طارق الشناوي يكتب: مصر وتونس بين الكرة والسينما!

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي


من المؤكد أن الأمور لا تستقيم على هذا النحو، السينما والكرة دائرتان متعارضتان تماما، وهزيمة فى الكرة لا يعوضها انتصار سينمائى والعكس أيضا صحيح، كما أن مصر لا تنافس تونس فى مهرجان (قرطاج)، لكن الدولتين تتنافسان مع نحو 20 دولة عربية وأفريقية على جوائز (التانيت) فى الروائى والتسجيلى الطويل والقصير.

مصر فى هذه الدورة قدمت أفضل ما لديها، الجوائز أعلنت بالفعل، مساء أمس، أتصور أن (يوم الدين) الروائى و(تأتون من بعيد) التسجيلى لن يخرجا من هذه الدورة خاويا الوفاض.

وقبل أن نصل لشاطئ النهاية مع هذا المهرجان لا يزال فى قلبى وقلمى العديد من الأفلام، لم تبرح الذاكرة بينها الكينى (سوبامدو) للمخرج ليكاريون وإيناينا.

السيناريو الذى كتبه المخرج تعامل برقة وحساسية وإبداع مع الطفلة مريضة السرطان، فهو يعلم مسبقا أن أمامه عائقين، الأول أن يحيل الحزن على مصير الطفلة إلى حالة من الشجن، والثانى طالما اختار فى فيلمه كبناء سينمائى أن يقف على مشارف (الفانتازيا) فإن عليه أن يظل محتفظا بروح المرح والبهجة.

الأبطال هم تلك الأسرة، الطفلة والأم والأخت الكبرى، الطفلة مغرمة بمشاهدة الأفلام التى تقدم الشخصيات الخارقة، على الجانب الآخر، الأطفال الذين تُقيم معهم فى المستشفى بين الحين والآخر يغادرون الحياة، ما يزيد الألم النفسى، على من ظل على قيد الحياة، فكان القرار هو أن تتلقى الطفلة العلاج فى البيت، الأم تهتم بأن تتلقى ابنتها الدواء فى موعده، بينما الأخت تراهن على أن العلاج يبدأ بزرع عوامل المقاومة داخل الإنسان وبقدرته على قهر المستحيل، وهكذا وجدت أن أختها الصغيرة مغرمة بأفلام القوى الخارقة، فقررت إقناعها بأنها تتمتع أيضا بتلك القوة، وصار كل أهل القرية يشاركون فى اللعبة من أجل أن تصدق الطفلة قدرتها بإشارة منها على تحقيق المستحيل. فهى تستطيع إيقاف أى إنسان عن الحركة أو منع سيارة من الانطلاق، كل تلك الحيل تدبرها الشقيقة الكبرى.

الكل تواطأ، نعم هناك من تقاضى أجرا، ولكن أيضا الأغلبية شاركت بالحب، لتنتعش روحها، لكن الجسد غير قادر على المقاومة أكثر، الفيلم يشارك فيه أيضا أطفال القرية الذين يخضعون للعلاج من نفس المرض، وقبل أن ترحل الطفلة، كانت قد صورت بالفعل مشهد الصعود للسماء، يقدم المخرج مرض السرطان معادلا موضوعيا للشياطين الأشرار، فهو قد هزم البطلة، إلا أن باقى الأطفال المرضى استطاعوا الانتصار عليه.

بساطة وتلقائية ومخرج يكشف بالكاميرا أعماق النفس البشرية ويقود ممثليه الصغار باقتدار، مدركا الفارق بين أن تمثل وأن تمثل أنك تمثل، كما أنه يقدم تحية للسينما، باعتبارها هى التى تمنح للإنسان البقاء، الحياة، مها امتدت سيوثقها فى نهاية الأمر الشريط السينمائى.

لا ينتهى الفيلم والقرية تودع الجسد صباحا، حيث إنهم يواصلون فى المساء مشاهدة الفيلم وتتقدمهم الأم الثكلى، بدائية التصوير التى لجأ إليها المخرج تُشكل جزءا حميما من الحالة السينمائية، التعبير الفطرى بكل تفاصيله فى تكوين الكادر وزاوية التصوير جزء حميم من حالة الفيلم.. وغدا نستكمل المقال الأخير عن هذا المهرجان العريق (برشا)، وعن الشعب التونسى العاشق للفن (برشا برشا)!!