انفردت بنشر اعترافات شاب جند عشرة آلاف إرهابى ولم يدخل السجن!.. صفحات من مذكرات عادل حمودة (36)

العدد الأسبوعي

الكاتب الصحفي عادل
الكاتب الصحفي عادل حمودة


الاعترافات كانت فى حوار تليفزيونى اختلفت الداخلية مع صفوت الشريف بسببه فجمد إذاعته

ما إن نشرت الاعترافات فى روزاليوسف حتى أمر مبارك بعرض الفيديو على شاشة التليفزيون فور


الإخوان كانوا يشجبون العمليات العسكرية وفى الوقت نفسه ينفقون على أسر الإرهابيين المسجونين عمر عبد الرحمن تزوج مدرسة لغة إنجليزية وهو فى السجن وعاشرها وهو فى السجن


تكشف قضايا تكفير وتهديد المثقفين والسياسيين والمبدعين فى مصر عن حقيقة لا تجد من يستوعبها فى فترات الحرب على الإرهاب غالبا.

حقيقة يمكن التعبير عنها فى كلمات قليلة: المواجهة الأمنية وحدها لا تكفى.

فى اللحظة التى يقتل أو يعدم فيها إرهابى يولد آخر يدفعون به إلى ساحات المعارك بغسيل مخ متقن يستند إلى مناهج دينية مختارة بعناية حرفت فيها النصوص المقدسة عن مسارها بما يخدم تنظيمات القتل بلا وعى.

إن من يمسك ببندقية ويقتل ويمسك بقنبلة ويفجر هو حلقة أخيرة فى سلسلة طويلة ومعقدة تبدأ بالتجنيد وتنتهى بالتدمير.

إن قتل مليون إرهابى لن يقضى على الإرهاب ما لم نتخلص من الفيروس الذى يزرع فى عقول شابة لا تعرف من ثقافة الدين إلا ما تيسر.. تستغل طاقة أصحابها البدنية وظروفهم الاجتماعية فى دفعهم إلى تفجير أنفسهم بأحزمة ناسفة وهم سعداء.. منشرحى الصدر.

بحثت وقرأت وكتبت ونشرت كثيرا عن ظاهرة الإرهاب المزمنة التى تتوالد بخبث مثل خلايا سرطانية منفلتة فلم أجد أفضل من شريط فيديو مدته 150 دقيقة سجله التليفزيون الحكومى فى شتاء عام 1993.

اسمه عادل عبد الباقى.. ولد فى 9 إبريل 1961.. نجح طوال 17 سنة من العمل السرى فى تجنيد عشرة آلاف شاب للتنظيمات الإرهابية المسلحة وعندما استيقظ ضميره قرر أن يكفر عن ذنوبه بالكشف عن الخبايا التى عاشها فى حوار مع اثنين من نجوم ماسبيرو فى ذلك الوقت هما محمود سلطان وفاطمة فؤاد.

كيف يختارون الأعضاء؟.. ما الكتب التى يدرسونها؟.. لم يكفرون النظام الحاكم؟.. كيف يمولون عملياتهم؟.. لم يستخدمون أسلحة الجنود وذهب الأقباط؟.. ولم غاب الشيوخ عن المواجهة وتركوا كتب التطرف توزع علنا وتقرأ على الإنترنت دون أن يجهدوا أنفسهم بالرد عليها؟.

ولكن الغريب أن كنز الخبرة الذى فتح مغارته عادل عبد الباقى ظل حبيس شريط فيديو دون أن يفكر أحد فى عرضه على المصريين للاستفادة منه.

كان هناك صراع خفى بين رؤوف المناوى مسئول العلاقات العامة فى وزارة الداخلية ووزير الإعلام صفوت الشريف.. كان المناوى قد أنشأ ما أسماه مركز الإعلام الأمنى ونجح بمصروفاته السرية فى تقريب أعداد مؤثرة من الصحفيين والفنانين والشعراء وشهدت على ذلك دعوات الاستاكوزا فى مطاعم أسماك شبرا بجانب هدايا مغرية.

وبنجاح المناوى تضاعف طموحه فى أن يطيح بالشريف ويحتل مكانه وشجعه على ذلك فيما بعد رغبة الدكتور كمال الجنزورى فى التخلص من الشريف.

وجاء المناوى بالإرهابى التائب عبد الباقى وجاء الشريف بالكاميرات والمحاورين، وعندما انتهى التسجيل تنازع الاثنان أيهما أحق بالشريط فكان أن حبسه الشريف فى الأرشيف دون الاستفادة منه.

