رفع أسعار الفائدة.. أعباء تتزايد على الحكومة والبنوك أكبر الرابحين

الاقتصاد

بوابة الفجر


تشهد الحكومة المصرية هجمة حادة من إدارة صندوق النقد الدولى خلال الفترة الحالية بسبب وصول معدلات التضخم إلى مستويات قياسية خلال الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى تضاعف عجز الموزانة، بما يتنافي مع شروط التي وضعها الصندوق عند حصول مصر على القرض والتي تعهدت الحكومة بتنفيذها لاستكمال القرض.

أسباب عدة قد تدفع صندوق النقد الدولي لمزيد من التعنت مع الإدارة المصرية، أو على الأقل وضع مزيد من القيود على الحكومة والمطالبة بشروط أخرى يقتضي على الحكومة المصرية تنفيذها لاستكمال ما بدأته.

من أبرز السيناريوهات المطروحة على الساحة الاقتصادية حاليًا هى مطالبة إدارة الصندوق برفع أسعار الفائدة على الإيداع و الإقراض، للحد من من الموجة التضخمية الشرسة التي يشهدها الاقتصادية حاليَا، خاصة بعدما لوح الصندوق في تصريحاته بأن رفع الفائدة هى الخيار الأمثل أمام الحكومة المصرية للخروج من الوضع الراهن.

بالرغم من أن رفع أسعار الفائدة هو الاحتمال الأقرب في ظل إصرار صندوق النقد الدولى عليه، إلا أن رفع الفائدة لن يعود بأي نفع على المواطن المصري، فعلى الرغم أنه من شأنه تخفيض معدلات التضخم  إلا أن هذا الاحتمال ضعيف جدًا في الوقت الحالي، خاصة ارتفاع الأسعار ليس فقط تضخمًا وإنما النسبة الأكبر منه بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، بعد تحرير سعر صرف العملة المحلية ورفع أسعار الطاقة مما زاد  من تكلفة نقل السلع، فالأمر برمته يقع على رأس المواطن البسيط الذي لم يعد يتحمل مزيد من الاجراءات التقشفية.

وعن الأسعار يقول الخبراء، ما الفائدة من محاولات خفضها والجميع يعلم أن الدولة بصدد مزيد من رفع الدعم عن الطاقة الأمر الذي سينعكس سلبًا على الأسعار.

يأتي ذلك تزامنًا مع التصريحات الخاصة بصرف علاوة الـ10 % نهاية مايو الجاري، والزيادة التلقائية التي تحدث في الأسعار على إثر هذه الزيادة، بمجرد علم التجار بصرفها لا يجد المواطن أمامه سوى مزيد من ارتفاع الأسعار، مما يثير تساولًا لماذا يصر صندوق النقد الدولى على هذا الشرط في ظل التاكيد بأنه لن يؤير ايجابيًا على الأسعار، وهل ستستجيب الحكومة لمزيد من شروط الصندق في سبيل القرض؟

وكان صندوق النقد قد اشترط على الحكومة المصرية الوصول لمعدل معين من التضخم  وعجز الموازنة للاستكمال الدفعات المتبقية من القرض البالغ 12 مليار دولار، في إشارة إلى أن الحكومة المصرية فشلت في تحقيق الهدف المنشود، وبالأخص معدلات التضخم الذي وصل إلى مستوى 25%، تقريبًا ضعف مستوياته قبل الحصول على القرض، مما دفع إدارة الصندوق للمطالبة برفع أسعار الفائدة بسبب الأتي:

التضخم

أثار تجديد صندوق النقد الدولى مطالبه من مصر بشأن السيطرة على معدلات التضخم المرتفعة، تساؤلات حول مصير أسعار الفائدة خلال العام الجاري فى ظل استمرار ارتفاع معدلات التضخم لتتجاوز 32% حتى نهاية مارس.

وقالت كريستين لاجارد المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى فى اجتماعات الربيع، إن مصر بحاجة لاتخاذ المزيد من الخطوات لمعالجة مشكلة التضخم

فيما قال جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط لدى صندوق النقد الدولي إنه من الضروري، اتجاه مصر إلى استخدام كافة السياسات والأدوات المالية والنقدية، للسيطرة على معدلات التضخم التي وصلت إلى مستويات قياسية، مشيرًا في ذلك إلى رفع أسعار الفائدة المصرية على الإيداع واٌقراض.

