كارثة.. طفايات الحريق فى قطارات "vip" منتهية الصلاحية

العدد الأسبوعي

أرشيفية
أرشيفية


في تحقيق خاص لـ"الفجر":

تسعى الدولة المصرية وأجهزتها المختلفة إلى تطوير البنية التحتية، وقطاع السكك الحديدية أحد أهم القطاعات الحيوية، التى تخدم ملايين المصريين يوميًا، لذا، شدد الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية مرارًا على الارتقاء بالخدمة وكفاءة القطارات، علاوة على تحقيق عنصر الأمان.

الغريب، أن بعض موظفى هيئة السكك الحديدية انعدمت ضمائرهم، استهانوا بأرواح المواطنين وبمحاولات البلد ومسئوليها الجدية للتطوير والإصلاح، هذا ما فوجئنا به، عندما خضنا جولة ميدانية بين القطارات والمحطات، لنكتشف أن أغلب طفايات الحرائق «خارج الخدمة»، بعد انتهاء فترة صلاحيتها، علاوة على وجود العديد من القطارات بدون طفايات أساسًا، ما يتسبب فى حدوث كوارث.

السكك الحديدية مرفق حيوى مهم، إذ يعتبر الأكثر تلبيةً لاحتياجات المواطنين، من حيث توافرها لكل الطبقات المجتمعية، بالإضافة إلى السرعة والأمان، بسبب سيرها على قضبان، ما يقلل خطر التصادم، وأكد ذلك الدكتور هشام عرفات، وزير النقل، منذ أيام، عندما صرح بأن هيئة سكك حديد مصر تنقل 350 مليون راكب سنوياً، لأنها أكثر وسائل المواصلات أماناً.

جولتنا الميدانية بدأت من محطة قطار الجيزة، فى تمام الساعة الواحدة، صباحاً، حيث استقلينا قطار رقم 934 vip، الذى ينطلق من الإسكندرية إلى أسوان، ناقلا حوالى 700 مواطن، ولفت انتباهنا الملصقات الموجودة على طفايات الحريق داخل كل عربة، إذ لاحظنا شطبًا على تاريخ صلاحية الطفايات، بواسطة قلم ألوان «فلوماستر»، ودون عليها بخط اليد تاريخ جديد، يبدأ من 8/10/2018 وينتهى فى 8/10/2019.

ثم انتقلنا إلى عربة أخرى فى نفس القطار، فوجدنا طفاية حريق، عليها الملصق الأصلى لتاريخ الصلاحية، موضوع عليه ملصق آخر لإخفائه، ومدون عليه بخط اليد تاريخ جديد، يبدأ فى 28/10/2017، وينتهى فى 28/10/2019، وبدا واضحًا التلاعب فى الأرقام، خاصة أن تاريخ الصنع الحقيقى كان 28/10/2011، وتاريخ الانتهاء كان 28/10/2016، وتم تعديل كل منهما بتواريخ حديثة.

وفى محاولة منا للاطمئنان على وسائل الأمان المتاحة، نزعنا فتيل إحدى طفايات الحريق، لنفاجأ بعد الضغط على المقبض أن الطفاية لا تخرج أية مواد، وعندها شاهدنا أحد عمال القطر، فبدأ بتوبيخنا، وعندما أقنعناه بأن الطفاية غير صالحة للاستخدام أخذها منا، ووضع فتيل الأمان الخاص بها فى مكانه بشكل ظاهرى فقط، ثم وضع الطفاية فى مكانها المخصص، وقال: «ياعم إحنا مالنا شغالة ولا لأ، المهم مشيلش تمنها».

وفى اليوم التالى، استقللنا القطار 990 «الإسبانى»، المتجه من القاهرة إلى سوهاج، وبعد البحث وجدنا طفاية حريق عليها ملصق يفيد أن تاريخ الإنتاج هو 30/12/2017، والانتهاء 30/12/2019، وأسفله وجدنا تاريخ آخر ينتهى فى 6/2016.

وقال أحد مسئولى النظافة فى القطار لـ«الفجر»، بمجرد انتهاء رحلة أى قطار يتم تنظيفه والبحث على أية متعلقات فقدها الركاب، وبعد ذلك مفترض تدخل الفنيين لصيانة الأعطال للتأكد من سلامة الركاب خلال الرحلة المقبلة، ولكن ما يحدث هو مرور فقط، دون أن يلتفت أحدهم إلى أى عطل، واستشهد بالباب الخاص بالتحكم فى كهرباء العربة، موضحًا، أنه مكسور منذ شهرين ولم يلتفت إليه أحد، رغم أن «اللعب» فى هذه اللوحة قد يؤدى إلى الوفاة.

بعد ذلك، استقللنا قطار «الغلابة»، رقم 777 إكسبريس، والمتجه من القاهرة إلى أسوان، والذى ينقل قرابة ألف مواطن أو أكثر، وبمجرد دخولنا باب القطار استقبلتنا الروائح الكريهة المنبعثة من كل أركانه، كما لاحظنا صعود الركاب الذين لم يحصلوا على مقعد للأرفف المخصصة لحقائب المسافرين، كل هذا بالإضافة لخلو القطار من دورة مياه آدمية.

