مي سمير تكتب: أردوغان.. أدلة التحالف مع عصابات المافيا التركية

مقالات الرأي



مخابراته تستخدمها لإرهاب المعارضين فى الداخل والخارج

مساعد زعيم عصابة شهير يهدد صحفيًا معارضًا هاربًا فى ألمانيا: "تعالى للقنصلية"

مجرمون عتاة يحصلون على البراءة "ديليفرى" رغم رفضهم المثول أمام القضاء

أصدر قوانين خاصة لإنقاذ المجرمين المتعاونين معه ومع إرهابيى سوريا من السجن


يستغل الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، واقعة مقتل الصحفى السعودى، جمال خاشقجى، والتى لم تتضح تفاصيلها المؤكدة بعد، لتصوير نفسه باعتباره المدافع عن العدالة، على التراب التركى، حتى لو كان الضحية يحمل جنسية بلد آخر، رغم أنه يمارس نفس الأسلوب وعلى نطاق واسع وبالتعاون مع العصابات المنظمة.


هذه الحقيقة ليست استنتاجاً ولكنها معلومات معروفة للغاية فى أنقرة، لأن الوقائع أوضح من قوة أى شخص أو مؤسسة على إخفائها، حيث كشفت جريدة الزمان التركية، فى تقرير نشرته الأسبوع الجارى، أن فرهان أكاى، مساعد، سيدات بيكر، زعيم المافيا التركية، المعروف بدعمه للرئيس التركى، هدد الصحفى التركى المعارض جان دوندار، والذى هرب إلى ألمانيا، بمصير خاشقجى، حيث وجه له نداء لزيارة القنصلية التركية، هناك، «سنجرب معك شيئا ما»، فى إشارة إلى تخطيط المافيا التركية المعروفة بعلاقاتها الوثيقة مع أردوغان منذ عشرات السنين، لاغتيال دوندار.

وكان دوندار، رئيس تحرير صحيفة جمهوريت السابق، حوكم أمام القضاء التركى على خلفية نشره خبراً بعنوان، «هذه الأسلحة التى أنكر وجودها أردوغان»، والذى يكشف فيه عن تزويد حكومة أردوغان للجماعات الإرهابية بالأسلحة، وعقب إخلاء سبيله سافر دوندار إلى ألمانيا، عام 2015 خصوصاً أن أردوغان توعده علانية بأنه لن يفلت من المحاسبة بسبب هذا الخبر.

علاقة أردوغان بالعصابات المنظمة ليست ناتجة عن خيال أو استنتاجات ولكن التعاون والتحالف بين الطرفين وصل إلى حد وصف موقع «تركيش مينيت» لأردوغان بأنه الأب الروحى للمافيا التركية وذلك فى تحقيق مطول بعنوان : «أردوغان.. الأب الروحى لعصابات المافيا فى تركيا».

حسب التحقيق تعاقدت المخابرات التركية، سيئة السمعة، مع عصابات المافيا وجندت بلطجية لقتل وترهيب ومضايقة معارضى ونقاد الرئيس التركى، والدليل أن علاقة العمل غير المشروعة بين أردوغان والمافيا موثقة جيداً فى سلسلة من الحوادث التى ساعد فيها أردوغان العصابات على الهروب من العقاب، حتى أن هناك صوراً تظهر أردوغان يتلقى ويتحدث مع أفراد عصابات مدانين قاموا على ما يبدو بالاتفاق معه على القيام بعمليات لصالحه داخل وخارج تركيا.

وهناك سابقة لهذا الأمر فى ثمانينيات القرن الماضى، عندما استخدمت المخابرات التركية أفراد عصابات لشن سلسلة من الضربات التى تستهدف الشتات الأرمنى، وفى التسعينيات تم التعاقد مع زعماء المافيا لقتل الشخصيات البارزة المرتبطة بالحركة السياسية الكردية، لكن لم يحدث من قبل، رؤية كبار القادة يتآمرون علانية مع زعماء المافيا المعروفين، ويبدو أن أردوغان يستمتع بدعمه فى العالم السفلى ويستخدمهم لتخويف خصومه.

