إسراء عباس تكتب: "فوبيا" الشعرة الفاصلة.. الثقة بالنفس والغرور

ركن القراء

إسراء عباس
إسراء عباس


سمعنا مرارًا وتكرارًا أن هنالك شعرةٌ تفصل بين الشيء ونقيضهِ، وربما اختيرت الشعرة كمقياس؛ لأنها تمتلك سُمكًا دقيقًا للغاية من الصعب رؤيتهِ، إذا وُضِعت للفصل بين أشياءٍ كبيرة.

 

ومع الوقت تحول الخوف من تجاوزِ تلك الشعرة دون رؤيتها إلى فوبيا دفعت بنا إلى منطقةٍ خطرة، ولا أبالغُ إن قلت دمرت أجيالًا بأكملها..

 

دعوني أبدأ بالشعرةِ التي فصلت بين الثقة بالنفس وحب الذات، والأنانية والغرور كواحدةٍ من أكثر الشعرات التي تسببت بـ"فوبيا" للكثيرين.

 

 

"ماما تعرفي إنه أنا أجمل وأشطر واحد في الفصل بتاعنا كله ويمكن في المدرسة كمان".

 

ما إن تسمع الأم تلك الجملة من طفلها الصغير البريء الرائع حتى تنتفض وتبدأ في الخوف الشديد "هل ابني مصابٌ بالغرور؟ هل لم أتمكن من تربيته تربيةً سليمة؟ لا بد وأن ألحق به قبل أن يصاب بالغرور والأنانية.. لترد سريعًا عليه "حبيبي أوعي تقول كدا تاني انتا كدا هتبقا مغرور أكيد في دايما اللي احلي منك واشطر منك"..

 

قد تُعتبر تلك الجملة عابرة بالنسبة لقائلتها والكثير ممن يسمعونها حولها، بل قد تُصنف كجملةٍ تربوية تُشجَع عليها الأم، ولكن ما لا تعرفونه أن هذه الجملة البسيطة قد تدمر مستقبل طفل، وتتسبب في خلق شخصٍ غير سوي وغير واثقٍ بنفسه وقدراته مدى حياته..

 

دعوني أكون أجرأ وأقول أن حب الذات وما قاله الطفل هو شيء رائع وأن مخاوف الأم تلك ليست منطقية، أتعلموا أيضًا أن حب الذات هو مفتاحُ حب الآخرين والوقاية من الغرور والأنانية، فمن لا يحب نفسه ويراها شيئًا رائعًا، فبالطبع لن يستطيع رؤية الجمال فيمن حوله إذا لم يكن قد رآه أولًا في نفسه..

 

وفي الحقيقة أن دعم تلك الثقة بالنفس وذاك الحب للذات هو أهم قيم التربية على الإطلاق فبدلًا من نفي ما يذكره طفلك عن كونه الأجمل، فلا بد وأن تبدأي وتبادري أنتِ بإخباره أنه الأجمل، وأنكِ فخورة كثيرًا بكونه طفلكِ، وأنكِ لا تلفتي سوى لمميزاته هو وفقط ولا يهمكِ ما يميز زملائه عنه، وإذا كانت مخاوفكِ من تحوله لشخص مغرور ما تزال موجودة، فما رأيكِ أن يكون ردكِ على كلماته تلك كالتالي:

 

"طبعًا يا حبيبي أنت أجمل طفل مش بس في الفصل دا في العالم كله في عيون ماما، بس خليني أقولك انه الجمال مقاييس يعني كل واحد ليه وجهة نظره والمقاييس بتاعته وكل واحد ليه جمال ربنا مده بيه من نوع خاص ومش شرط انه كل الناس تشوفنا الأجمل، المهم انه احنا نفضل شايفين نفسنا الأجمل ونسعى دايما للأجمل، يعني مثلًا ماما شيفاك شعرك جميل وعينيك حلوين.. إلخ من تعديد مميزات الجمالية للطفل"

 

على بساطة تلك الجملة ولكن وقعها سيكون ساحرًا على أذني الطفل الذي سرعان ما سيشعر أنه يمتلك جمالًا من نوعٍ خاص وينشأ كشخصٍ لا ترى عيناه سوى الجمال فيمن حوله دون مقارنة بين جمال الآخرين وجماله ودون غرور أو أنانية..

 

في مشهدٍ آخر تقف طفلةٍ أمام مرآة غرفة الأم لا تريد الطفلة الخروج أو أي شئ، وقفت فقط لتمسك بشعرها وتتأمل جمالها الذي منحها الله إياه؛ لتتدخل الأم بشكلٍ سريع لإفساد تلك اللحظة قائلة:

 

"قومي من ادام المراية يبنتي هتتجنني كدا، بتبصي علي ايه والنبي شعرك كل البنات عندها شعر متتعبونيش بقا هتطلعوا مجانين ومغرورين زي ابوكو".

