منال لاشين تكتب: جلال أمين الاقتصادي الذى انقلب على نظريات الاقتصاد

مقالات الرأي



وداعًا للمفكر والإنسان


قبل رحيل مبارك عن الحكم ودع الدكتور جلال أمين المهنة أو بالأحرى العشق الذى لم يبارحه وهو التدريس، وكنا فى أتوبيس رحلات حين حكى لى هذه الحكاية، قال: أثناء إحدى المحاضرات سألنى طالب سؤالا فلم استطع سماعه ومن ساعتها قررت التوقف عن التدريس، وكان حزينا لأنه يعشق التدريس ولقاء الشباب، فقلت له: يادكتور فى واحد بيحكم مصر بقى له 15 سنة سمعه ثقيل ولا ساب الحكم ولا حاسس إنه عبء، فضحك كثيرا لهذه النكتة، ولكن فى عينيه ظل الحزن مخيما على نظراته.

ولاشك أن قراره أحزن تلاميذه أضعاف حزن الدكتور جلال أمين، فهو أستاذ لا يمكن مقاومة سحره و طريقته النقدية فى تدريس الاقتصاد، اعتاد الدكتور جلال أن يبدأ محاضراته بهذه القصة، فعندما كان يدرس للحصول على الدكتوراة من بريطانيا عمل مساعدا (معيد) لأستاذة فى الاقتصاد، ولاحظ الدكتور جلال أنها لا تغير أبدا الأسئلة فى الامتحانات، فسألها جلال: إذا كنت لا تغيرين الاسئلة فمن السهل أن يعرفها الطلاب؟ فردت الدكتورة نحن لا نغير الأسئلة لأننا نغير الإجابات.

وكان الدكتور جلال أمين يحرض طلابه على التفكير النقدى وليس مجرد الحفظ أو الانبهار بمدارس الاقتصاد أو حتى بآرائه هو فى الاقتصاد.

وعلى الرغم من إسهاماته فى علم الاقتصاد وعلى الرغم من غزارة انتاجه الفكرى، على الرغم من هذا وذاك فإن الجمهور الواسع عرف جلال أمين من خلال كتابه (ماذا حدث للمصريين فى نصف قرن) وهو كتاب اجتماعى سياسى لا يخلو من الفكر الاقتصادى، وقد أدت لغته السهلة والسلسلة والجذابة إلى انتشار الكتاب بين جميع الأوساط وخاصة الشباب.

ولكن ثمة سببا آخر وراء انتشار الكتاب والهوس به، ففى كل حكايات وصفحات الكتاب بعضا من روحه وحبه للعدالة والإنسان، وهى صفات يفتقدها الكثير من الاقتصاديين الكبار، فقد أخذ الدكتور جلال أمين دون قصد وربما عن وعى فكرة أساسية فى كتابات الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين، وهى الكتابة للمواطن العادى أو الناس بالمعنى الواسع والاهتمام بهم، وهو ما ظهر فى كتاباته العديدة وعلى رأسها مذكراته.

رحم الله الدكتور جلال أمين