منال لاشين تكتب: كيف تنقذ التعليم ببلاش؟

مقالات الرأي



الوزير اختار أرقى نظم للتعليم ولكن فى أغنى الدول

منذ عشر سنوات هناك خطط لاستغلال المبانى ومراكز الشباب فى التعليم

الوزير ضاعف كثافة الفصول.. وهناك حلول لتخفضيها


كانت الدراسة فى أيامنا مجرد حقنة سخيفة من الدروس والواجبات والصحيان بدرى.. لم تكن عملية جراحية تشل حياة الأسرة بالشلل لمدة تسعة أشهر وأحيانا عام كامل.. لم تكن تحتاج إلى مئات الألوف من الجنيهات لتنفق على تعليم متنوع فرنسى وبريطانى وأمريكى وألمانى وكندى.

باختصار لم يكن التعليم الحكومى قد سقط نهائيا..ولذلك فإن إحياء التعليم وليس مجرد تطويره هو قمة اهتمام كل المصريين وليس فقط الوزير أو الحكومة. والتجارب الدولية التى نتجول فيها واخترنا نظاما راقيا لا غبار عليه. ولكنه ببساطه لم يعالج أزمة التعليم الحقيقية.


1- أزمة حادة

جمعتنى المصادفة بعدد من خبراء التعليم على أعلى مستوى يعملون فى جامعات أجنبية مختلفة، ولهم تجاربهم فى تطوير التعليم فى عدد من الدول.. وقد سمعتهم الحكومة بنصف أذن أو بالأحرى بأذن مغلقة. وقد طلبوا عدم ذكر اسمائهم فهم لا يريدون حربا أو صداما مع الوزير وحكومته. وبداية معظمهم يقر بأن نظام التعليم الجديد هو نظام جيد وراق.. ولكنه لا يحل الأزمة الحادة والأساسية والجذرية فى التعليم بمصر.وهى أزمة كثافة الفصول.. قلت لهم: يعنى جبنا دوا جيد ولكنه لا يعالج المرض الذى يعانيه التعليم المصرى. أجابنى أحدهم بأن النظام الجديد جيد ولكنه اصطدم بحائط أو سد حديدى وهو كثافة الفصول. حين استمعت إلى آرائهم اكتشفت أن وزير التعليم وضعنا فى نظام كاريكاتيرى..تلميذ لا يجد كرسيا يجلس عليه ومعاه «تابلت». مواطن حافى القدمين ويرتدى ساعة ذهب. فالمشكلة أن الوزير وحكومته ذهبوا إلى دول غنية لا تعانى من أزمة كثافة الفصول الرهيبة التى تعانى منها مصر. ولم تهتم بتجارب الدول أو المحافظات والولايات ببعض الدول التى تعانى مثلنا كثافة فى الفصول. مثلا هناك حل تتبعه بعض ولايات الهند وهو تقسيم الطلاب على أيام الأسبوع. فالدراسة ثلاثة أيام فقط مع يوم دراسى طويل..فى هذا النظام يدرس الطلاب المواد العلمية فى الصباح والألعاب الرياضية والموسيقى والفنون والمهارات قبل نهاية اليوم الدراسى. وبهذا الحل فإن الفصل الذى يكتظ بـ100 تلميذ، سيتحول إلى فصل به 50 تلميذا فقط، ولكن ما فعله الوزير طارق شوقى هو العكس تماما. فعندما ألغى الفترة الثانية فى المدارس تضاعفت كثافة الفصول المكتظة من الأساس.

وهو وضع غير إنسانى ولا تعليمى ولا يسمح للتلاميذ أن يتعلموا سواء بالتابلت أو بأى وسيلة تعليمية أخرى.


