ألف حكاية وحكاية بينى وبين الدكتور كمال الجنزورى بها غضب مبكر وود متأخر.. صفحات من مذكرات عادل حمودة (39)

العدد الأسبوعي

الكاتب الصحفي عادل
الكاتب الصحفي عادل حمودة


طالبت الدولة برفع إيجارات البيوت التى تستأجرها وإعادة المهجور منها إلى أصحابها فاستجاب بمبادرة حسبت إلى حكومته

حاولنا مع مفكرين وصحفيين ورجال أعمال إصدار صحيفة خاصة فعدل القانون ليشترط موافقة مجلس الوزراء قبل المجلس الأعلى للصحافة

أصدرت حكومته قرارا برفع رأسمال شركات السينما إلى 200 مليون جنيه فتراجع إنتاج الأفلام ولم يستفد من القرار سوى نجيب ساويرس

رصدت فى التكويش على السلطة عشرات المناصب التى يتولاها فاحترقت الجسور بينى وبينه واتهمنا بأننا مجلة جنسية


لست من هواة البطولة المطلقة بأثر رجعى.

ليس فى البطولة المؤجلة عمل من أعمال التحدى.. التحدى يفترض وجود خصم.. والخصم فى هذه الحالة إما ينام تحت رخام قبره.. أو وحيد فى بيته يعض أصابع الندم على فقد منصبه الذى كان.. يحتاج إلى رثاء لا إلى قتال.

كيف نصدق كاتبا كان موافقا على كل الحكومات والسياسات والشخصيات ثم ما إن يحدث التغيير ينقلب على نفسه حتى يخرج إلينا بسهولة ليقول لنا: لا تؤاخذونى فقد كنت مخدرا ومجذوبا ومهبولاً وواقعا تحت تأثير السحرة والمشعوذين؟.. كيف نصدق ما وجه من صفعات ولكمات ولعنات على ما كان بعد أن كان قبلته فى الصلوات وأمطره بالقبلات؟.

هذه مقدمة ضرورية قبل الحديث عن علاقتى متعددة الجوانب والزوايا والمواقف بالدكتور كمال الجنزورى.. اختلفت معه وهو فى عز قوته.. ونجح فى إخراجى من «روزاليوسف» بعد أن تربعت على عرش المجلات الأسبوعية.. وتفرقت بيننا السبل.. وشاءت الظروف أن يتواصل الود بيننا بعد أن ترك مناصبه.. بل تحدث معى عن مذكراته قبل نشرها.. وحضرت حفل توقيعها فى النادى الدبلوماسى وسط نجوم السياسة والصحافة.. وما إن تحدث عن تسامحه مع الذين أساءوا إليه حتى همس لى هيكل الجالس بجوارى قائلا: إنه يقصدك.

هنا تساءلت بينى وبين نفسى: هل حقا أسأت إليه؟ أم أنه هو من أساء.

واحتاجت الإجابة إلى توثيق بالرجوع إلى ملفاتى القديمة ووجدت أن من المناسب عرض الوقائع مجردة تاركا الحكم للناس خاصة أن له رصيدًا كبيرًا لديهم فقد نال الكثير من إعجابهم لبراعته فى حفظ الأرقام الاقتصادية وارتجالها.

وطاردنى سؤال آخر: لم تفتح جراحا اندملت وتعيد حديثا عن رجل صفى الزمن ما كان بيننا؟.

وكانت إجابتى: إن المواقف لم تكن شخصية.. وما سأذكره تاريخ موثق.. والتاريخ ليس ملكا لأحد حتى الذين صنعوه.. التاريخ حق لأجيال لم تعشه.. كما أننى لن أتجاوز فيما أروى بلفظ غير مناسب لقدر الرجل.. ولن أخرج عن النص بوقائع لم تحدث.

والأهم أن التاريخ ليس علم الأحياء الميتة وإنما هو علم الاستفادة من الماضى حتى لا تكرر الأمم أخطاءها وتلدغ من الجحر نفسه مرتين.

بل إن الرجل نفسه استفاد مما كان من قبل عندما عاد رئيسا للحكومة من جديد بعد ثورة يناير 2011 ولا أظن أنه سيغضب مما سأكتب فهو وحده يعرف الحقيقة كما أننى مستعد دائما لنشر ما يجود به من تعليقات وتفسيرات دون حرج وجرب ذلك كثيرا فيما قبل.

