محمد مسعود يكتب: رحلة البحث عن عبدالرحمن حافظ؟

مقالات الرأي



منذ وقت ليس بعيدا، تولى المهندس عبدالرحمن حافظ، منصب رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامى، منتقلا من منصبه كرئيس لاتحاد الإذاعة والتليفزيون المصرى، إلى الكيان الوليد، الذى سلمته شركتا "سكانسكا، وسونى" على المفتاح، مقابل مليارى جنيه، فى عهد صفوت الشريف وزير الإعلام الأسبق.

وفى غضون سنوات قليلة، أصبحت مدينة الإنتاج الإعلامى، أو "هوليوود الشرق"، منبرا للإنتاج الدرامى المصرى، وللحق كان عبدالرحمن حافظ مكوكا لا يهدأ.. سفريات وتعاقدات.. تربيطات مع دول عربية، ما أدى لاحتلال الدراما المصرية صدارة السوق العربى دون منافس أو منازع، والحفاظ على تواجد - بل وتأكيد تواجد - اللهجة المصرية داخل بيوت العرب من المحيط إلى الخليج.. وقتها لم تستطع الدراما السورية منافستنا، ولم يكن هناك داع لاستيراد دراما تركية أو مكسيكية أو هندية.

كانت مدينة الإنتاج الإعلامى فى عهد حافظ، تحقق الاكتفاء الذاتى من الإنتاج الدرامى للوطن العربى بأكمله، عن طريق إنتاج ما يقرب من 30 مسلسلا فى العام الواحد، نعم الرقم صحيح، 30 مسلسلا، بخلاف إنتاج كيانات أخرى مثل قطاع الإنتاج وشركة صوت القاهرة.

كان سوقا منتعشا، الجميع يعمل، منتجون وكتاب ومخرجون، وعمال وفنيون، وكانت استديوهات التصوير كاملة العدد، طوال العام، قبل أن تهل علينا موجة العنف والإسفاف والأعمال الخاوية الخالية من أى قيمة تذكر، لا تبنى أو تعزز فكر إنسان، ولا تنجح فى بناء مجتمع، إلا القليل جدا منها.

ولأن العمل كان كثيرا، ورأس المال كان كبيرا، حامت الشبهات حول عبدالرحمن حافظ، الذى أصبح فى مرمى الشك، وعلى ذمة الظنون، وقام كاتب هذه السطور، بعمل حملة صحفية، أدت نتيجتها – ونتيجة لجهود زملاء آخرين - إلى خروج عبدالرحمن حافظ من مدينة الإنتاج الإعلامى متهما فى عام 2005، بتهم برأته المحكمة منها جميعا فيما بعد.

دفع عبدالرحمن حافظ فاتورة صراع البيزنس كاملة بمفرده، فاتورته الشخصية، وفاتورة أخطاء وتدخلات وممارسات ومجاملات صفوت الشريف، وبعض الرجال الأقوياء فى عهد مبارك، لكن كان صفوت الشريف هو الآمر الناهى، والشخص المرعب الذى يحرك الأحداث من خلف ستار عازل، وقرر التضحية بأهم رجاله إنقاذا لموقفه وحفاظا على موقعه، وبمجرد سقوط حافظ، رفع صفوت يده عنه وتركه يسقط وحيدا.

وانقطعت أخبار عبدالرحمن حافظ الذى اختفى تماما، واعتبره الكثيرون نسيا منسيا، قال البعض إنه هاجر، وقيل أن حالته الصحية متأخرة، وأنه قرر الانزواء تنفيذا لحكم الحياة وسيناريو القدر، بعد القبض عليه ثم تبرئته.

فى عهد عبدالرحمن حافظ لم يجرؤ نجم على رفع أجره بهذا الشكل المفزع، وكانت العملية الدرامية تدار بموازين صحيحة تبدأ من اختيار النص ثم إسناده إلى مخرج يناسبه قبل عمل "الكاستينج" توزيع الأدوار على النجوم، وبرحيله فقدت مدينة الإنتاج الإعلامى رونقها وقوتها وسطوتها الدرامية، وتحولت إلى مجرد استوديوهات مؤجرة لا تشفى ولا تسمن من جوع.. وجاء بعده أشخاص وضعوا الخوف مكان الموهبة، وخشوا التوقيع على أى أوراق أو ميزانيات، ليسكن الموت مدينة كانت تعج بالحياة.

الآن.. وقد وصل الحال بالكيانات الإنتاجية الحكومية إلى شاطئ الخراب، استدعت ذاكرتى عبدالرحمن حافظ، أين هو؟، وماذا يفعل؟، وهل كان جلادا أم ضحية؟، ماذا لو كان على مقعد رئاسة مدينة الإنتاج الإعلامى الآن؟، هل لديه أفكار لحل أزمات الدراما المصرية؟، وهل لو كان موجودا وبصحة جيدة يمكن أن تسند له الدولة أيه مسئوليات جديدة كونه بريئا بحكم محكمة؟.

وبعد عشرات الأسئلة، علمت أن المهندس عبدالرحمن حافظ يقيم فى مصر، ينعم بحالة من الهدوء والاستقرار بصحبة أسرته، لا يخرج من منزله إلا قليلا، ليجلس بصحبة المنتج عماد عبدالله فى النادى الأهلى بفرع الجزيرة، وعلمت أيضا أنه يملك عشرات الحلول لمواجهة سوق الدراما وإنعاش كيانات الإنتاج الحكومية.

والسؤال: هل يعود عبدالرحمن حافظ رئيسا لمدينة الإنتاج الإعلامى ليرد لها الروح.. أم يصبح مستشارا لإحدى الكيانات الإعلامية التى تشرف عليها الدولة مثلا.. أم يبقى فى منزله دون الاستفادة من خبراته غير المحدودة؟.

هذا هو السؤال.. وعلى الأيام الإجابة.