وطوال الطريق حاصرتنا أصوات اصطدام تصدر من عجلات القطار أثناء سيره، الأمر الذى يوحى للركاب أن القطار سينقلب فى أى لحظة، فاستوقفنا «كمسرى التذاكر»، وسألناه عن هذه الأصوات الغريبة؟، فقال إن هذا الوضع السيئ مستمر منذ فترة طويلة، «بنتحايل على الإدارة عشان يصلحوه، ومفيش حد بيسمع، وكل مرة أركب القطر ده يسيطر عليا إحساس مخيف بأنى مش هرجع تانى، بصراحة إحنا بنخاف على نفسنا زينا زى الركاب بالظبط، الموت مبيفرقش بين حد، ومفيش حاجة مضمونة فى السكة الحديد».

وبعد بحثنا داخل القطار عن عناصر السلامة الأخرى داخل العربات، وجدنا عربتين من دون طفايات حريق، وكانت الأولى بدون زجاج أساسا، وبسؤالنا لأحد عمال القطار، عن سبب خلو العربة من الطفايات؟، أجاب بأنها لم تتواجد فى هذا المكان منذ أكثر من خمسة أشهر، ولم يهتم أحد من القائمين على الصيانة بها.

بعد ذلك، استقللنا قطار المحافظات المميز بلونه الأصفر، وهذا القطار مهمته نقل الركاب من محافظة لأخرى فقط، وغير مخصص للمسافات البعيدة، وذلك بسبب قلة إمكانياته، وفوجئنا أثناء رحلة القطار من محطة الجيزة إلى محطة بنى سويف، أن أبواب عربات القطار مفتوحة من الجانبين، طوال فترة الرحلة، وعندما حاولنا إغلاق أحد الأبواب وجدنا الأمر معقدا جداً وصعباً، ما يدل على أن الباب لم يغلق منذ شهور.

الغريب، أن هناك عددا كبيرا من الأطفال يستقلون هذا القطار مع ذويهم، ما يهددهم بالخطر طوال الوقت، لكن المثير فى الأمر، أن «كمسرى القطار» أثناء مروره تجاهل تماماً وجود الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم الإثنى عشر عاماً، وأكمل مسيره فى تحصيل رسوم التذاكر من الركاب.

وبالنظر على فرامل الطوارئ، المتواجدة داخل كل عربة، والتى يأتى دورها فى إيقاف العربة حال فصلت عن باقى العربات أثناء سير القطار، وجدنا عددا كبيرا منها داخل العربات، ولكن بذراع مكسورة، يجعل من عملية إيقاف القطار شيئًا مستحيلًا، بالإضافة لوجود إحداها مغلقة تماماً بواسطة لوح خشبى، يستحيل معه الوصول إلى ذراع الفرامل.

وفى الخامسة صباحاً من اليوم التالى، استقلانا قطارا رقم 119 المميز، والذى ينقل قرابة 900 مواطن فى الرحلة الواحدة، ويتجه من محطة مصر إلى الإسكندرية، وبعد البحث أيضاً توصلنا إلى وجود أماكن لحفظ طفايات الحريق، ولكن دون وجود طفايات بداخلها، وذلك فى عدد خمس عربات من القطار، بالإضافة إلى عدم وجود أية إرشادات لكيفية التعامل مع الطفايات فى باقى عربات القطار، وكذلك طمس تواريخ الإنتاج والانتهاء من على غالبية الطفايات المتواجدة داخل القطار.

وفى السياق ذاته، اتصلنا هاتفياً بالشركة المسئولة عن طفايات الحريق المتواجدة داخل القطارات، ووجهنا إلى ممثلها تساؤلاً، عن العمر الافتراضى لهذه الطفايات، ومتى تصبح الأسطوانة التى تحمل المادة المستخدمة فى إطفاء الحريق غير صالحة للاستخدام؟.

وأجاب المختص لـ«الفجر»، أن أقصى فترة للأسطوانة هى خمس سنوات فقط، وبعد ذلك تكون طفاية الحريق دون جدوى، مشددا على ضرورة استبدال الأسطوانة بالكامل بعد بمرور هذه الفترة، لأنها لا تصلح لإعادة تعبئتها مرة أخرى.

ثم تواصلنا بشكل مباشر مع ناظر إحدى المحطات الكبرى بالسكة الحديد -رفض ذكر اسمه-، فقال: القطارات مع نهاية كل رحلة تدخل إلى المخزن المخصص للصيانة، وتتم مراجعة كل شىء بها، من نظافة وصيانة الأعطال التى يبلغ بها السائقون، بالإضافة لمراجعة كل عناصر الأمان والسلامة داخل القطار، لافتاً إلى أن هناك متخصصين فى كل أمر داخل هذه المخازن، وكل دورهم هو خروج القطار من داخل المخزن دون أعطال تذكر.

وأضاف ناظر المحطة لـ«الفجر»، أن الهيئة تعمل بجهد كبير وملحوظ فى الفترة الماضية لتحسين مستوى الخدمة التى تقدم للركاب، بالإضافة لتغيير الكثير من العربات واستبدالها بعربات جديدة، وتصليح العديد من المزلقانات التى كانت تتسبب فى كوارث راح ضحيتها الآلاف.