فعلا اختلفت مع الدكتور كمال الجنزورى (رئيس الحكومة رقم 113) وهو فى كامل سلطاته وخضت معه وحدى معارك شرسة لم أملك فيها سوى قلمى وضميرى بينما كان تحت أمره جهازه الحكومى الضخم الجاهز لتنفيذ ما يشاء لعقاب من يشاء.. بجانب وقوف شخصيات صحفية بجانبه كانت مستعدة لبيع شرفها مقابل حبات من الفول السودانى.. وتحالف رجال أعمال معه بتمويل حملات تشهر بى تحقيقا لمصالح قدرت بمليارات.. وحقق الرجل ما أراد وأثر فى الرئيس مبارك حتى أصدر تعليماته بخروجى من «روزاليوسف» لهدم تجربة من تجارب الحرية الصحفية النادرة.

أردت فيما كتبت عن الجنزورى التنبيه إلى أنه يميل نحو جمع الصلاحيات فى يده ما أشعل الصراع بينه وبين عدد كبير من الوزراء رفضوا الخضوع إليه وحاولوا الاستقلال عنه وانشغلوا فى الدفاع عن مناصبهم حتى تأثر أداء الحكومة بغير ما توقعنا وسجلت البنوك خروج نحو 40 مليار جنيه قروضا يصعب تحصيلها مقابل ضمانات عقارية وأراض قدرت بأضعاف قيمتها.

وأمام محاولات لا تتوقف لإسكات صوتى واستئصال حنجرتى لم أتوقف عن نشر ما أراه صائبا.. كنت مؤمنا بأن الشمس لا تطفأ بنفخة من مسئول مهما كانت سلطته.. ومهما كانت سطوته.. وأن التاريخ يتذكر الكتاب.. وينسى رؤساء الحكومات.. إلا من حقق معجزة يصفق لها الشعب.. فى الغالب يذهب الحاكم ويبقى الكاتب.. وبالقطع هناك حاكم سابق ولكن ليس هناك كاتب سابق ولو مات ودفن ومرت عليه عقود وأجيال.

استقبلت «روزاليوسف» وصول الجنزورى إلى رئاسة الحكومة بترحيب حار متصورة أنه سيكمل مشوار الإصلاح المالى الذى نفذه سلفه الدكتور عاطف صدقى بإصلاح اقتصادى يزيد من معدلات النمو ويشعر الناس بالرخاء بعد أن تحملوا الكثير من المعاناة.

وللإنصاف فإنه استجاب إلى ما كتبت فى يوم 27 يناير 1997 مطالبا بأن تعيد الدولة النظر فى إيجارات العقارات التى تستخدمها المصالح الحكومية وتعيد العقارات التى لم تعد تسكنها إلى أصحابها يستفيدون منها خاصة أن بعضهم لا يملك من سبل العيش سواها أو عائدها.

ولم يستجب الرجل إلى ما طالبت به فقط بل طالبنى بمتابعة تنفيذ قراراته وكتب لى خطابا شخصيا يفيد ذلك لم أتردد فى نشره وسعدت بما جاء فيه على لسانه قائلا: إن الحكومة يجب أن تكون قدوة فى تنفيذ القانون وأنها لا تستمر إلا برضاء الناس عنها وأن الموظف العام هو خادم للناس وليس سيدا عليهم.

فى ذلك الوقت كان الجنزورى يصفنى بالكاتب الوطنى الشجاع وفى الوقت نفسه كان يعترض على ما يصفه بالحدة فى أسلوب كتاباتى.

ولكنه على ما يبدو لم ير فى الصحافة سلطة رقابية مستقلة وربما اعتبر الكتابة وظيفة حكومية ليس عليها سوى تنفيذ التعليمات وانتظار العلاوات وإن تركت لها الحرية فى النشر فليس أمامها سوى وصفات التدبير المنزلى على طريقة أبلة نظيرة مؤلفة أشهر كتاب طهى فى مصر.

ولم أصل إلى هذا التصور من خيالى وإنما صاغته تجارب عاشتها «روزاليوسف» معه كان لى فيها النصيب الكبير من اللوم.

بعد أن أيدت محكمة النقض حكم التفريق بين الدكتور نصر أبو زيد وزوجته الدكتورة ابتهال يونس نشرت على غلاف «روزاليوسف» (18 أغسطس 1996) صور بعض رموز المجتمع من بينهم الجنزورى فى دائرة تنشين ضرب النار وكتبت تحتها عنوانًا يحذر من تكرار ما جرى: هؤلاء عليهم الدور تصريح بالقتل من محكمة النقض.

واتصل الجنزورى بى غاضبا من وضع صورته على هذا النحو رغم أننا اعتبرناه رمزا من رموز المجتمع ممكن أن يتعرض للاغتيال الجسدى والمعنوى الذى طال من سبقوه من وزراء ورؤساء حكومات على يد الإرهاب.

