عادل حمودة يكتب: خطة تطوير الشركات العامة على مكتب الرئيس خلال أسابيع

مقالات الرأي



الخطة تتكلف 25 مليار جنيه وتمول ذاتيا وتسمح بمشاركة أجنبية فى صناعات متنوعة

لن تصفى سوى شركة واحدة خسرت مليار جنيه فى سنة واحدة

انتهى زمن الخصخصة سيئة السمعة على طريقة الحيتان والديناصورات وأسماك القرش

121 شركة تسيطر عليها 8 مجموعات قابضة انتهت حيرتها بين وزيرى الاستثمار وقطاع الأعمال

جزء كبير من متاعب الشركات عدم استقرار علاقتها بالحكومات والوزارات


يوم فرضت الخصخصة نفسها علينا عانت شمس الضمير من الكسوف خجلا من الفساد الذى حكم صفقات البيع والشراء.. وجعل الكلمة سيئة السمعة.. تستنفر غضبنا إذا ما سمعناها.

بيعت شركات عامة رابحة للأسمنت والحديد والأسمدة والموبايل وغيرها بأقل من قيمة الأراضى التى أنشئت عليها.. حققت لمشتريها ثروات فاحشة لم يحلموا بها.. تضاعفت أكثر من مرة عندما باعوها لشركات متعددة الجنسيات (مالتى ناشيونال) وتهربوا من ضرائب بمليارات الجنيهات بفتاوى اقتصادية مضللة، رغم أنهم كسبوا مليارات مضاعفة يصعب تحديدها.

ولم يعد غالبية الذين نهبوا مصر بالخصخصة استثمار ما جنوه على أرضها وإنما أخرجوا أموالهم إلى الخارج لينعشوا بها اقتصاديات أخرى قبل أن يدخلوا موسوعات الأكثر ثراء فى العالم من فوربس إلى جينس ريكورد.

والأكثر غرابة أننا لا نزال نعتبرهم نجوما فى حياتنا.. ننشر صورهم.. ونتابع أخبارهم.. ونصدق أوهامهم الملونة التى يشيد بها النجوم على شاشات الفضائيات مع أن مكانهم الوحيد هو زنزانة فى سجن طرة يمكنهم العيش فيها بـالأسموكنج وتناول الفواجراة والبان كيك على الإفطار وربما الشمبانيا أيضا.

لكنها براعة التضليل التى جعلت من الفاجر شيخا.. والقواد وليا.. والناهب رجل اقتصاد تنكمش بجانبه شهرة طلعت حرب وعزيز صدقى وأحمد عبود باشا معا.

فرضت التجربة المصرية صورة قبيحة للخصخصة فلم يجرؤ أحد على الاقتراب مما تبقى من شركات قطاع الأعمال لتطويرها وتحديثها وإعادة هيكلتها لزيادة أرباحها وتحديث ماكيناتها وتطوير إداراتها وتلافى خسائرها.

ما أن تأتى السيرة حتى يصاب الجميع بحساسية مزمنة خشية من تكرار ما كان رغم الظروف التى تغيرت ومساحة الوعى التى تضاعفت والأحكام الجنائية التى حبست وعاقبت.

بقى فى مصر 8 شركات قابضة تتبعها 121 شركة فى مجالات النقل البحرى والبرى والتأمين والأدوية والكيماويات والأدوية والصناعات المعدنية والغزل والنسيج والسياحة والفنادق والتشييد والتعمير تستوعب 214 ألف عامل بلغت أجورهم فى العام الماضى 15.5 مليار جنيه استقطعت من إيرادات وصلت إلى 88.4 مليار جنيه.. وحققت الشركات ربحا صافيا يزيد قليلا عن سبعة مليارات جنيه.

والمؤكد أن هذه الأرقام أعلى من أرقام العام السابق.. ولكن.. هل كانت الزيادة بسبب نشاط أكبر أم بسبب التضخم الناتج عن تعويم الجنيه؟

وهناك بالقطع شركات خاسرة تعيش عالة على الشركات الرابحة وتشدها إلى الوراء.. ولكن.. حتى الشركات الرابحة لا تحقق عائدا يتناسب مع قيمتها السوقية الحالية.. وهو ما يضعف من فرص ضخ استثمارات جديدة فى شرايينها بتمويل ذاتى منها.

والحقيقة أن جزءا كبيرا من متاعب هذه الشركات سببه عدم استقرار السلطة الوزارية المسئولة عنها.. مرة تستقل تحت سلطة وزير قطاع الأعمال.. ومرة يشرف عليها وزير الاستثمار.. ولكنها.. منذ العام قبل الماضى عادت إلى وزير قطاع الأعمال.. لتنتهى حالة اليتم والتشرد والإهمال التى عاشتها من قبل.

