المخرج الإيطالي فاليريو مييللي: لم أتخيل اكتمال فيلم "ذكريات" وتجاوب المصريين معه أسعدني (حوار)

الفجر الفني

فاليريو مييللي
فاليريو مييللي



*أعدت كتابة سيناريو "ذكريات" ١١ مرة حتى يفهمه الجمهور
*كنت ولا أزال خائفًا من عدم تقبل الجمهور للفيلم
*تعليقات المشاهدين حول العالم أكدت لي أني قمت بعمل جيد
*سأحرص على مشاهدة فيلم "يوم الدين" بعد مقابلة مخرجه في الجونة
*أفكر في تصوير فيلم في مصر مستقبلًا
*"نتفلكس" تحربة جيدة ولكن لابد أن نكون حذرين تجاهها

للمرة الثانية زار المخرج الإيطالي فاليريو مييللي مصر لعرض فيلمه الروائي الطويل "ذكريات"، وذلك ضمن عروض بانوراما الفيلم الأوروبي التي انتهت فاعلياتها أمس السبت ١٧ نوفمبر، وكان الفيلم قد سبق عرضه في إطار مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في مهرجان الجونة السينمائي الدولي ٢٠١٨.

في تجربته الثانية، يأخذنا "مييللي"، الذي درس الفلسفة قبل الاتجاه لصناعة السينما، في رحلة فلسفية عميقة عبر ذكريات حبيبين، كل منهما يروي القصة من منظور مختلف، ويتسأل الفيلم عن ماهية الذكريات، واختلاف تأويلاتها بين أصحابها.

"الفجر الفني" حاور المخرج فالييرو مييللي للحديث عن كواليس فيلمه، ولقاءه بالجمهور المصري، ومشروعاته المقبلة، وإلى نص الحوار.

في البداية، متى وكيف جاءتك فكرة فيلم "ذكريات"؟
جاءتني فكرة الفيلم قبل خمس سنوات، أثناء حضوري أحد المهرجانات الدولية، وكتبت الفكرة على مذكرة بهاتفي، وكانت عن الذكريات وكيفية تأويلها بأكثر من طريقة، وعدم وجود طريقة واحدة للتأكد من حقيقتها، ثم فكرت في المشهد الأول وهو لقاء بطلي الفيلم، وتذكر كل منهما للأمر بشكل مختلف وهو ما ظهر في تغيير ألوان ملابسهما.

كم استغرقت عملية كتابة السيناريو خصوصًا مع صعوبة بنية الفيلم؟
ما كان مثيرًا ومخيفًا في نفس الوقت في هذا الفيلم هو أنني لم أكن على دراية بأن الفيلم سيُنفذ في النهاية، وهو ما جعلني أعمل بحرية كبيرة، من الصعب تحديد المدة التي استغرقها الفيلم، خصوصًا وأنني كنت أعمل على مشروع أخر، وفي نفس الوقت كنت أبحث عن منتج للفيلم، ولكن يمكن القول أنه استغرق قرابة عامين، حيث أعدت كتابة السيناريو حوالي ١١ مرة، نظرًا لصعوبة التكنيك المستخدم في الفيلم، وحتى يتمكن المستخدم من متابعته وفهمه.

من السهل الكتابة عن الذكريات عبر الشعر والأغاني، ولكن تجسيدها على الشاشة الكبيرة أمر بالغ الصعوبة، كيف تمكنت من ذلك، وهل فكرت في التراجع؟
في الحقيقة في مرحلة ما اعتقدت أن المشروع لن يكتمل أبدًا، ولذلك بدأت بالعمل على فيلم أخر، ولكن بعد فترة قررت أن استكمل الفيلم، والعمل عليه دون التفكير في الخطوة اللاحقة، واعتقد أن ذلك هو ما جعل الفيلم يخرج للنور، حيث لم أكن ملتزمًا بشئ وعملت بحرية مطلقة.