2- أصل المشكلة

من وجهة نظر هؤلاء الخبراء أن الحكومة مصرة على بناء مدارس نموذجية، وهو ما يكلف الدولة بحسب تصريحات وزير التعليم 100 مليار جنيه..والخطأ أو الخطيئة أن الحكومة تنتظر توافر الـ100 مليار. من وجهة نظر الخبراء أننا يجب أن نبتكر حلولا إبداعية لكثافة الفصول.. أو نقلد بعض التجارب من الدول الأخرى. على سبيل المثال يمكن أن نستغل مراكز الشباب المنتشرة فى القرى لاستخدامها فى تخفيف الكثافة. وكان من بين الحلول التى قدمت للحكومة الحالية ولحكومات سابقة حل عبقرى. هذا الحل هو استخدام المبانى الحكومية غير المستغلة - وما أكثرها - فى توفير أماكن للتلاميذ. أو فى العمارات الحكومية يمكن أن تتحول لفصول دراسية، أما الألعاب والهوايات ففى مراكز الشباب أو قصور الثقافة غير المستغلة. بل إن بناء المدارس فى الدول الفقيرة يتطلب أفكارا إبداعية لتقليل تكلفة بناء المدارس. فى بعض الحالات يمكن الاكتفاء بعدة فصول دراسية فقط فى كل قرية.وكل الأنشطة يتم ممارستها فى قصر الثقافة أو مراكز الشباب، وبذلك تنخفض تكلفة بناء المدارس. وقد عرفت مصر تجربة مدرسة الفصل الواحد من خلال مبادرة سوزان مبارك لتعليم الفتيات فى القرى البعيدة النائية. والتجربة كانت جيدة وتحل مشكلة تكلفة بناء مدرسة، ولا يجب أن تتوقف هذه المدارس لمجرد ارتباطها باسم سوزان مبارك أو عصر مبارك. هناك أيضا تجربة مدارس مؤسسة «مصر الخير» النموذجية. فالحلول موجودة وممكن إنقاذ التعليم ببلاش أو بأموال تستطيع الموازنة توفيرها.


3- لعنة التابلت

لم تنجح وزارة التعليم حتى الآن فى توفير التابلت الذى وعدت به فى بداية العام. ثم تراجعت وقالت إنها ستوفر التابلت فى النصف الثانى من العام الدراسى لطلاب المرحلة الأولى الثانوية. وبالطبع تأخير التابلت أدى إلى هوجة وموجة من السخرية فى وسائل التواصل الاجتماعى.. دعك من التابلت فللخبراء رأى آخر.. وهو ضرورة الحفاظ على الاستعانة بالكتب الدراسية فى بعض المواد مع استعمال التابلت فى الامتحانات والتدريبات.ولكن يجب أن يتغير مفهومها للكتاب المدرسى. وأن يتحول الكتاب إلى مراجع يستخدمها الطالب طوال العام ثم يعيدها للمدرسة. ويستفيد منها طلاب سنه دراسية بل سنوات دراسية متعددة مثل معظم أنحاء العالم. لأن القراءة على التابلت لا تؤدى إلى تثبيث المعلومة لدى الطلاب. وفى الغالب معظم الطلاب الذين سيحصلون على التابلت سيقومون بطبع المواد الدراسية لاستذكارها. وخلافا لمعتقدات أو آراء أو نظام الوزير طارق شوقى، فإن معظم أنظمة التعليم المتقدمة فى الدول الأوروبية المتحضرة تقوم على المراجع الدراسية وليس المواد الإلكترونية فقط.والتابلت سواء تم توزيعه الآن أم تأخر فهو جانب أو حلقة من حلقات تطوير التعليم. أو بالأحرى إنقاذ التعليم.. مثلها مثل محتوى المواد الدراسية ودور المعلم وطريقة التدريس.كل ذلك حلقات متصلة فى عملية إنقاذ التعليم. ولكن السد المنيع الذى يمثل عائقا أمام إنقاذ التعليم وهو كثافة الفصول.. وهذا السد لم يقترب منه لا الوزير ولا حكومته.. فى انتظار أن تمطر السماء 100 مليار جنيه..وهذا وضع لا يمكن السكوت عليه لأنه سيؤدى إلى كارثة تعليمية.. انتهبوا أيها السادة.