ويتلخص معنى التضخم في كونه الارتفاع المفرط في المستوى العام للأسعار، و تضخم الدخل النقدي أو عنصر من عناصر الدخل النقدي مثل الأجور أو الأرباح، وارتفاع التكاليف، والإفراط في خلق الأرصدة النقدية.

عجز الموازنة

رفعت الحكومة المصرية توقعاتها لتقديرات عجز الموازنة خلال العام المالي الجاري 2016/2017 إلى 10.9% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 9.8% المقدر وقت إعداد الموازنة، ومقابل نحو 10.2% في منتصف فبراير، الأمر الذي يمثل مزيدأ من الضغوط على أوضاع الاقتصاد المصري، ما أثار العديد من التخوفات لدى إدارة صندوق النقد الدولي بشأن قدرة مصر على تحقيق أهداف البرنامج الاقتصادي الذي أقره الصندوق في 3 نوفمبر الماضي.

يأتي رفع توقعات عجز الموزانة على خلفية زيادة معدل الإنفاق العام مقابل تراجع النفقات الاستثمارية، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الكثير من السلع المستوردة مثل البترول والقمح بأكثر من 30%، بالإضافة إلى  ضعف الأداء الضريبي، وتقلب الحصيلة الضريبية، بسبب تعاظم حجم الاقتـصاد غير الرسمي، وانخفاض متوسط الدخول الحقيقية، وغياب الوعي الضريبي، وظاهرة التهرب الضريبي، فضلًا عن زيادة الاعتماد على أذون الخزانة لتمويل العجز، وارتفاع حجم الدين المحلي وارتفاع نسبته إلى الناتج المحلي، سيزيد من حجم الفوائد المدفوعة على الدين العام المحلي والخارجي.

يقصد بالعجز الكلي في الموازنة العامة بمصر، مجموع صافي الحيازة من الأصول المالية والعجز النقدي للموازنـة العامة للدولة، في حين يقصد بالعجز النقدي الظاهر في مشروع الموازنة العامة الفجوة بين حجم المصروفات والإيرادات.

وقدر مشروع الموازنة المصرية الإيرادات في العام المالي الجاري بنحو 669 مليار جنيه بما يساوي 37.1 مليار دولار ومن المتوقع أن تنخفض إلى نحو 649 مليار جنيه بما يساوي نحو 36 مليار دولار، فيما قدرت المصروفات بنحو 974 مليار جنيه يساوي 54.1 مليار دولار ومن المتوقع أن ترتفع إلى نحو تريليون جنيه بما يعادل 55.5 مليون دولار.

هذا وتبلغ تقديرات فوائد الديون للعام المالي الجاري، بنحو 292 مليار جنيه بما يساوي 16.2 مليار دولار ومن المتوقع أن ترتفع إلى 312 مليار جنيه بما يساوي 17.3 مليار دولار.

السيناريو المحتمل

أبرز صندوق النقد الدولى رفع أسعار الفائدة في مصر كحل أمثل  لكبح معدلات التضخم -الذي وصل وفقًا للبنك المركزى المصرى عن معدلات التضخم الأساسية فى مصر، إلى 32.2% فى شهر مارس 2017، مقابل 33.1% فى شهر فبراير السابق له.

يبدو أن هذا هو السيناريو الأقرب إلى البنك المركزي فى اجتماع السياسة النقدية القادم، يوم 18 مايو الجاري، بالنسبة لأسعار الفائدة الأساسية، خاصة بعد إعلان وزير المالية التوصل إلى اتفاق مع إدارة الصندوق على وصول الشريحة الثالثة في يونيو المقبل.

في هذا الصدد أكد البنك المركزي في بيانٍ له، استقلالية قرار لجنة السياسات النقدية في هذا الشأن، وفقًا لما يتعلق بمصلحة الدولة، مشددَا على أنه لا توجد جهة محلية أو عالمية تملك سلطة التدخل في هذا الأمر.

