أحمد جمال يكتب: نهال نبيل "مفاجأة" يجب التعلم منها

الفجر الفني

أحمد جمال
أحمد جمال


قبل أي شيء، يجب أن يدرك القارئ الفاضل أن صناعة الموسيقى التجارية تشبه بقدر كبير رياضة كرة القدم، فهي "لعبة جماعية" تتكون من فريق عمل يسعى لتحقيق المعادلة الصعبة بإخراج محتوى موسيقي على أكبر قدر من الإجادة.

 

ولا يخفى على الجميع أن الأغنية تتكون من مؤلف وملحن ومغني وموزع موسيقي وعازفين ومهندس صوت كلاعبين أساسيين، وعلى دكة الاحتياط يكون هناك خيارات تدعم نجاح الأغنية للمطرب حرية الاستعانة بها، مثل تقديم العمل الموسيقي بطريقة الفيديو كليب والحفلات الغنائية، إلى آخره.

 

ونحن في نهاية عام 2018، أصبحت صناعة الموسيقى المصرية بخيلة للغاية في تقديم مواهب جديدة تمتلك الخيال والثقافة الموسيقية التي تغنيها عن سيطرة "دماغ المنتج" على ما تقدمه، إذا ما أرادت أن تظهر هذه الموهبة للنور.

 

ولا يخفى أيضا على الجميع أنه مع الأسف دائما ما تذهب "دماغ المنتج" للإغراء والكلمات المثيرة للجدل والفيديوهات الموسيقية الضعيفة إخراجيا والتي تعتمد في غالبيتها على الرقصات الغير متناسقة أو التفاخر بالمنتجات الفاخرة من سيارات وطائرات خاصة، و التي يكون الهدف منها إبهار المشاهد بأي طريقة حتى يقضى على المحتوى الفني تماما، فيعتمد المشاهد على المشاهدة ولا يكترث بما يخرج من فم المطرب أول المطربة على الإطلاق.

 

هذا الأسلوب الرتيب في تقديم المواهب الجديدة أضعف بشكل كبير ظهور مواهب تبشر بجيل جديد من المطربين المصريين، وزاد في نفس الوقت من تعلقنا بعمالقة الفن المتواجدين على الساحة حاليا، وجعلنا ذلك نتساءل ماذا سيحدث إذا ما قرر الفنان الفلاني أو الفنانة الفلانية الاعتزال، من يمكن أن يحل محل هذا أو ذاك من المطربين ويقدم لنا ما كانوا يقدمونه وكان سببا في عشقنا للغناء طوال السنوات الماضية.

 

حتى صادفني في يوم 21 أكتوبر الماضي، فيديو موسيقي رفع على القناة الرسمية لشركة الإنتاج المصرية الرائدة "مزيكا" على موقع يوتيوب للفنانة نهال نبيل.

 

كان الفيديو لأغنية جديدة للفنانة الشابة باسم "كان واحشني" من كلمات الشاعر الكبير "تامر حسين" وتلحين نهال نفسها، وتوزيع الملحن والموزع الكبير أيضا "خالد نبيل".

 

إذا ما عدنا لبادئ الحديث عن وجوب أتباع أسلوب كرة القدم كلعبة جماعية في تقديم المحتوى الموسيقي واختيار اللاعبين المشاركين بالفريق بعناية، والعناصر الجالسة على دكة الاحتياط، سنجد من خلال فيديو كليب "كان واحشني" ضالتنا المنشودة.

 

لم يسعني سوى تكرار المشاهدة للفيديو الخاص بأغنية "كان واحشني" أكثر من 12 مرة متتالية دون ملل، لأجد في كل مرة مزيدا من التفاصيل التي تمت مراعاتها بمنتهى الإتقان، لأفاجأ أن الفيديو من إخراج "نهال نبيل" نفسها، التي علمت بعد ذلك أنها خارج الوسط الموسيقي أستاذة أكاديمية بكلية الإعلام وتخصصها الإخراج.

 

دفعني رقي المحتوى في هذا الفيديو للبحث أكثر وأكثر في تاريخ هذه المغنية الغامضة بالنسبة لي لأجد أنها الصوت المميز الذي تعلقت به أذهاننا جميعا وقام بغناء تتر مسلسل "سارة" للنجمة حنان ترك عام 2005.

 

ولكن يجب أن أعود في حديثي إلى هذه الموهبة التي لا توصف بشئ سوا أنها متكاملة، بحكم خبرتي كصحفي مترجم ومطلع على أخبار الفن والموسيقى بهوليوود، بجانب خبرتي كشاعر غنائي لمدة 10 سنوات، أدركت في نفس اللحظة التي شاهدت بها فيديو "كان واحشني" مدى قوة هذه الموهبة، وأكد لي ذلك حين طرحت نهال "مفاجأة"، وهو الاسم الذي اختارته لألبومها الأول.

 

من اختيار الكلمات والألحان وتنوعها وتوافقها لطبقة صوتها القدير، بجانب تأكيدها على عبقريتها في العمل "بدماغها"، وإخراجها لفيديو "لو بيحبك هيرجع" بهذه الطريقة التي تتطلب ثقة جبارة في النفس، بالظهور بدون موديل أو العديد من المناظر، وغياب العناصر التي سبق ولفتنا لها نظر القارئ في بداية هذه المقال ويعتمد عليها المنتجون حاليا مع المواهب الصاعدة في فيديوهاتهم الموسيقية.

 

كل ذلك أكد لي أنه قد يكون الوسط الموسيقي في مصر اكتسب بـ"نهال نبيل" موهبة فذة، تدعمها الثقافة والخيال الخصب والتعليم الأكاديمي وتعدد القدرات، وتشعرنا أن مستقبل الموسيقى بمصر مبشر، إذا ما رزقنا بأكثر من موهبة مشابهة لهذه المطربة الواعدة.