاً أن الغالبية العظمى من السائحين القادمين إلى مصر يتوجهون إلى الشواطئ وأقل ما يرتدونه فى مدننا السياحية يكشف أكبر بكثير مما كشفه فستان رانيا.