طارق الشناوي يكتب: "عمرو.. الخطأ والخطيئة"

الفجر الفني

بوابة الفجر


انفلتت كلمة قاسية من عمرو دياب متحدياً ومبوخاً واحداً من مريديه (مش ح أغنيها ومش ح أغنى على كيفك وماتسمعنيش)، وذلك بسبب إلحاحه على غناء (قال فاكرينك)، بينما عمرو لسبب غير معروف لا يعتز بها وأسقطها من برنامجه الغنائى، الأمر يتجاوز الشخصى إلى العام، حتى من لا ترتاح أذنه لتلك الأغنية سيشعر بأن عمرو أهانه على الملأ، وكأنه وجه إليه مباشرة تلك القنابل اللفظية.

سرعة البديهة والقدرة على التعامل اللحظى مع المواقف إحدى الملكات النادرة التى ينبغى أن يتحلى بها من يواجه الناس، وإليكم مثلا تلك الواقعة التى واجهت أم كلثوم فى مطلع السبعينيات، عندما استبدت حالة النشوة بواحد من معجبى (الست)، فى حفل كانت تردد فيه مقطع (ما تعذبناش ما تشوقناش)، من أغنية (ليلة حب)، وبدأ يعلو صوته (أعد) وكانت قد وصلت ربما للإعادة السادسة، نظرت إليه وأشارت بيدها وقالت بدون أن تغير فى طبيعة الأداء النغمى (ماتعذبناش) وضحك وصفق الجمهور، وأنت تستمع لـ(ليلة حب)، فى (الراديو) قطعا، لن تدرك لماذا يعلو صوت الناس بالضحك والتصفيق، إنها واحدة من لمحات أم كلثوم التى تخرج فيها برشاقة على النص التقليدى وتصيب الهدف وتُسعد جمهورها.

مثلا كان عازف الناى المبدع سيد سالم يتجلى بإضافات لحنية فى أغنية (بعيد عنك)، الناس تجاوبت، وأم كلثوم فوجئت بتلك اللمحات التى لم يسبق له تقديمها فى البروفات، قالت له فى البداية (إيه ده؟)، ثم أعجبتها، وأصرت على أن يعيد الجملة اللحنية، بينما تصفيق الناس يعلو، نفس الأغنية رددتها بعدها فى حفل أقيم فى (ليبيا)، فقال لها أحد المتفرجين (عيدى يا مرة)، وكلمة (مرة) فى بعض البلاد العربية تعبير مهذب، لا تنس أن جمهور أم كلثوم متعدد الجنسيات، وجاء ردها هذه المرة متجاوزا (اخرس يا قليل الأدب).

عبدالحليم له الكثير من السقطات التى ارتبطت بقصيدة (قارئة الفنجان) 76، كانت لديه قناعة بأن هناك من يترصد له، رغم أنك لو تابعت بدقة ما حدث فى الحفل ستكتشف أن الناس كانت تُعبر عن إعجابها، بينما عبدالحليم لم يتعامل مع الموقف بحسن نية، كما سبق لعبدالحليم أن أغضب أم كلثوم عندما اتهمها بتدبير مقلب ضده فى حفل عيد الثورة عام 1964، حيث إنها، على غير المتعارف عليه، طلبت أن تسبقه فى الصعود إلى المسرح وأطالت الغناء، حتى تقلصت المساحة الزمنية المتاحة له بعدها، ولم يشفع تواجد جمال عبدالناصر ليتراجع عن توجيه اللوم العلنى لأم كلثوم، ومن بعدها منعته من مشاركتها فى أى حفل!!.

عندما يواجه الفنان الجمهور، بقدر ما ترفعه العيون والقلوب إلى مصاف الملائكة، فإنها نفس العيون والقلوب التى تنتظر منه أن يحلق بجناحيه فى السماء، وهكذا عندما تنفلت كلمة ينزلون به فى (فيمتو ثانية) من سابع سماء إلى سابع أرض.

الخطأ وارد جدا، ولكن حتى لا يُصبح خطيئة على الفنان أن يسارع بالاعتذار، وهى نصيحة أتمنى أن يأخذ بها عمرو دياب!!.