د. نصار عبدالله يكتب: عن الوزير الذى يواصل اقتراف جريمة!!

مقالات الرأي



أحد السادة الوزراء فى الوزارة الحالية مازال يواصل ارتكاب جريمة مكتملة الأركان، اقترفها للمرة الأولى فى تاريخ العدالة المصرية واحد من أسلافه فى نفس الوزارة منذ ما يقرب من تسع سنوات!... ليست نوعية الجريمة اجتهادا من جانبى، ولا هى رأى خاص بى، ولكنها فى العموم وبغض النظر عمن يرتكبها أو مستوى وظيفته حقيقة قانونية ثابتة أكدتها أحكام عديدة صادرة من محكمة النقض ومن المحكمة الإدارية العليا!، وكلتاهما تمثلان قمتى السلطة القضائية فى مصر اللتين لم يعد أحد فيما يبدو يعتد بما تقولانه عندما يتعلق الأمر بزيادة الموارد المالية للدولة، ....حتى لو كانت الزيادة حصادا لجريمة كالتى سوف نتحدث عنها بعد قليل!!. الجريمة المقصودة هى جريمة الغدر المنصوص عليها فى المادة 114 من قانون العقوبات والتى تنص على أن: «كل موظف عام له شأن فى تحصيل الضرائب أو الرسوم أو العوائد أو الغرامات أو نحوها، طلب أو أخذ ما ليس مستحقا، أو ما يزيد على المستحق مع علمه بذلك يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن»، أما الذى ارتكب هذه الجريمة على المستوى الوزارى لأول مرة، فقد كان وياللأسف، وياللمفارقة هو وزير العدل ذاته!!، والذى ظل من خلفوه فى مقعده الوزارى يواصلون اقترافها إلى يومنا هذا، ففى عام 2009 أصدر وزير العدل الكتاب الدورى رقم 2 لسنة 2009الذى نص على أن الرسوم القضائية بالنسبة لخاسر الدعوى تسوى على أساس قيمة الطلبات الواردة فى صحيفتها!، وذلك رغم أن قانون الرسوم القضائية ينص بوضوح لا لبس فيه على أن الرسوم تسوى فى جميع الأحوال على أساس ما يحكم به لا على أساس ما يطلب!!، ولما كان خاسر الدعوى لم يحكم له بأى مبلغ فإنه لا يستحق عليه من الرسوم أكثر مما سدده عند رفع الدعوى «ويكفيه هذا غرما!»، وهى حقيقة لا شك أن وزير العدل يعلمها «بصفته مستشارا على الأقل»، ولقد استقرت أحكام محكمة النقض والإدارية العليا على أنه لا عبرة بالدافع الذى يدفع موظفا عاما إلى طلب رسوم غير مستحقة، وحتى لو كان سيادته مشهودا له بالنزاهة التامة «وكل من شغلوا موقع وزارة العدل كانوا كذلك بالفعل» و حتى لو كان لا يستهدف إلا زيادة الإيرادات المالية للدولة وهو هدف نبيل بغير شك،.. حتى لوكان سيادته كذلك «وهو كذلك بالفعل»، فإن هذا لا يغير من وصفه كمرتكب لجريمة غدر مكتملة الأركان!!. السؤال الآن هو: لماذا لم يقدم وزير العدل الذى أصدر الكتاب الدورى رقم 2 لسنة 2009 إلى المحاكمة الجنائية لكى يلقى الجزاء المنصوص عليه قانونا؟، وهو الأمر الذى شجع من جاءوا بعده إلى مواصلة اقتراف الجريمة ذاتها بما فى ذلك وزير العدل الحالى الذى أظن أنه يشعر بينه وبين نفسه أنه آمن من المساءلة الجنائية وأن نبل مشاعره نحو زيادة إيرادات الدولة ولو بمال حرام، سوف يشفع له وقت اللزوم عند من يناط بهم تنفيذ القانون.. أما أغرب ما فى الأمر فهو أن الحكومة الحالية تمتلك الأغلبية فى البرلمان وهو السلطة الوحيدة التى تملك فرض رسوم أو ضرائب، وهو أيضا السلطة الوحيدة التى تملك تأثيم بعض الأفعال أو رفع التأثيم عنها، وبالتالى تنتفى عنها صفة الجريمة!!. أغرب ما فى الأمر أن الحكومة الحالية بما فيها وزير العدل الذى يواصل إلى الآن اقتراف جريمة الغدر، لم تحاول أن تلجأ إلى مجلس النواب الذى تحظى فيه بأغلبية ساحقة وذلك لكى تلغى التأثيم الواقع على الأفعال المنصوص عليها فى المادة 114 عقوبات ولو فى حالات معينة على الأقل، أو أن تحيط هذا التأثيم بضوابط معينة تعفى الموظف العام فى حالة انطباقها من العقوبة.. كأن تنص مثلا على أن المسئول الذى يطالب بما هو ليس مستحقا أو ما يزيد على المستحق ينبغى أن يكون من بين الذين يشغلون موقعا وظيفيا رفيعا يجمع بين الطابع السياسى والطابع الإدارى «كوظيفة الوزير أو ما يعادلها»، بشرط أن يكون الباعث لديه هو زيادة موارد الدولة دون أى هدف آخر، وأن تتم المطالبة بما يزيد عن المستحق فى حدود معينة وفى حالات محددة واردة على سبيل الحصر وليكن من بينها إذا رأى المجلس خسارة المدعى لدعواه، وفى الحالة الأخيرة فإن تسوية المطالبة يتعين أن تتم فى إطار معين من الضوابط التى يحدد فيها حد أدنى وحد أقصى طبقا لمعايير محددة وواضحة، ليس من المعقول ولا من العادل أن يكون من بينها قيمة الطلبات الواردة فى صحيفة الدعوى، حتى لا يحدث تعارض بين ما ينص عليه قانون الرسوم القضائية وبين التشريع الجديد الذى سوف ينظم حالات المطالبة بما هو غير مستحق أو ما يزيد على المستحق..لم تحاول الحكومة رغم ما تتمتع به من الأغلبية فى البرلمان، لم تحاول أن تفعل ذلك ولو من باب محاولة التطهر من وصمة لطخت جبينها،.. لم تحاول أن تفعل شيئا يتحول به الفعل اللامشروع إلى مشروع، ويتحول به المال الحرام ولو شكليا إلى حلال.