وعندما استخدمنا أسلوب الفوتو مونتاج وكونا صورة له وهو يحمل كاميرا سينمائية بمناسبة عدم السماح بتكوين شركات للإنتاج السينمائى برأسمال أقل من 200 مليون جنيه تخيل أننا نستخدم هذه الصورة للنيل منه وطالبنا يومها بألا ننشر صورة غير رسمية له لأن غيرها من الصور يفقد الحكومة التى يمثلها هيبتها ووقارها وقوتها على حد تصوره.

والحقيقة أن الوحيد الذى استفاد من رفع رأسمال شركة السينما إلى 200 مليون جنيه كان نجيب ساويرس فقد عجز نجوم السينما ومنتجوها عن مجاراته وأغلقت شركاتهم المحدودة التى أنتجت غالبية أفلام السينما المصرية مما أثر فى الصناعة وعدد الأفلام التى تقدمها سنويا.

وتدخل الجنزورى مرة أخرى مطالبا بعدم نشر صورته وهو يدخن السيجار رغم أنه أهدانى واحدا منه طراز دافى دوف سوبر كينج سايز فى أنبوبة محفورة من الخشب.

وقبل أن أترك ««روزاليوسف»» فكرت فى إصدار صحيفة خاصة تحمل اسم صاحبة الجلالة وكونت شركة ضمت أسماء جادة فى مختلف المجالات منها وحيد حامد والدكتور لويس بشارة والدكتور ميلاد حنا والدكتور أحمد العزبى وشاكر أباظة والدكتور حسن الحيوان والدكتور هانئ عنان وفنان الكاريكاتير جمعة وأنا وشباب يحلم بفرصة أكبر فى الصحافة ولكن الجنزورى وقف أمام المشروع وأجهضه ووجدنا صحيفة تخرج بنفس الاسم من تحت بير السلم.

بل إنه سارع بتعديل المادة (17) من قانون الشركات ليفرض موافقة مجلس الوزراء شرطا مسبقا لقبول أوراق شركات الصحافة بينما اكتفى بأن يكون تكوين شركات الطوب والأسمنت والشيبسى والهوت دوجز والشاورما بإخطار بريدى مسجل بعلم الوصول وبدا وكأننى المقصود بهذا التعديل لمنعى من نشر الصحيفة حتى أن البعض أطلق على هذا القانون: قانون عادل حمودة.

وفيما بعد أسقطت المحكمة الدستورية العليا ذلك النص ووصفته بالعوار التشريعى الصادر من غير ذى صفة فليس من حق مجلس الوزراء صك القوانين أو تعديلها.

لم أكن بما كتبت عنه خفيفا على قلبه وأتصور أن المقال الذى نشرته فى عدد 2 مارس 1998 تحت عنوان: رئيس وزراء سوبر التكويش على السلطة هو ما أجهز حرقا على ما تبقى من جسور بينى وبينه خاصة أن تعبير التكويش على السلطة أصبح شائعا وكثر استخدامه.

ولنقرأ بعضا من المقال:

ولد الدكتور كمال الجنزورى فى 12 يناير 1933 واحتفل بعيد ميلاده الخامس والستين فى صمت وكان الاحتفال على ما يبدو غير تقليدى التهم فيه كعكة حرية الصحافة وأطفأ شموعها وأضاف أعباء وصلاحيات جديدة فوق كاهله لا نعرف كيف يتحملها خاصة أنه لا يفرق بين رحابة الديمقراطية وسطوة البيروقراطية.

وهو يجيد التعبير ويخشى التقصير ويعرف أن الطريق أمامه ليس مفروشا بالحرير ورغم ذلك يسعى جاهدا إلى تكثيف وتجميع السلطات والقرارات فى يده وحده ليكون الأول والأخير.

إنه يرأس مجلس الوزراء ويتولى بنفسه أربع وزارات هى التخطيط والتعاون الدولى والأزهر والحكم المحلى والذى يتولى وزارة التخطيط يرأس البنك القومى للاستثمار.. البنك المتحكم فى كل المشروعات والخدمات.. لا تبنى مستشفى أو محطة كهرباء أو مدرسة دون موافقته.. والمشروعات التى يقرها ويسيطر عليها بالمئات إن لم تكن بالآلاف.

وفيما بعد أضاف الجنزورى لنفسه صلاحيات توزيع الأراضى فى المدن الجديدة بجانب التحكم فى شئون المحافظين بصفته وزيرا للحكم المحلى.

وهناك 12 لجنة عليا مشتركة مع 12 دولة عربية وأجنبية وحسب البروتوكولات الموقعة معها فإن هذه اللجان تجتمع دوريا كل ستة أشهر ويعقد الاجتماع فى عاصمتى الدولتين بالتبادل.