لماذا لم تعطي أسماء لبطلي الفيلم، واكتفيت بتسمية ماركو صديقهم فقط؟
في بداية كتابة السيناريو لم أعطي أي من الشخصيتين اسمًا دون قصد، لكن بعد ذلك حاولت أن أسميهما، لكن الأمر بدا غريبًا، لذلك قررت أن أتركهما دون أسماء حتى تبدو القصة أعم وأكثر عالمية، ولكني أردت أن أخبر الجمهور أنني لم أنسى تسميتهما، ولذلك جاء المشهد الذي أخبر فيه كلا البطلين بعضهما أسمائهما في آذانهما، حيث رغبت في أن أترك لهما شئ خاص يجمعهما وحدهما، مادمنا في عقليهما طوال الفيلم.

هل تخوفت من عدم تقبل الجمهور للفيلم نظرًا لصعوبة طرحه؟
كنت ولا أزال خائفًا من عدم تقبل الجمهور للفيلم، ولذلك عرضت الفيلم على عدد من أصدقائي ومعارفي لمعرفة آرائهم، واستكشاف إذا كان الفيلم صعب ومعقد بحق، خاصةً وأنني مشاهد كسول ولا أحبذ الأفلام المعقدة، وأمل أن يفهم المشاهدون الفيلم ولا يجدون فيه صعوبة، ولكن لدي شعور أن أغلب من شاهده تفاعل معه ولم يجد فيه صعوبة.

كل مخرج يضع جزء من تجاربه الشخصية في أعماله، حدثنا عن علاقتك الشخصية بالفيلم؟
هذا الفيلم شخصي جدًا بالنسبة لي، ليس على مستوى القصة بالتأكيد فأنا لم أعشها، ولكني أشعر بقرب شديد من شخصية البطل، وأظن أن أكثر شئ شخصي بالفيلم هو رحلة شفاء البطل وتعلمه أن ما يحدث في عقله ليس هو الحقيقة الكاملة، وأن وجود شخص مبهج في حياته يقع في حبه يساعده كثيرًا في فهم هذه الذكريات والتعامل معها بشكل إيجابي، ومن المهم أن نعرف أننا لا نستطيع تغيير العالم ولكن طريقة رؤيتنا لهذا العالم هي الممكنة.

يمثل بطلا الفيلم شخصيتين متناقضتين، فالبطلة إيجابية ومبتهجة والبطل سوداوي وكئيب، برأيك أيهما على صواب ولماذا؟
اعتقد أنها على صواب، كنت في البداية اعتقد أن السعداء ليسوا على قدر كبير من الذكاء، ولكن وجهة نظري تغيرت الآن، بت أظن أنه من الصعوبة بمكان أن يكون المرء سعيدًا، وأن السعداء مؤثرون في المجتمع أكثر من التعيسين، كما أن ما تعلمه البطل من البطلة أكثر بكثير مما تعلمته هي منه، ولكني اعتقد أنها ليست مبتهجة بشكل كبير، ما كانت عليه هو ما يجب أن نكون عليه.

هل كانت لديك شروط معينة أثناء اختيار بطلي الفيلم؟
أكثر ما أبحث عنه في الممثلين الذين أعمل معهم هو العمق في شخصيتهم، بطل الفيلم "لوكا مارينيللي" هو ممثل شهير في إيطاليا وأنا معجب به منذ فيلمه الأول وزاذت شهرته خلال فترة تحضير الفيلم، أما اختيار البطلة فكان صعبًا خصوصًا وأني رجل، ولذلك شاهدت العديد من تجارب الأداء حتى استقرت على البطلة، ورغم أنها بعدت قليلًا عما كان في مخيلتي إلا أنها ممثلة جيدة، وقدمت الدور بطريقتها الخاصة.

كم بلغت ميزانية الفيلم؟ ومتى سيصدر؟
بلغت ميزانية الفيلم قرابة ٣,٨ مليون يورو، وهي ميزانية فوق المتوسط بقليل بالنسبة لباقي الأفلام الإيطالية، ومن المقرر طرح الفيلم في السينمات الفرنسية والإيطالية في فبراير المقبل.