والحقيقة الأهم أن هناك خطة إنقاذ لهذه الشركات وضعها بيت الخبرة الأمريكى ورنر واستغرق إعدادها ثلاث سنوات ولكن لا وزير واحد جرؤ على تطبيقها خشية تهديدات النقابات العمالية بالإضراب إذا ما اقترب أحد من ذلك الملف مما يفرض التفاهم معها وإقناعها بأن التطوير فى صالح من تمثلهم.

وأتصور أن الوزير الحالى يتفهم ذلك جيدا ولكن على النقابات المصابة بالخوف بلا مبرر من التصفية أن تتفاوض معه ليكون الحوار الصريح الشفاف بينها وبينه أساس الثقة والمساندة.. فلا النقابات ستقبل بصرف أرباح لشركات خاسرة تؤخذ من لحم الحى.. ولا الوزير سيضحى بحقوق أعضائها أو يجور عليها.

تولى هشام توفيق منصبه فى يونيو الماضى حاملا معه سيرة ذاتية مناسبة فى الاستثمار والتمويل اكتسبها من العمل فى بنك مصر إيران للتنمية والبنك العقارى والشركة العربية للاستثمارات البترولية فى السعودية وأدار كثيرا من المحافظ المالية وصناديق الاستثمار.

وبجانب خبرته فى البورصة والرقابة المالية غاص فى مشاكل الوزارة التى أصبح مسئولا عنها خلال عضويته السابقة فى شركات قابضة تتبعها.. فهو ليس غريبا عن الوزارة التى تولاها.. ولم يهبط عليها بالباراشوت.

وكان مؤهلا لكل ما تولى من مناصب لحصوله على ماجستير فى إدارة الأعمال من الجامعة الأمريكية فى القاهرة.

ولكن ما يجب وضع خط تحته أنه تعامل مع تكنولوجيا العصر عندما أسس ورأس شركة عربية أون لاين وشركة كايرو سوار للطاقة الشمسية.

إن الشركات الأكثر دخلا فى العالم أصبحت تعتمد على تكنولوجيا الاتصالات أكثر مما تعتمد على المبانى والماكينات والمواد الخام.. شركة جوجل للبحث على الإنترنت وصلت قيمة رأسمالها إلى 23 مليار دولار بينما لا يزيد عدد عمالها عن 20 ألفا فقط.. وشركة أمازون للتسوق عبر الإنترنت بدأت ببيع الكتب وتوسعت لتتاجر فى كل السلع الخفيفة والثقيلة ليصل عائدها السنوى إلى 135 مليار دولار.. وتمشى على الطريق ذاتها شركة نيتفلكس لتأجير الأعمال الفنية التى ينتجها الغير للمشاهدين حققت فى آخر عام 187 مليار دولار.

وربما تعدى طموح هشام توفيق تطوير الشركات القائمة إلى تكوين شركات عصرية تعتمد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

ولكن قبل أن ينفذ الوزير خطة الإنقاذ التى تحمس لتفعيلها فوجئ بقرار من وزارة المالية يمنع البنوك من تمويل شركات قطاع الأعمال إلا بعد الرجوع إليها بالرغم من أن الشركات الرابحة (74 شركة) أكبر من الشركات الخاسرة (48 شركة) وهو الذى أبلغ البنوك عنها كما أن الشركات الخاسرة قابلة للتطوير إلا شركة واحدة هى القومية للأسمنت سوف تصفى وتسدد ما عليها من التزمات ببيع الأراضى التى أنشئت عليها.

وكان لابد من الاتصال بوزير المالية محمد معيط وجمال نجم نائب محافظ البنك المركزى لحل الأزمة التى تسببت فيها القرارات الحكومية المتسرعة من جانب واحد دون الرجوع للأطراف الأخرى التى ستضار منها.

خلال الشهور الثلاثة الماضية شارك هشام توفيق مجالس إدارات الشركات القابضة فى تحليل موقف كل شركة تابعة على حدة لتحديد مراكز القوة وثغرات الضعف فيها بجانب دراسة فرص النجاح وتحديات الفشل حتى يمكن وضع استراتيجية واضحة محددة للطفو فوق الماء قبل القفز فى الهواء والتحليق فى السماء.

لوحظ وجود شركات خاسرة بسبب تقادم الماكينات وسوء الإدارة مما أدى إلى تراجع إنتاجها وزيادة ديونها وعددها 26 شركة تستولى على 90 % من جملة خسائر الشركات المتراجعة فى قطاعات الغزل والنسيج والصناعات المعدنية والكيماوية والأدوية.