رفع الفائدة

في حال اتجاه البنك المركزي المصري لرفع أسعار الفائدة كحل للخروج من الأزمة،  فإن التأثير يكون جذب فوائض الأموال والمدخرات التى فى حوزة المواطنين، إلى الأوعية الإدخارية بأنواعها المختلفة بالبنوك، ومما يسهم فى تقليل حجم الكاش – النقدية – مع المواطنين وتقليل الطلب على السلع والخدمات وبالتالى انخفاض أسعارها أى خفض مستوى التضخم.

خفض الفائدة

أما في حال اتجاه البنك المركزى إلى خفض أسعار الفائدة فيؤدى ذلك إلى التوسع الاستثمارى بخفض تكلفة الاقتراض من البنوك إلى جانب تقليل تكلفة اقتراض الحكومة من البنوك، وبالتالى يخفض من قيمة عجز الموازنة العامة للدولة، ويزيد حركة سحب المدخرات والودائع من الجهاز المصرفى، بما يرفع مستوى السيولة فى الاقتصاد وزيادة الطلب على السلع.

تأثيرات رفع الفائدة

يؤدي رفع اسعار الفائدة إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية والمحلية نتيجة لارتفاع تكلفة الاستثمار، بالإضافة إلى سحب السيولة من أسواق المال، وتفاقم معدلات الدين المحلي وفوائده، مما يؤدى إلي تراجع معدلات النمو وزيادة معدلات البطالة وتدني مستوى معيشة المواطن، عدم القدرة على تلبية الاحتياجات ليصبح الاتجاه نحو سياسة انكماشية واضحة في ظل اقتصاد يعاني من ركود تضخمي.

الخبراء أجمعوا على أن رفع الحكومة لأسعار الفائدة يستوجب اتباع مسارًا آخر من الحكومة بشأن الرقابة وضبط الأسعار ومنع جشع التجار ووضع خطة استراتيجية متكاملة تراعى مصلحة المواطن وتأثره بالأسعار.

وقال الخبير الاقتصادي أحمد غنيم إن استجابة مصر لرغبة الصندوق الخاصة برفع سعر الفائدة على الإيداع الأقرض بحجة السيطرة على معدلات التضخم لن يكون إلى مزيدَا من ارهاق للاقتصاد المصري خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها، الأمر الذي يعود بالسلب على المواطن البسيط من خلال وارتفاع تكلفة الإنتاج وزيادة الأسعار على المستهلك النهائي.

وأضاف في تصريح لـ"الفجر" أن المواطن لن يتحمل الارتفاعات المتلاحقة في الأسعار، في ظل الظروف الصعبة خاصة بعد تعويم الجنيه.

وأوضح "غنيم" أنه في حال إصرار الصندوق على هذا الشرط فالحكومة المصرية مضطرة على الموافقة حتى تستطيع استكمال القرض، فرفض الحكومة في حال إصرار الدائن –صندوق النقد الدولي- لن يجدى.

قال شريف الدمرداش الخبير الاقتصادي، إن الهدف من رفع سعر الفائدة هي سحب السيولة الموجودة في مصر خلال الفترة الحالية، وهذا سيخفض من معدل التضخم وبالتالي انخفاض الأسعار" غير مجدي".

وأرجع "الدمرداش" ارتفاع معدلات التضخم إلى أنه ناتج عن ارتفاع تكاليف الإنتاج عقب تحرير سعر صرف الجنيه، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود وبالتالي رفع تكلفة نقل السلع، الأمر الذي انعكس سلبًا على الأسعار.

وعن عيوب رفع أسعار الفائدة قال "الدمرداش" في تصريحات لـ"الفجر"، إن ارتفاع الفائدة سيساهم في زيادة فوائد الديون على مصر خاصة في ظل اتجاهها بقوة إلى سياسة الاقتراض خلال الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى تأثيرها بشكل واضع على معدلات الاستثمار في مصر ، حيث يهرب المستثمرين من التعامل مع البنوك بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.

واكتفى البنك المركزى برفع الفائدة 300 نقطة أساس فى 3 نوفمبر الماضي، بالرغم من ارتفاع معدلات التضخم بنحو 56% منذ تحرير أسعار صرف الجنيه فى الثالث من نوفمبر الماضي، فيما أبقت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى خلال أربعة اجتماعات عقب تحرير سعر الصرف، الفائدة على الإيداع والاقراض لليلة واحدة عند مستويات 14.75% و 15.75% على التوالى.