طارق الشناوي يكتب: فلفل وفلافل وفيلم!

الفجر الفني

بوابة الفجر


المهرجانات ليست عروضاً فنية فقط، كثيراً ما نجد ظلالاً على الصورة تمنح الحدث الفنى بُعداً آخر ومذاقاً مختلفاً، الخيال نرصده على الشاشة، والواقع نعايشه فى الحياة، هذه المرة قررت أن أخرج بعيدا عن الصف لأقتنص لمحات من الشارع.

(مالمو) عتز بكونها (مالمو)، العديد من المحال يتصدرها اسم المدينة باعتباره يكفى للدلالة على أهمية ما تُقدمه للناس، من ملابس ومأكولات ولعب.. وغيرها.

العروض السينمائية فى المهرجان ممتدة إلى ما بعد منتصف الليل، إلا أنه بمجرد أن تتعانق عقارب الساعة معلنة العاشرة مساء، لا تملك سوى أن ترفع شعار الاستقلال التام عن الريجيم أو الموت الزؤام للرجيم. أنا واحد من هؤلاء الذين يشعرون بضعف شديد عندما تعرف الطريق إلى أنوفهم رائحة الفلافل (الطعمية)، والتى صارت واحدة من معالم المهرجان، معلنة عن حضورها الطاغى يوميا، بعد انتهاء عرض فيلم الثامنة مساء، ولا تنسى (الشىء لزوم الشىء)، أقصد الفلفل الحراق وأخواته من طحينة وبابا غنوج وطرشى وخلافه، رغم أنى أرفض خيانة الفلافل بأى شىء. طابور ممتد ينتظر كل منا أن يحصل على نصيبه من تلك الغنيمة، تختلف وتتعدد اللغات واللهجات، بينما اتفقوا جميعا على عشقها، أقصد طبعا الفلافل، وهكذا تستطيع مع الاعتذار لإحسان عبدالقدوس وروايته الشهيرة (إمبراطورية ميم) أن تُطلق على هذا الحدث (إمبراطورية فاء) فيلم وفلفل وفلافل، ولك قطعا الحرية فى أن تعيد ترتيب العنوان.

فى مدخل صالة سينما (بانورا)، المركز الرئيس للفعاليات، تستمع إلى مطرب يصاحبه عازف عود، يبدو من لهجته أنه سورى ويردد كل الأغنيات من موشح (قدك المياس يا عمرى) إلى (ودارت الأيام) و(فكرونى) و(أنساك) لأم كلثوم و(بفكر فى اللى ناسينى) لمحمد عبدالوهاب، وكأننا فى مهرجان للغناء العربى الكلاسيكى.

لم يغفل المهرجان أيضا المدارس، يُقدم عروضا خاصة للطلبة، مثل الفيلم الإماراتى (عمورى)، والأردنى (مسافر حلب إسطنبول).

لمصر النصيب الأكبر من الأفلام والضيوف، وكانت فرصة أيضا لاكتشاف عماد بيومى المصرى الذى جاء قبل 30 عاما للسويد، ثم اخترع رغيف عيش يمزج ما بين المذاقين المصرى والسويدى، بدأ بنحو 400 كرونة حوالى 1000 جنيه مصرى، ثم صار واحدا من أصحاب الملايين، وكرّمه قبل 5 سنوات ملك السويد كارل جوستاف السادس عشر، لأنه طبقا لشروط الجائزة اخترع شيئا أفاد الوطن، أطلق على محال المخابز المنتشرة فى كل أنحاء السويد اسم (رغيف الأهرامات)، يقدمه بثلاثة مذاقات وأشكال، تتنافس فى جمالها.

هذا الرجل أصوله من محافظة المنوفية، من عائلة عريقة فى صناعة الخبز، تغير مسار حياته فى لحظة فارقة عندما قرر العودة لمصر بعد أن ضاقت به سبل الحياة، وأثناء تجواله فى الشارع وهو يفكر كيف يوفر ثمن تذاكر الطيران له ولزوجته، لاحظ توافر أكياس الدقيق عند الباعة، وصنع أرغفة باعها بخمسة أضعاف التكلفة، وكتب ولحن أغنية بالسويدى (أنا عيش السعادة من سيأكلنى سيصبح سعيدا)، وبعد نجاح مشروعه قرر الاستقرار فى وطنه الثانى السويد، ويأتى لوطنه الأول فى الإجازات.

لم تكن لى معلومات سابقة عن هذا الرجل ولا عن رغيفه إلا بعد أن التقيت سفيرنا الدءوب علاء حجازى، الذى تواجد فى المهرجان مشاركا فى تكريم السينما المصرية التى كانت هى عنوان هذه الدورة، فاكتشفت أن الرغيف المصرى هو أيضا العنوان فى السويد، يا حبذا لو كان الغموس (فلافل)!!.