طارق الشناوي يكتب: الحناجرة !!

الفجر الفني

بوابة الفجر


بعد نشر عمود (دعوة ليلوش) جاءنى الكثير من ردود الأفعال تراوحت بين التأييد والرفض وأيضا الإشفاق، على اعتبار أننى دخلت عش الدبابير، مؤكدين أن هذا الرأى الذى يسبح عكس التيار السائد، سيضعنى فى مرمى نيران (الحناجرة)، هؤلاء الذى يكسبون معاركهم عادة بتوجيه الشتائم وفرش الملاية ورمى من يقف على الجانب الآخر بكل الموبقات، ولا يعنيهم أين هى الحقيقة؟ بل هم بندول سريع الحركة 180 درجة هنا وهناك، لهم العديد من المواقف لم نكن نسمع لهم صوتا، إلا أنهم بين الحين والآخر يعبرون عن غضبهم، لو كان للغضب ثمن.

يجب أن نفرق بين إنسان مصرى أو عربى يرفض دعوة ليلوش لأن لديه تحفظا مبدئيا ضد كل من ذهب لإسرائيل، حتى لو كان لا يحمل الجنسية العربية وغير ملتزم بالضرورة بقرارات المقاطعة العربية، إنه موقف نختلف معه فيما يتعلق بمهرجان دولى مثل (القاهرة) ليس دوره ولا من مهامه أن يبحث عن آراء من يوجه إليهم الدعوة من الأجانب ولديهم ثقافة ومنطق مغاير، بل أرى أن الأجنبى الذى ذهب لإسرائيل من الممكن أن نكسبه لصفنا وندعوه لوطننا ليعرف أين هو الحق.

الأصوات التى رفضت ليلوش من منطلق قومى وطنى لهم كل الاحترام، إلا أن المهرجان أيضا غير مطالب بتقديم كل تلك التراجعات وكـأن على رأسه بطحة، أتذكر عام 86 كان الأستاذ سعد الدين وهبة رئيسا لمهرجان القاهرة، ومعروف موقفه المتشدد ضد كل ما ينتمى للكيان الصهيونى، كانت هناك اتهامات حول فيلم (ريح السد) للمخرج التونسى الكبير، نورى بوزيد، وكان الاتجاه الغالب بين أغلب الصحفيين والنقاد هو رفض عرض الفيلم تماما، ولكن اختار سعد الدين وهبة الحل الأكثر هدوءًا وهو عرض الفيلم فقط للنقاد والصحفيين، ولم نجد فيه أى شىء يدعو للتطبيع، فقط شخصية يهودى إيجابية أدت لقراءة الفيلم خطأ، وعرض الفيلم بعدها عرضا جماهيريا وحقق أعلى الإيرادات، أجاد وهبة بحنكته التعامل مع الأزمة، فأصبحت ورقة لصالح المهرجان.

مع الزمن صار نورى بوزيد واحدا من أكثر المخرجين العرب الذين يتم تكريمهم فى المهرجانات المصرية، واكتشفنا أن جدته أيضا مصرية من الإسكندرية.

القسوة فى الهجوم لم تمنح فرصة متكافئة لرئيس المهرجان محمد حفظى، هناك من يلهث وراء ضرورة التراجع السريع عن الدعوة، بينما أصوات الغضب تتصاعد، رئيس المهرجان يريد إطفاء الحريق بأقل خسارة ممكنة، وتكتشف أن هناك من ينشر بيانا منسوبا للمهرجان، بينما صفحة المهرجان تنفى صدور هذا البيان، تفاصيل واختراقات، لو تعمقت فيها ستكتشف أنها تحمل فى عمقها رغبة أساسية لضرب تجربة المهرجان.

نحن لا نملك مع الأسف فى العديد من أمور حياتنا فن إدارة الأزمة، وتلك هى أكبر أزمة، كان من الممكن التريث قليلا فى اتخاذ القرار، بعد أن يوضح رئيس المهرجان كل التفاصيل التى أحاطت بالموقف، وألا ترهبه تلك الأصوات التى تعلو بالغضب، ومع تقديرى وأكرر لمن تحركه دوافع وطنية وليس لديه حسابات أخرى، إلا أن (الحناجرة) أجادوا الضرب تحت الحزام!!.