حدثنا عن استقبال الفيلم في موطنك إيطاليا بعد عرضه في مهرجان فينسيا؟
حاز الفيلم على ردود أفعال إيجابية، واستقبال موفق بعد عرضه في مهرجان فينسيا، وحصد جائزة بي إن إل باختيار الجمهور (جيورناتي دجلي أوتوري)، وتنويه خاص (فيديك) في المهرجان.

ما أبرز المهرجانات التي شارك فيها الفيلم؟
شارك الفيلم في العديد من المهرجانات حول العالم، منها في البرازيل، وكوريا الجنوبية، ومصر، وفرنسا، وإسرائيل، وأسبانيا، ومن المقرر عرض الفيلم تجاريًا في كل من البرازيل واليونان ومصر قريبًا.

كيف وجدت استقبال الجمهور المصري للفيلم بعد عرضه في الجونة والقاهرة؟
سعيد جدًا بتجاوب الجمهور المصري مع الفيلم، وامتلاء قاعة عرضه، والبعض منهم أخبرني أنه شاهد الفيلم أكثر من مرة، وهو الأمر غير الشائع خصوصًا وأن الفيلم لم يٌعرض تجاريًا بعد، لقد كانت تجربة ممتعة حقًا، وما أعجبني أكثر هو ثقافة الجمهور ووعيه وحرصه على مشاهدة الفيلم أكثر من مرة لفهمه بشكل أعمق وعدم الاكتفاء بالاستمتاع به.

ما أبرز تعليق تلقيته بعد عرض الفيلم؟
كان تعليقًا من مشاهدة مصرية قالت أنها شاهدت الفيلم ثلاث مرات وأنه أجمل فيلم شاهدته، ورغم أني أراه تعليقًا مبالغًا فيه بعض الشئ إلا أنه الأبرز، كما تأثرت أيضًا بتعليقات البعض حول العالم بأن الفيلم أثر فيهم ولمسهم شخصيًا، وساعد في تغيير طريقة رؤيتهم للماضي والذكريات، وهو ما اعتقد أنه أمر مفيد ومسئولية كبيرة، أشعر أحيانًا بالذنب لعدم قيامي بأمر نافع على الأرض، ولكن هذه التعليقات أثرت في كثيرًا لأنها أتاحت لي الفرصة لمعرفة أني قمت بعمل جيد.

هل شاهدت أي من الأعمال المعروضة في الدورة الحادية عشر من بانوراما الفيلم الأوروبي؟
نعم، شاهدت جميع الأفلام الإيطالية المعروضة وهي: "آشيامبرا"، و"لادزارو السعيد"، و"رجل وكلاب"، إلى جانب "ستيكس"، لقد بذل القائمون على البانوراما مجهود كبير، وقدموا باقة متنوعة من الأفلام الأوربية.

هذه هي زيارتك الثانية لمصر، حدثنا عن انطباعك عنها؟
أظن أن مصر من البلاد الصعب فهمها، فهي ليست بالبلد السهل، وبها العديد من التناقضات، فهي مكونة من طبقات مختلفة، في القاهرة شاهدت عدة أماكن بعيدة كل البعد عن بعضها البعض بين وسط القاهرة والزمالك والجيزة، أما الجونة فكانت شئ مختلف قائم بذاته ولكنه يشبه باقي المنتجعات السياحية حول العالم، ما كان غريبًا حقًا وهو وجود مهرجان سينمائي بها، ولكني آراه عَمَلًا جيدًا.

ما أبرز المعالم السياحية التي شاهدتها؟ وكيف وجدت الطعام المصري؟
لقد شاهدت الأهرامات، وانبهرت بها، فقد كان أمرًا غريبًا أن أشاهد شيئًا أيقونيًا طالما شاهدته في الصور الآن على أرض الواقع، وبالنسبة للطعام، جربت العديد من الأطعمة المصرية الشهيرة منها الكشري، والكبدة، والممبار، وأعجبتني بشكل كبير وأرغب في معاودة التجربة.