وعرفت بأمر الشريط من مراسلنا فى ماسبيرو نبيل أبو زيد الذى نجح فى الحصول على نسخة منه نال بسببها مكافأة مغرية على ضربته الصحفية.

وقررت نشر الحوار رغم تحذيرات قانونية لكننى اعترضت قائلا: سأنشر الحوار مهما كانت العقبات والعقوبات.

دون حذف أو تلخيص نشرت فى 26 مارس 1993 اعترافات عبد الباقى وما إن قرأ مبارك الحوار حتى طلب من الشريف بث الشريط متعجبا من إخفائه وقد كان.

وأحدث الشريط ردود أفعال إيجابية لم يتوقعها أحد فأعيد البث أكثر من مرة ساهمت بالقطع فى انكماش الإرهاب الذى استشرى فى تلك الفترة.

ولا تزال الروشتة التى وصفها عبد الباقى تصلح لعلاج ظاهرة الإرهاب الذى تكررت موجاته بأسلوب أكثر شراسة بعد أن تولى الإخوان الحكم فى عام 2013.

نشأ عبد الباقى فى أسرة متواضعة تعيش فى الفيوم يعولها أب عامل لا يكفى دخله لتربية سبعة أبناء.

كنت طالبا متفوقا فى الصف الثانى الثانوى مميزا بين زملائى أهتم بالنشاط الرياضى والفنى وفى صيف عام 1977 التحقت بصالة ألعاب تتبع جمعية خيرية إسلامية يرأسها الشيخ عمر الرحمن مفتى تنظيم الجهاد.

كان يدرب عبد الباقى طالب فى المعهد العالى للتربية الرياضية اسمه عماد خليفة نجح فى تجنيده وأخذه معه إلى مساجد الجماعة الإسلامية فى القاهرة ومنها مسجد فاطمة الزهراء فى الساحل وهناك أمدوه بالكتب التى تدخل على العقول الفارغة فتحشوها بأسس فكر أبو الأعلى المودودى الذى يكفر المجتمع والنظم.

أذكر أول كتاب قرأته كان كتاب المودودى المصطلحات الأربعة الذى يتحدث عن الأصول الأربعة التى على المسلم صيانتها ومنها الجهاد وبعد أن حفظته أصبح عندى يقين بأننا لا نعيش فى مجتمع إسلامى وإنما فى مجتمع كافر يحكمه نظام كافر وجب علينا قتالهما بالقوة مهما كانت الضحايا.

ولكن الكتاب الأخطر كان كتاب سيد قطب معالم فى الطريق وكان هناك كتاب ثالث هو الحكم الجدير بالإذاعة لابن رجب الحنبلى الذى استخدم مدخلا لفتاوى تبيح نهب واستحلال غير المسلمين بدعوى أن الله أباح للنبى سليمان عرش بلقيس.

تستند الفتاوى إلى حديث للنبى (صلى الله عليه وسلم) يقول: بعثت بالسيف بين يدى الساعة وجعل رزقى تحت ظل رمحى وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري.

ومحصلة تفسير الحديث كما يقول الكتاب: إن الله خلق المال لكى يستعين به المسلمون على طاعة الله فإذا أخذ المشركون هذا المال واستعانوا به على معصية الله وجب على المسلمين سلبه منهم ليردوه إلى أصحابه الأصليين.

بتلك الكتب محدودة العدد وخطيرة النص أصبح عبد الباقى صدق أو لا تصدق مفكرا جهاديًا قادرا على تجنيد وتوجيه رؤوس العمليات العسكرية مثل خميس مسلم وعصام القمرى ومحمد سعد وهى عناصر برزت فى جرائم السطو على محلات الذهب المملوكة للأقباط والاعتداء على رجال الشرطة والسعى إلى اغتيال الوزراء والكتاب والمفكرين.

س: هل عجزت المدرسة فى ذلك الوقت عن حمايتك من الأفكار الخاطئة؟.

ج: فى هذا الوقت شعرت أن الدين فى المسجد وأن ما نعرفه فى المدرسة لا يشبعنى دينيا فى سن المراهقة.

س: وأسرتك؟.

ج: كان كل همها أن أحافظ على الدراسة ورغم أن والدى كان يقرأ ويكتب إلا أنه لم يتدخل فى أمورى الخاصة.

بدأ عبد الباقى يقرأ الكتب التى تتناول موضوعات الإله والرب والدين والعبادة وحسب ما أضاف فإن خلاصة الأمر:

إننى خرجت من الكتب بأن الدين المتعارف عليه بين الناس غير الدين الذى تتحدث عنه هذه الكتب التى غيرت كيانى كله وكل ما كنت أتصوره من قبل وضعت مكانه تصورا بديلا له تماما.