فى الغزل والنسيج وحدهما 22 شركة بها 25 محلجا بعضها يعود إلى القرن قبل الماضى ستباع أراضى 13 محلجا منها وبثمنها سينفق على تحديث المحالج الباقية ليسترد الغزل المصرى سمعته التى استولت عليها سويسرا ولكن بعد دمج شركات ذلك القطاع فى عشرة كيانات يتمتع كل منها بكثير من التخصص مع إلغاء أقسام تصنيع الملابس الجاهزة بعد أن فقدت الذوق الذى يرضى أكثر المستهلكين بساطة.

أما الشركات التى تحقق أرباحا معقولة فسوف تطرح فى البورصة لتنشيط سوق المال وتوسيع قاعدة الملكية وتوفير السيولة اللازمة لتمويل التطوير وزيادة مشاركة القطاع الخاص فى مجالس الإدارات والاستفادة من خبرته فى تحطيم قيود البيروقراطية.

سيدخل فى بعض الشركات الصناعية مستثمر استراتيجى يمتلك خبرة حديثة «ولو أجنبية» لتطويرها.. مثل صناعة الإطارات.. وصناعة السيارات.

فى سموحة مصنع للإطارات لا ينتج سوى خمس مقاسات من 23 مقاسا يحتاجها السوق للسيارات والشاحنات والجرارات.. هنا يمكن بناء مصنع جديد فى العامرية بمشاركة خاصة مصرية أو أجنبية على أن تمول الحكومة حصتها من بيع أرض مصنع سموحة السكنية بينما يوفر المستثمر الرئيسى الماكينات ويمكن ترك الإدارة له خمس سنوات.

أما حكاية إنتاج سيارة مصرية خالصة فوهم يجب التخلص منه بعد التجربة الفاشلة لشركة النصر لصناعة للسيارات والصح البحث عن شريك آسيوى من كوريا الجنوبية مثلاً لإنتاج سيارة ركوب مناسبة بمواصفات تكنولوجية متطورة.

وهناك مجموعة ثالثة من الشركات تحقق أرباحا أقل من إمكانياتها.. تتركز فى قطاعات التأمين والسياحة والفنادق والتشييد والبناء.

من العار أن يكسب فندق خاص مثل شيراتون أو شتاينبرج أو سوفيتيل أكثر مما يكسب فندق تمتلكه الدولة مثل ريتز كارلتون وماريوت.. والعار الأشد أن يترك فندق مثل شيبرد المطل على النيل مغلقا.. ليتحول إلى مزرعة فئران وحشرات تنتشر فى الحى الراقى الذى أقيم فيه.

وفى زمن تتسابق فيه عشرات الشركات الخاصة على التشييد والبناء فى مدن مصر كلها نجد الشركات الحكومية التى تعمل فى تلك المجالات لا تحقق الأرباح المتوقعة منها.

تحتاج هذه الشركات إلى إعادة هيكلة واستغلال أمثل للأصول بصورة أفضل وساعتها ستحقق ما يناسبها من أرباح وهو ما يسعى إليه هشام توفيق.

وخلال فترة زمنية وجيزة سيقدم الوزير خطته إلى الرئيس وتتضمن تكلفة نحو 25 مليار جنيه ولكنها ستمول نفسها بنفسها.

لكن ما تخشاه الخطة أن تتسرع النقابات العمالية برفضها قبل أن تتروى فى قراءتها وقبل أن تتفاوض بشأنها.

إن الخطة تحتاج إلى عمالة أكثر ولكن لابد أن تكون مدربة ولن تغلق سوى شركة واحدة خاسرة هى القومية للأسمنت (مليار جنيه خسائر فى عام واحد) سيعوض عمالها بما يريحهم كما أن الخطة التى تهدف لتعظيم الربح ليعود على العمالة بمزيد من الدخل بدلا من الأرباح الوهمية التى كانت بعض الشركات تقترضها من البنوك.

ليؤمن جميع الأطراف أنهم فى مركب واحدة لن تعوم إذا ما قرر أحدهم إغراقها وليأخذ كل منهم نفسا قبل أن يتورط فى تصرف يندم عليه.

انتهى زمن الخصخصة سيئة السمعة على طريقة الحيتان والديناصورات وأسماك القرش، ولكن لا مبرر لاستمرار الشركات الخاسرة فما تنفقه بلا طائل ولا عائد تأخذه من لحم الحى الذى برز فيه العظم أكثر.