بعد زيارة مصر، هل فكرت في تصوير أحد أعمالك المقبلة هنا؟
كنت أتحدث مع صديقي لي قبل قليل وأخبرته بتفكيري في الأمر مستقبلًا، وأنا اعتقد أنه حتى يقدم أحدنا فيلم عن بلد ما لابد أن يعرفه جيدًا ولكن ليس كثيرًا حتى يبقى مسافة تمكنه من إنجاز الأمر على نحو جيد.

هل وجدت مصر كما تُصور في الأفلام العالمية؟
لم أشاهد أفلام عن مصر من قبل حتى أتمكن من الحكم جيدًا، لا أذكر سوى فيلم عن كيلوباترا وهو عصر فرعوني بعيد عن الوقت الراهن، ولكني أعتقد أن أغلب أفلام هوليوود لا تصور الأماكن على طبيعتها ليس في مصر فقط، وهو ما يحدث في إيطاليا أيضًا، لأن أغلب صناع هذه الأفلام لا يمضون وقتًا كافيًا لتعرف على هذه الأماكن وطبيعة سكانها.

هل سبق أن شاهدت أي من الأفلام المصرية أو الناطقة بالعربية؟
نعم، ولكن ذلك كان منذ وقت بعيد، لقد شاهدت العديد من الأفلام المصرية قديمًا ولكني حقيقةً لا أذكر أي منها الآن، فأنا أحبذ مشاهدة أفلام من بلدان وثقافات مختلفة ولا أكتفي بالأفلام الإيطالية فقط، وهناك فيلم مصري أود مشاهدته بشده وهو "يوم الدين" للمخرج أبوبكر شوقي، لقد قابلت مخرجه في الجونة وأعرف منتجه، وسمعت تعليقات إيجابية عنه لذلك فأنا حريص على مشاهدته قريبًا.

حدثنا عن فيلمك الأول "ten winters"؟
صدر الفيلم في عام ٢٠١٠، ويروي قصة حب بين طالبين في مدينة فينسا، ويعرض الفيلم قصتهم مرة كل فصل شتاء، ولكننا لا نعرف ما يحدث لهم باقي العام.

ما رأيك في تجربة نتفلكس؟ وهل توافق على عرض أعمالك عبرها؟
أحب مشاهدة الأفلام في السينما، وأرى أن "نتفلكس" تحربة جيدة ولكن لابد أن نكون حذرين تجاهها، وما يخيفني بشأنها هو أن تصبح ذات سطلة كبيرة، وأن لا تكون هناك حرية لتقديم وخلق أعمال مختلفة عن السائد، فأنا مشترك بخدماتها ولكني لم أَجِد عليها أفلام مصرية على سبيل المثال أو أعمال منوعة، وسأوافق بالتأكيد على تقديم أعمال لها، ما دامت لدي الحرية المطلقة لتقديم ما أرغب فيه.

درست الفلسفة قبل اتجاهك للعمل بالسينما، هل كانت خطوة كبيرة لترك الفلسفة والتفرغ لعالم الأفلام؟
بالفعل، كانت خطوة كبيرة، كنت أتمنى دراسة السينما منذ كنت في السادسة عشر من عمري، ولكني لم أعرف كيف أبدأ الأمر لم يكن أي من أقاربي يعمل في هذا المجال، ولكني درست السينما بعد ذلك، بعد الفلسفة بالتأكيد، لم أدرس كثيرًا، ولكني اخترت الشروع في صناعة الأفلام.

ما أهم الأفكار التي تود طرحها في أعمالك المقبلة؟
أحب أفلام الخيال العلمي، لأنها تناقش قضايا فلسفية، وتخبرنا عن مشاعرنا، ولكنه ليس من السهل انتاج هذه الأفلام لارتفاع كلفتها، وعادةً أبحث في الأفلام التي أقدمها عن أشياء لم تُعرض من قبل، لقد شاهدت الكثير الأفلام ولذلك أود تقديم أعمال مختلفة وبسيطة تلمس الجمهور.

ماذا عن مشروعاتك المقبل؟
أعمل على مشروعين منفصلين حاليًا، أحدهما فيلم، والثاني مسلسل، ولكنه معقد وفلسفي، ويناقش قضية عامة.