طارق الشناوي يكتب: أبوسيف في عيون حمودة

الفجر الفني

عادل حمودة
عادل حمودة


كبار كُتاب السياسة.. ستكتشف بقدر من التأمل أن من منح لمقالاتهم كل هذا الحضور هو أن بداخلهم شاعرا وقصاصا وموسيقيا وفنانا تشكيليا كامنا ينتظر الفرصة لكى يعبر عن نفسه، بعضهم بالفعل مارس الكتابة الأدبية باحتراف مثل إحسان عبدالقدوس وفتحى غانم ويوسف السباعى وصبرى موسى، وعدد منهم مارسها فى أوقت الفراغ مثل مصطفى أمين وموسى صبرى وصلاح حافظ وسناء البيسى، وعشرات بالطبع من الأسماء اللامعة الأخرى، إلا أن العلامة الفارقة للجيل التالى لهؤلاء العمالقة من محترفى الصحافة هو عادل حمودة، الذى يكتب المقال السياسى بنغمات موسيقى، وإيقاع شاعر، وجاذبية روائى، وألوان وظلال فنان تشكيلى.

حرص المهرجان فى تلك الدورة الاستثنائية على أن يلتقط العديد من الأفلام العالمية الرائعة، وأن تتصدر أيضا المسابقات السينمائية أفلام مصرية تقول للعالم إن مصر لاتزال قادرة على أن تمنح الكثير، وأيضا داخل المهرجان هناك العديد من الإصدارات الصحفية المتميزة، ويقف فى الحقيقة على قمتها كتاب (صلاح أبوسيف مذكرات مجهولة)، للكاتب الصحفى الكبير عادل حمودة.

المذكرات هى آخر ما أدلى به مخرجنا الكبير، وبعدها بدأ يعانى صحيا، لم تكتمل، ولكنها أضاءت الكثير، وأعترف لكم بأننى بحكم المهنة التقيت الأستاذ صلاح أبوسيف عشرات المرات فى مصر والعالم العربى والأوروبى، وكنت أحظى بمكانة خاصة لديه، إلا أننى وأنا أقرأ المذكرات التى سجلها الأستاذ عادل حمودة، فوجئت بعدد من الإجابات لم يسبق أن باح بها لأحد، فتحت لى آفاقا جديدة لرؤية شاشة صلاح أبوسيف، وأضاءت أمامى الطريق لكى أمسك بمفتاح موهبته، كما أنها أجابت عن أكثر من لغز، مثل: لماذا لم نقرأ اسم نجيب محفوظ على تترات فيلم (شباب امرأة)؟

الجميع فى أحاديثهم يؤكدون أن محفوظ اشترك مع أبوسيف فى كتابة السيناريو، وانفرد السيد بدير بكتابة الحوار، بينما القصة لأمين يوسف غراب، إلا أننا ونحن نحصى عدد الأفلام التى شارك فى كتابتها نجيب محفوظ بعد رحيله، لم نجد وثيقة لـ(شباب امرأة) تؤكد نسبه إليه، فصارت من بعدها لغزا.

أبوسيف هو أستاذ فن تسكين الأدوار (الكاستنج) فى السينما العربية، حيث تومض الموهبة عندما يضعها الأستاذ فى الدور المناسب وتتحول إلى ذروة، لماذا تمسك مثلا بتحية كاريوكا وشكرى سرحان فى دورى (شفاعات) و(إمام)، وكيف يتم تحضير الممثل نفسيا على الشاشة، حتى لو اضطر إلى إثارة غضبه، وظروف لقائه السينمائى اليتيم فى منتصف الأربعينيات مع إسماعيل ياسين فى فيلم (نمرة 6) الذى صادرته وزارة الداخلية، وموقف عبدالناصر من تأميم السينما، وكيف كانت هناك عراقيل من أحد رجال الثورة المنوط به تنفيذ رغبة الزعيم؟

مذكرات الأستاذ صلاح أبوسيف التى وثقها الأستاذ عادل حمودة فى هذا الكتاب تُعد إضافة رائعة للمكتبة السينمائية، استمتعت وأنا أعيش فيها وليس معها، فأنت مع رشاقة أسلوب عادل حمودة تجد نفسك جزءا من الحكاية، وكأنها تقنية سينما الواقع، صارت على يديه كتابة الواقع.

وما ذكرته لكم هو مجرد شذرات منها، جمعت بين صحفى ومخرج، كل منهما شكّل علامة واستحق عن جدارة لقب أستاذ، فى الصحافة الأستاذ عادل حمودة، وفى السينما الأستاذ صلاح أبوسيف!!.