سكنت رؤية عبد الباقى عند حدود الشرك بالمجتمع غير الإسلامى الذى يعيش فيه وآمن بتغييره بالقوة هو والنظام الكافر فوقه.

وبدأ عبد الباقى ينقل إلى الشباب فى الفيوم ما خرج به من هذه الكتب التى لا تزال متداولة على شبكات الإنترنت ونجح فى تكوين خلايا راحت تتكاثر مثل السرطان.

س: هل يمكن لأى شخص يقرأ كتابين أن يتحول إلى داعية؟

ج: فى الحقيقة كنا نقرأ ولا نجد أحدا يصحح لنا المفاهيم وفى الوقت نفسه انغلقنا على أنفسنا واعتبرنا أى داعية من خارجنا جزءًا من النظام وأعطيناه ظهرنا.

فى حملات اعتقالات 5 سبتمبر 1981 وجد عبد الباقى نفسه فى السجن فى زنزانة واحدة مع شوقى الشيخ مؤسس جماعة الشوقيين وعبد الله السماوى الذى أسس كثيرا من التنظيمات المتطرفة وكان أتباعه يسرقون السيارات ويبيعونها قطع غيار ولجأ إلى خالد الإسلامبولى طالبا منه النصيحة قبل أن يقدم على اغتيال السادات.

قبض على عبد الباقى بعد أن حرض على قتل المسيحيين واستحلال أموالهم وتفجير كنائسهم ولكنه عندما دخل السجن وجد الكثير من الأفكار الخاطئة فى انتظاره كى يتعلمها ويصدقها ويؤمن بها وينفذ وصاياها.

إن نظام السجون الذى يضع أنصار الجريمة الواحدة فى مكان واحد نظام فى حاجة إلى مراجعة فهو يخلق لكل جريمة مدرسة يعلم فيها أصحاب الخبرة المبتدئين ويدربهم ويختار منهم قيادات غير مكشوفة بجانب التوصل إلى أساليب جديدة من العمليات تفاجئ الأمن.

وغالبا ما تكون سنوات السجن نوعا من تثبيت العقائد الخاطئة وفرصة لسد الثغرات فى التنظيمات القائمة وكأنها سنوات دراسات عليا للإرهاب فقد أضيف فيها إلى الكتب الثلاثة السابقة فتاوى ابن تيمية وأصبح عبد الباقى الطالب الذى لم يحصل على الثانوية العامة فقيها ومفتيا لنحو 28 مجموعة.

تعلم عبد الباقى من السماوى خلال شهور الاعتقال أن المدارس والجامعات ووظائف الحكومة حرام فالنظام مثل الآلة لو أصبح شخص ترسا فيها فسوف يقويها والمطلوب تقويضه وانهياره وقد عرف عن السماوى أنه كان يصدر الشباب المتطرف لكل التنظيمات السرية فى مصر.

أكثر من ذلك بدأ عبد الباقى فى تكفير عائلته لدرجة أنه كان يرفض زيارات أمه له وهو فى السجن.

س: ولكن كيف تعيشون والعمل حرام؟

ج: كنت أشعر أن الإخوة أهلي.. فيه أموال نعيش منها.. ملابس وأكل وكتب وتنقلات ومصاريف زواج.. طبعا كنا ننفق من الذهب الذى نسرقه.. وكانت هناك مصادر أخرى.

س: ما هى هذه المصادر؟

ج: دعونى أقول شيئا عرفته باليقين.. رؤوس الجماعات هم المستفيدون سواء السماوى أو عمر عبد الرحمن أو رفاعى سرور أو قيادات الإخوان المسلمين الذين إذا ما حدث تفجير يصدرون بيانا فى الصحف للشجب.. هؤلاء بأنفسهم كانوا يدفعون لنا الفلوس.. وكنت مرة عند رفاعى سرور الذى يعتبر المرجع الأصلى لجماعات الجهاد فى مصر وفوجئت بأن محاميا من الإخوان يحتل منصبا نقابيا أعطاه شيكا بألف جنيه لينفق منها على الأخوة المعتقلين وفى مرة أخرى ذهبت إلى صاحب شركة مقاولات فى مصر الجديدة اسمه أ. ع. فأعطانى ألفى جنيه استعين بها على طاعة الله وهو يعرف تماما إننى من جماعات التكفير.. هذا الرجل نفسه كان يوزع الأظرف المعبأة بالمال على أسر المعتقلين.