 

ولا أعلم حتى الآن من مخترع أسطورة أن من يقف كثيرًا أمام المرآة سيُجَّن عقله أو يُصاب  بالغرور، ولما لا يتأمل الشخص فيما وهبه الله من جمال ويحمد الله عليه وتزيد ثقته بنفسه وتقديره لها الذي ينعكس على كل قرارٍ من قراراتِ حياته، ويصل به إما لأعلى الدرجات أو تهوي به قلة ثقته بنفسه إلى أسفل درجات الفشل.

 

أعلم أن الأمر قد يبدو للكثيرين بسيطًا وساذجًا للغاية وأنه هل مجرد تغييرنا لكلمتين نلقيهما على أبنائنا سيساهم في نجاحهم مجتمعيًا فيما بعد! ولكن الصورة ليست كما تبدو لكم فمجرد تحريكك ملعقة من مكانها ربما يخلق لدى الطفل شعورًا أو سلوكًا يُبقي عليه طوال حياته، وكل كلمة تلقى تُكوِن في شخصيته، وعمود شخصية الإنسان هي ثقته بنفسه وحبه لذاته التي تجعله قادرًا على التفوق في رياضةٍ معينة يُمارسها؛ لأنه يعلم أنه قادرًا على النجاح بها، أو تجعله مهتمًا بمظهره لأنه يؤمن بجماله، أو تجعله قادرًا على اتخاذ قرار ملائم؛ لأنه يثق في قدراته العقلية التي دعمتها أسرته في البداية.

 

حب الذات مؤشرٌ على السواء النفسي والقدرة على تقدير الذات وإعطائها حقها، فاحرصوا كثيرًا على تغذيتها ودعمها كثيرًا إما بكلمات إيجابية تلقونها ليل نهار في وجه أبنائكم أو موافقةٍ على ما يقوله عن نفسه إن كان إيجابيًا، ونفيٍ إن كان اعتقاده عن نفسه سلبيًا.

 

أعلم أن معظمنا تربى على أن حب الذات والثقة بالنفس شيء مرعب، وأنه بداية الغرور والأنانية، ومما تربينا نربي أبناءنا ولكن فكروا قليلًا عما تسببت به تلك التربية وتلك الفوبيا في تكوين شخصياتكم.

 

 وجعلتكم تجلسون في مقابلة عمل وأنتم متوترون وخائفون للغاية وربما يتم رفضكم للوظيفة رغم أنكم تستحقونها؛ لأن الخوف وعدم اكتمال الثقة بالنفس تسبب في توترٍ شديد دفع بكم إلى عدم الظهور بأفضل شكلٍ ممكن.

 

تلك الفوبيا تسببت لك في الزواج من رجلٍ لا يستحقكِ؛ لأنك خشيت من أن تكوني تفتري على نعمة أنه يتقدم لخطبتكِ الكثيرين وقررتِ أن تقبلي بأية رجل لأن عقلكِ أخبركِ: "من تكونين أنتِ لتتزوجي بمن يفعل لكِ كذا وكذا وكذا، اقبلي بما هو متاح الآن حتى لا تندمين"

 

تلك الفوبيا تسببت لك بضياع فتاة أحلامك التي أحببتها لسنين طويلة من بين يديك لأنك خشيت أن تحدثها بسبب قلة ثقتك بنفسك التي أخبرك بها عقلك قائلًا: "من تكون أنت لتززوج فلانة.. انظر إلى نفسك قليلًا في المرآة" وربما كانت تقبل بك الفتاة وربما ترفضك ولكن حتى إن رفضتك لم تكن لتندم أنك لم تحادثها.

 

تلك الفوبيا دفعتكِ لوضع الكثير من مستحضرات التجميل بشكلٍ غير مبرر؛ لتظهري بشكلٍ مبالغ فيه لأن فلة ثقتكِ بنفسكِ جعلتكِ تقولين: "أحتاج كثيرًا أن أخبئ تلك "الديفوهات" في وجهي لا بد وأن أظهر بمظهر جيد، وبلون بشرة جيد فأنا أرى نفسي لست بالجمال الكافي لأظهر هكذا دون أي تجميل..

 

الأمر لا يقتصر على كلمات ملقاة أو خوف مزعوم ولكنه يعيش مع الشخص مرافقًا له طوال حياته، فكروا قليلًا وحاولوا أن تتجنبوا ما فُعل بكم في أبنائكم، وعلاوةً على ذلك أحبوا أنفسكم كثيرًا فهي تستحق الحب، وصدقوا واعتقدوا في جمالكم ونجاحكم، وانظروا في المرآة كثيرًا إلى الشعر الجميل أو لون العينين الرائع أو لون البشرة المتميز أو الشفاه المميزة ولا تخشوا من الجنون؛  لأنه غير واقعي..

 

الشعرة واضحة ومرئية للعين كثيرًا فلا تخشون من تجاوزها..