رجل واحد يبرز ضمن تحالفات المافيا المؤيدة لأردوغان، هو سيدات بيكر، وهو زعيم مافيا، برأت محكمة تركية ساحته مؤخراً بعد أن هدد 1222 من الأكاديميين والمفكرين بالقتل عقب دعوتهم إلى تسوية سلمية للمشكلة الكردية.

ورغم أن بيكر كان يواجه 11 عاماً من السجن لإطلاقه تهديداً وتحريضاً على العنف فى ملاحظات قال فيها: «سوف نسكب دمكم فى الجداول ونستحم فى دمائكم»، إلا أن المحكمة الابتدائية برأته، لم يكلف بيكر نفسه عناء حضور الجلسة فى 13 يوليو الماضى ولكن المحكمة قالت إن تهديداته لم تؤد إلى أى إجراء وألغت التهمتين.

جاءت تصريحات بيكر بعد يوم من استهداف أردوغان للأكاديميين ووصفهم بأنصار الإرهاب، حيث اعتبرت محكمة الجنايات الابتدائية أن تصريحات بيكر يجب أن تعتبر تعبيراً عن الوطنية.

وفى محاكمة أخرى لم تجد المحكمة شيئا خاطئاً فى تصريح بيكر الذى قال فيه إن أعضاء حركة جولن سيتم شنقهم فى الشوارع وبعد ذلك سيقتل أيضاً أولئك الذين كانوا فى السجن، واتهم المدعى العام بيكر بالتحريض على العنف، لكن المحكمة قررت السماح له بالرحيل، رغم أنه كان يواجه عقوبة تصل للسجن 5 سنوات. وحسب التحقيق الصحفى، يعد بيكر مجرماً خطيراً يعمل ككلب هجوم لصالح الرئيس التركى عندما يحتاج الأخير لتهديد خصومه وإرهابهم.

وتشكل عمليات بيكر خارج تركيا خطراً على حلفائها وشركائها، مع الأخذ فى الاعتبار مدى ارتباطه بالشخصيات الإرهابية فى سوريا، حيث كان يرسل سترات واقية من الرصاص وشاحنات صغيرة من البلطجية المسلحين إلى سوريا، حيث تعمل هذه المجموعات بالتنسيق مع حكومة أردوغان كمجموعات بالوكالة، ويصف تقرير مفصل أعدته منظمة «صوت الصمت» غير الحكومية هذه المجموعات بأنها النسخة التركية من الحرس الثورى الإيرانى.

يضيف التحقيق: إن بيكر كان يعمل أيضاً لصالح مجموعات متشددة تعمل داخل الجيش التركى والخدمة المدنية لسنوات.

ولد بيكر فى عام 1972 فى مقاطعة ريزى، مسقط رأس أردوغان، وتم احتجازه عدة مرات وواجه مجموعة من التهم منها الابتزاز والجريمة المنظمة والخطف والفدية وإيذاء الآخرين، وتم اعتقاله عام 2004 وعوقب فى عام 2007 بالسجن 14 عاماً ثم تم تخفيض العقوبة لـ5 سنوات فقط، ثم تم إطلاق سراحه بدعوى أنه قضى بالفعل مدة العقوبة أثناء المحاكمة، وكان من الواضح وقتئذ أن هذه الخطوة كانت بتدخل مباشر من أردوغان الذى كان يشغل منصب رئيس الوزراء فى ذلك الوقت.

وتم تجنيد بيكر عام 1992 من قبل فيلى كوجوك، العميد التركى الذى أنشأ فرع الاستخبارات المعروف باسم «JITEM» داخل قوات الدرك التركى، وهو شخصية معروفة ومشهورة بعمليات القتل خارج نطاق القضاء فى تركيا، خاصة فى جنوب شرق البلاد، حيث تعرض الأكراد للقمع.

وعرف كوجوك، والد بيكر أحمد وأخذه تحت جناحه خلال سنوات شبابه، وبعد التقاعد، ألقى القبض على الجنرال التركى، فى يناير 2008، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة فى محاكمة انتهت فى أغسطس 2013.