إنه فى العام الواحد عليه حضور ما بين 12 و24 اجتماعًا لهذه اللجان ولو كان الاجتماع فى القاهرة فإن عليه التفرغ لها يومين على الأقل وفى حالة الاجتماع فى عاصمة الدولة الأخرى تستغرق الرحلة ما بين 3 إلى 4 أيام وبحسبة بسيطة تستهلك هذه اللجان والاجتماعات وحدها حوالى الشهرين من وقت رئيس الحكومة الثمين الذى يضع تحت تصرفه كل شىء.

يضاف إلى ذلك المهام التى يكلفه بها رئيس الجمهورية سواء للسفر معه أو لاستقبال الضيوف الأجانب والمشاركة فى المباحثات الرسمية معهم.

وهناك أيضا الاجتماعات مع المحافظين والتعامل معهم بشكل مباشر بصفته وزيرا للحكم المحلى بجانب شغفه الذى لا يتوقف بتكرار الدعوة لرؤساء تحرير الصحف للتحدث إليهم.

وبحكم منصبه هو نائب رئيس الحاكم العسكرى طبقا لقانون الطوارئ وقد استخدم سلطات الحاكم العسكرى بتوسع لم يحدث من قبل وطبقها على المبانى (وهو أمر يحسب له ولكنه بالقطع استهلك مساحة من وقته المحدود).

ثم إنه عضو فى 30 مجلسا أعلى للسياسات العليا (السياحة والقوى العاملة والشباب والرياضة والإسكان والموانئ مثلا) وبهذه الصفة عطل أعمال الوزارات المختصة وتدخل فى شئونها بما شل حركة غالبية الوزراء.

وهو بحكم منصبه عضوا فى المجالس العليا للقوات المسلحة والأمن القومى والشرطة (وهو ما أضيف إلى مشاغله ما لا يملك وقتا لها).

ويتابع بحكم منصبه أعمال المجالس العليا للصحة والدواء والثقافة والتعليم والجامعات والطاقة وكلها تحتاج إلى جهد إضافى يصعب توفره.

ويرأس وهو الأخطر والأهم فى هذه المرحلة اللجنة العليا للخصخصة وبالتشريع الأخير الذى يجعل موافقة رئيس الوزراء ضرورة للموافقة على الشركات الصحفية وشركات الأقمار الصناعية والاستشعار عن بعد يكون الجنزورى قد نقل الكثير من صلاحيات المجلس الأعلى للصحافة ووزارة الإعلام إليه.

وبمقتضى التشريع نفسه الذى يشترط موافقة مجلس الوزراء على تأسيس الجمعيات الأهلية تفقد وزارة الشئون الاجتماعية سيطرتها على هذه الجمعيات لصالح مركزية رئيس الحكومة.

وبعد ساعات من إقرار هذا التشريع مر تشريع آخر يقضى بحرمان هيئة قناة السويس من استقلالها ونقل تبعيتها إلى مجلس الوزراء.

وفى تقديرات البعض يوقع رئيس الحكومة على ما لا يقل عن 3500 ورقة فى الشهر ولو كان القرار يحتاج إلى دقيقة واحدة فإن توقيع ما تحت يده من أوراق يحتاج ما بين ثلاث وست ساعات يوميا تقريبا (وفيما بعد اتضح أنه يوقع على نحو 15 ألف ورقة شهريا بمعدل 500 ورقة دون حساب العطلات والأعياد).

ولأنه يقوم بالاتصالات بنفسه فى أغلب الأحيان فإن الكلام والبوستة والحوار مع مساعديه يستهلك النهار بأكمله فمتى يأكل ويدخل الحمام ويجامل بحضور الأفراح التى يحرص على التواجد فيها ولا تتساءل متى يمارس عمله الحقيقى رئيسا للحكومة.

وأدت هذه السياسة إلى تجاهل الوزراء فلم يؤخذ رأى وزير التعليم فى تعديل قانون الثانوية العامة ولم يؤخذ رأى وزير الصحة فى تغيير مشروع التأمين الصحى مثلا.

إننا فى وطن ينتظر السفر إلى المستقبل ولكن المشكلة أن رئيس الحكومة عطل القطار وكسر الرصيف وأغلق المحطة على نفسه بعد أن حلم بأن يكون ناظرها.

الدكتور كمال الجنزورى كان الله فى عونك وعوننا.

ولم يجد الرجل ردا على ما كتبت سوى وصف المجلة التى تهاجمه بأنها مجلة جنسية ويبدو أن هذا الوصف خفف من موجة الغضب التى سيطرت عليه وإن لم يكف عن السعى إلى التخلص منها ومنا ونجح فى ذلك ولكن بعد خمس سنوات لم تكن العلاقة بيننا خلالها سمنا على عسل وإنما أشواك ومسامير.