بتأهيله فى السجن أصبح عبد الباقى مسئولا عن غسيل مخ الأعضاء الجدد وكان قادرا على ضم عشرات الشباب شهريا إلى التنظيمات المختلفة.. يدفعهم إلى القتل دون أن يلوث يديه بالدماء ودون أن يقدم فى جناية وهو ما ضاعف من خطورته.. المحرض هنا أشد خطورته من المنفذ خاصة إذا ما نجح فى تجنيد عشرة آلاف مقاتل.. الفكر أول الطريق إلى الرصاص.

وحسب ما أضاف عبد الباقي: كنا نذهب إلى مناطق معينة بها شباب مهيأ لقبول الدعوة ويتميز بالجهل ولا يملك خلفية شرعية أو دينية.. كانوا يقتنعون بسهولة.. ويصدقون بلا تردد.. وبدأنا بصيادين فى بحيرة قارون وأعلناها منطقة مغلقة وقررنا إطلاق النار على كل من يدخلها فلم يقترب منها أحد من الدعاة الرسميين فهم موظفون يأكلون عيشهم من الدين.

وكثيرا ما نجحنا مع جماعات من الصغار أقنعناهم بترك بيوتهم وبلادهم ومدارسهم وكلياتهم ليتبعونا ووجدوا فينا ما يغرى بتقليده.

وتضخم شعور عبد الباقى بذاته إلى حد تكفير عمر عبد الرحمن شخصيا، ورغم ذلك استخدم اسمه فى تجنيد أتباعه قبل أن يكتشف الشيخ الضرير ذلك.

س: لم تكره عمر عبد الرحمن؟

ج: كنت معه فى مستشفى ليمان طرة لمدة شهرين ووجدته يسلك مسلكا يستحى اللسان ذكره.. كانت زوجته مدرسة لغة إنجليزية.. تعلمت على يدها فى المدرسة الثانوية.. فوجئت به يتزوجها وهو فى السجن.. وعاشرها وهو فى السجن.. كان امرا مستغربا بيننا.. أتباعه يصنعون له من البطاطين ساترا تدخل إليه زوجته.. كنت صغيرا.. وأحسست أن هذا الأمر يتنافى مع إنسان عنده مروءة.

ثم إننى كنت أسأله فيرد بلا دليل ويقول لي: أنت عيل صغير ولن تفهم الدليل.. كان أتباعه يصدقون كل ما يقول بلا نقاش.. لدرجة أننى فوجئت به فى السجن يأمرهم بصيام يوم للتكفير عن قتل الضباط والجنود خطأ فى أحداث يوم 8 أكتوبر عام 1981 فى أسيوط.. وكأن أرواح الناس لعبة.. إنه مفتون بالزعامة.. يحكمه هوى وليس دينا.. به صفات من صفات الشيعة.. منها إثبات العصمة لنفسه دون حجة على التكليف.

ولكن عمر عبد الرحمن فى الحقيقة كان فى حياته الخاصة أفضل من غيره فعلى الأقل تزوج شرعا على خلاف قيادات أخرى استباحت لنفسها ما حرمه الله.

س: كيف؟

ج: تركت الفيوم على توبة من السرقة وسافرت إلى المنصورة والشرقية وعشت عند زملاء عرفتهم فى السجون وفوجئت بأننى أعامل معاملة خاصة تجعلنى أحل مشاكلي.. كان هناك أميران: نسيم التابعى الذى ترك الدراسة فى كلية العلوم وعصام الضو الذى لم يحصل على شهادة متوسطة.. وكنا نحن الثلاثة نقضى فى مسائل الجماعات المنتشرة فى الوجه البحري.

لاحظنا وجود حاجات غريبة.. ممكن أى واحدة تختلف مع زوجها لو فكر فى إلحاق أطفاله بالتعليم.. التعليم كان جريمة لا تغتفر.. خاصة فى مدارس النظام الذى نعتبره كافرا.. رافضا لشرع الله.. لو واحد فكر فى إلحاق أطفاله بمدرسة مختلفا مع زوجته فى ذلك كنا نعقد جلسة صلح.. ونعتبر الزوج كافرا.. ونفرق بينه وبين زوجته.. وبناء عليه هناك سيدات متزوجات وهن على ذمة أزواجهن الأولين وهى حالات شاذة لم ندرك أنها كارثة دينية مخالفة للشرع ومصيبة اجتماعية تختلط فيها الأنساب إلا بعد فوات الأوان.

س: هل لديك أمثلة على ذلك؟.

ج: أكيد.

س: هل تذكر لنا بعضا منها؟.

أكيد.

وذكر عبد الباقى أمثلة يستحيل لعقل أو ضمير إنسان متدين أو كافر قبولها وتنافى الفطرة البشرية ولكن تفاصيلها المذهلة تستحق الانتظار.