وانتقل أردوغان لإنقاذ كوجوك وشركائه بعد أن سارع حزبه من خلال مشروع قانون فى البرلمان بإزالة سلطة المحكمة التى أجرت المحاكمة، ويعتقد أيضاً أن كوجوك ساعد بيكر فى الحصول على تقرير صحى مزيف يعفى قائد المافيا من خدمته العسكرية الإجبارية فى الجيش التركى.

كما جمع تعاون طويل المدى بين بيكر والمخابرات التركية تحت رعاية الضابط يافوز أتاك، الذى قاد قسم العمليات الأجنبية فى المخابرات، وأُجبر أتاك على الاستقالة بعد أن كشف فضيحة فى أواخر التسعينيات، حيث أظهر أنه قد قدم جواز سفر دبلوماسى إلى ألاتين تشاكجى، وهو زعيم مافيا آخر، وجاء اسم بيكر خلال تحقيق آخر فى مؤامرة اغتيال استهدفت السياسيين الأكراد والمؤلف التركى الحائز على جائزة نوبل أورهان باموك.

فى إطار الحديث عن علاقات أردوغان بعالم الجريمة المنظمة التركية، يبرز اسم كورشات ميكان، وهو شخصية قومية متطرفة تم تجنيده من قبل المخابرات التركية من أجل التواصل مع الشباب التركى لتجنيد الإرهابيين للقتال فى سوريا.

وقاد ميكان هجوماً فى عام 2017 على معبد يهودى احتجاجاً على منع إسرائيل للفلسطينيين من الدخول إلى المسجد الأقصى فى القدس، من خلال تهديد المواطنين الأتراك من ذوى الأصول اليهودية، وبدلاً من الاحتجاج أمام القنصلية الإسرائيلية فى اسطنبول أو السفارة فى أنقرة، التى تمثل الحكومة، قاد ميكان المجموعة إلى واجهة المعبد.

وكانت خطة المخابرات التركية هى دعم قول أردوغان إن العديد من المساجد فى أوروبا وبلدان غربية أخرى تعرضت للهجوم من قبل أشخاص يعانون من كراهية الإسلام، وأن الحكومات المضيفة لم تفعل شيئاً لمنع ذلك.

وردد أردوغان تصريحات خصوصاً أثناء التوتر مع هولندا وألمانيا أن حكومته لم تسمح أبداً بأى هجوم ضد المؤسسات الدينية اليهودية أو المسيحية.

ميكان كان متورطاً فى شبكة الجريمة المنظمة فى يونيو 2015، وقام و12 شخصاً باختطف رجل أعمال يدعى زيبير تيمورتاش، وتم القبض عليه قبل حصوله على الفدية التى طلبها، ثم تعرض للتعذيب لمدة ثمانية أيام.

من الواضح أن صلات ميكان العميقة بالدولة التركية ساعدت فى إنقاذه من المشاكل القانونية، حيث تم تقديم دعوى قضائية ضده بتهمة التحريض على العنف فى المحكمة الجنائية العليا فى اسطنبول، ومع ذلك، لم يهتم ميكان أو محاميه بالذهاب إلى المحكمة للرد على التهم فى جلسة استماع فى مايو 2017، ولم تكن لدى المحكمة الشجاعة لإصدار أمر اعتقال بحقه رغم رفضه المثول أمام المحكمة.

كما أنشأ أردوغان مجموعة من الشباب تسمى «الموقف العثماني» تعمل بنفس أسلوب المافيا، وتقوم المجموعة بتدريب الشباب بنشاط فى فروع الشباب فى حزب العدالة والتنمية.

ودعا زعيم «الموقف العثمانى»، قادر كانبولات، جميع أنصار حزب العدالة والتنمية وأردوغان إلى حمل السلاح فى حالة حدوث محاولة انقلاب ثان فى تركيا، وكان كانبولات، من بين ستة مشتبه بهم تم اعتقالهم قبل زيارة البابا بنديكت السادس عشر فى 30 نوفمبر 2016 بتهمة محاولة شن هجوم مسلح على البابا، ثم تم إطلاق سراحه لاحقاً.

وفقا لتحريات الشرطة، كان لدى كانبولات اتصالات مع مصطفى أوزتورك، المشتبه به فى مقتل الصحفى هرانت دينك، كما جمعت العديد من الصور كانبولات مع أردوغان ويبدو أنه مدعوم من قبل حكومة حزب العدالة والتنمية.

