د. رشا سمير تكتب: حتى لا تترهل الاختيارات

مقالات الرأي



لو كان الهجوم طوال الوقت انتصارا لأصبح الصمت بعض الوقت هزيمة..وما بين الصمت والهجوم تأتى مساحة التروى..

فكم من بشر آثروا الانزواء وكم من آخرين اختاروا أن يشهروا السلاح فى وجه الخطأ سواء كانت الحرب مشروعة أو ممنوعة.

ويبقى السؤال..هل تفشل الدول بسبب آليات الاختيار الخاطئة؟ أم تخبو الأحلام فقط لو تحول الأفق إلى سراب؟

اختيار الطريق والرفيق والحُلم والموقف هو الركيزة الأساسية لبناء الأفراد وبالتالى نهضة الدول..

على سبيل المثال بدأ التصويت فى الانتخابات النصفية الأمريكية أمس الأول، حيث توجه الأمريكيون لصناديق الاقتراع لأجل اختيار الشكل الجديد للكونجرس الأمريكى، ففى هذه الانتخابات يسعى الحزب الديمقراطى إلى انتزاع الأغلبية من منافسه الجمهورى فى أحد مجلسى الكونجرس «الشيوخ والنواب» أو كليهما..

البديهى طبعا أن الحزب ذا الأغلبية فى الكونجرس قد يفك الصراع على بعض التشريعات المحورية وبعض سياسات الرئيس الأمريكى التى يعارضها الديمقراطيون ويعينه على تنفيذها الجمهوريون..

ومن هنا رأينا كم الحشد والدعوات التى قام بها الفنانون والإعلاميون والشخصيات العامة الأمريكية لحث المواطنين على النزول إلى صناديق الانتخاب والتصويت..هكذا يحاولون أن يرسخوا لدى الأجيال القادمة أهمية الاختيار ومدى تأثيره على حياتهم..

فى اعتقادى أن مأساتنا الحقيقية فى مصر هى أننا لا نُحسن الاختيار..لا على المستوى الشخصى ولا على مستوى المسئوليات العامة..

على سبيل المثال، نحن شعب لم يحسن يوما اختيار نوابه، فأصبحت مقاعد النواب تحت قبة البرلمان إما أنها تعمل لمصلحة النائب ذاته أو من قاموا بتمويل حملته أو قبيلة بعينها فى المحافظات التى تتمتع بالعصبية القبلية، وبالتالى حادت القضايا وتاهت الحقوق ولم يعد البرلمان هو صوت الشعب.

بالقياس على ذلك، تتوالى العثرات.. ولأن الشيء بالشيء يُذكر فقد وقعت الهيئة العامة للكتاب مؤخرا فى فخ اختيار بائس للجان التى ستتولى مسئولية اليوبيل الذهبى لمعرض كتاب القاهرة فى دورته الخمسين، أسماء بعضها غير أكفاء لتولى المسئولية، آخرهم كاتبة ضمن اللجنة الثقافية أقصى معرفتها الثقافية هى أن عميد الأدب العربى هو عباس العقاد صاحب الشارع العريق!.

من هنا توقفت عند كلمة قالها سيادة الرئيس فى منتدى الشباب وأعجبتنى.. حيث قال: «أتمنى ألا تترهل فكرة تمكين الشباب».

من هنا وجب على أن أغمض عينى وأحلم، أحلُم بأن يكون تمكين الشباب الذى يهتم به فخامة رئيس الجمهورية بصفة شخصية ويقيم له منتدى سنوى يتم دعمه بمبالغ كبيرة لخروجه فى صورة لائقة ومن خلاله تُطرح أفكار وتوضع توصيات.

أتمنى أن يتم تمكين وتعيين الشباب فى مناصب الدولة بصورة أفضل وأكثر كفاءة بعيدا عن المعتاد والنمطية..وهنا أعود لاقتباس كلمة الرئيس مرة أخرى..وبعيدا عن (الترهل)..

أتمنى ألا تتحول لجان الشباب فى الأحزاب الجديدة إلى مجموعة مؤتمرات وتوصيات ومشاحنات وموائد رحمن، بلا عمل حقيقى على أرض الواقع..فكم من أحزاب سقطت ولم يبق منها سوى هياكل فارغة..ونحن لا نتعلم من التاريخ!.

أتمنى أن ننظر بدقة ونحاسب ونتابع كل الشباب الذين يتم الدفع بهم كنواب للوزراء ومستشارين للمحافظين لأننى لاحظت من خلال الحديث معهم بأنه على الرغم من وجود طاقة هائلة تتدفق فى جنبات بعضهم، إلا أن زهو وبريق المنصب بدأ يتمكن من آخرين!.

إذا أردنا أن نخلق جيلا من الشباب قادرا على تحمل المسئولية، فيجب أن يكون الاختيار مختلفا.. وحتى تتفتح براعم شبابية مختلفة يجب أن نرويها بالأخلاق والتواضع ومبادئ المساواة والاحترام..

تلك القيم التى فقدها الكثيرون من أجيال شابت على أوضاع جامدة ليتحول المجتمع بهم ومعهم إلى غابة البقاء فيها للأكثر تدنيا..

أتمنى أن تؤخذ ترشيحات الجامعات للشباب فى الاعتبار بشكل أكثر جدية، حيث إنهم الأقدر على معرفة الشباب المتفاعل المتقد ذهنيا القادر على الابتكار الحقيقى..

أتمنى أن تكون اختيارات تأهيل الشباب مبنية على أسس حقيقية لا تمت بصلة لمقاييس قديمة عقيمة..

كما أتمنى وهذا هو الأهم أن تكون الاختيارات فى أيدى أكفاء يُحسنون الاختيار..

فالاختيار السيئ يا سادة مبنى عادة ودائما على اختيار أكثر سوءا..