وشنت جماعة كانبولات هجمات على عدد من الصحف المعارضة كما تورطت المجموعة فى هجمات واسعة استهدفت مقر حزب الشعب الجمهورى فى منطقة سينكان فى أنقرة والحزب الديمقراطى الشعبى المؤيد للأكراد فى 8 سبتمبر 2015.

وعلى غرار منظمة الموقف العثمانى، هناك العديد من المنظمات الأخرى المرتبطة بالرئيس التركى، حيث تمثل الوجهة الرسمية لهذه المؤسسات ستاراً مناسباً لأعمالها غير المشروعة، وحسب تقرير منظمة «صوت الصمت»، أسس أردوغان مؤسسة «النسيج الاجتماعى»، والتى كان من المفترض أن تكون مؤسسة للشئون الدينية برئاسة نور الدين يلدز، السلفى الذى يرتبط بعلاقات مع قادة «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابى فى سوريا.

وكشفت مجموعة من الصور التى نشرتها صحف المعارضة التركية علاقات يلدز القوية مع زعيم المافيا التركية سيدات بيكر، حيث يظهر يلدز مع عدد من مستشارين بيكر، وكما تعمل مؤسسة النسيج الاجتماعى على تجنيد الجهاديين تعمل أيضا على إرهاب معارضى أردوغان.

وهناك أيضاً مؤسسة «أنصار» وهى مؤسسة دينية ولكنها تصدرت عناوين الصحف المعارضة بسبب اعتداء أعضائها على معارضى أردوغان، وبشكل أساسى يستخدم أردوغان هذه المؤسسة للحفاظ على الضغط على محاكم انقلاب 15 يوليو، حيث يقوم أتباع المؤسسة بتخويف وإهانة محامين وعائلات المشتبه بهم.

من ناحية أخرى، أسفر تحالف أردوغان مع زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهجلى، فى أعقاب محاولة الانقلاب فى 15 يوليو، عن اتساع علاقات أردوغان مع المافيا، ومنذ ذلك الحين، سمح أردوغان بدعم وحماية قادة الجريمة المنظمة فى تركيا.

وعلى سبيل المثال، قبل انتخابات 24 يونيو مباشرة، قام بهجلى زعيم حزب الحركة القومية بزيارة زعيم الجريمة المنظمة علاء الدين تشاكيجى، والذى كان يقضى عقوبة السجن، إذ إنه مشتبه به فى عدد من المحاكمات المرتبطة بقتل عدد من الأشخاص خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، بزعم أن ذلك كان بناء على طلب من الدولة التركية وسط مزاعم بأن وكالة المخابرات التركية استخدمته فى العديد من العمليات ضد المعارضين فى الداخل والخارج على حد سواء.

وأدلى تشاكيجى بتصريح علنى هدد فيه مجموعة من الصحفيين وكتاب الأعمدة الذين يعملون فى صحيفة قرار، ومع ذلك، فإن حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم بقيادة أردوغان لم تقدم بعد بياناً واحداً بشأن التهديدات الصادرة عن تشاكيجى.

حسب التقرير، فإن علاقات الرئيس التركى بالعالم السلفى التى تهدف للضغط على خصومه فى تركيا والخارج، يجب أن تؤخذ على محمل الجد بالنظر إلى الماضى الدموى والقاتل لقادة المافيا الذين تورط معهم أردوغان، وبالنظر إلى موارد وقدرات وكالة الاستخبارات التركية التى وضعت تحت تصرف المافيا ونقابات الجريمة التى تعهدت بولائها لأردوغان، الأب الروحى لدولة المافيا فى تركيا.

حسب التحقيق الصحفى، هناك مزيد من الأسباب التى تدعو إلى القلق بشأن ما يمكن لتركيا أن تفعله فى بلدان أخرى حيث يمكن تعبئة الشتات التركى، ويبدو أن ألمانيا وهولندا قد اتخذت بالفعل إجراءات وقائية للقضاء على هذه الشبكات غير المشروعة، وسيتبعها مزيد حول ذلك فى بلدان أخرى.