الكلمة لسينما الإنسان.. مرضى الجذام يتحدثون على أوتار "يوم الدين"

الفجر الفني

بوابة الفجر


تقول المخرجة "نينا لابوت" إن "كل شخص فى الدنيا لديه قصة ليرويها"، المخرج أبوبكر شوقي كان لديه هو الآخر قصة ملهمة أراد أن يرويها من خلال فيلمه الروائي "يوم الدين"، والذي خرج على نحو جيد وموفق لأبعد الحدود باعتبارها التجربة الأولى له، والتي كانت مشروع تخرجه من جامعة NYU Tisch في الولايات المتحدة الأمريكية.


رحلة العودة للجذور

لم يكن مرض الجذام هو ما يشغل المخرج الشاب، ولكن معاناة أصحاب المرض خصوصًا المتعافيين منه لكن آثار المرض لا تزال محفورة على مظهرهم الخارجي، من نبذ المجتمع ورفضه لهم، فعلى مدار ساعة ونصف يأخذنا "شوقي" في رحلة على الطريق انطلاقًا من مستعمرة الجذام بمحافطة البحيرة مرورًا ببني سويف وسوهاج ووصولًا لقنا الذي يرغب بطل الفيلم "بشاي" في الوصول لها حتى يتعرف على أهله وسر تركهم له في المستعمرة دون العودة إليه بعد شفائه، وذلك بعد مفارقة زوجته "إيريني" الحياة، وخوفه من الموت وحيدًا دون سؤال أحد عنه.


يصحب "بشاي" في رحلته حماره "حربي" وطفل نوبي يتيم يٌدعى "أوباما"، هرب من الملجأ الذي يأويه لتنمر الأطفال عليه، معًا جاب الثلاثة محافظات عدة، ذاقوا ويلات الطريق، من السرقة والسجن والتسول، لكنهم كانوا قادرين على تخطي كل الصعاب ما داموا معًا.


يستعرض الفيلم من خلال قصة بسيطة النبذ العنصري الذي يتعرض له كل من الطفل النوبي "أوباما" الذي يواجه تنمرًا من قرنائه بالملجأ، والمجذوم "بشاي" من المجتمع الخائف من أن تصيبه العدوى ويصبح مثله، ما جعل "أوباما" يضع له ستار بلاستيكي شفاف على قبعته حتى يمنع العالم من رؤية آثار المرض، ويتجلى جمال الفيلم في المشهد الذي يرقص فيه على أنغام "الولا ده الولا ولا مين الحلو ده كلنا كده حلوين".


رغم عنصرية أغلب الشخصيات التي قابلها البطلان في الفيلم والتي تصر على إتباع الحديث القائل "فر من المجذوم فرارك من الأسد"، إلا أن الفيلم لم يخلٌ من نماذج إيجابية تعاملت معهما من منظور إنساني بحت حتى ولو كانوا مجموعة من المتسولين الذين ساعدوهم في استكمال رحلتهم، مؤكدين على أنهم جميعًا سواسية أمام الله في يوم الدين.


رسالة إنسانية

استطاع المخرج أبوبكر شوقي من خلال قصة بسيطة كتبها بنفسه، واستغرقت تحضيرًا أكثر من خمس سنوات لترى النور، أن يقدم تجربة إنسانية بامتياز تستحق المشاهدة لما بٌذل فيها من مجهود، فاختياره أن يكون بطل العمل مجذومًا متعافيًا وليس ممثلًا محترفًا كان موفقًا للغاية خصوصًا مع عفوية "عم راضي"، بطل الفيلم، وخفة ظله، وكذلك الطفل أحمد عبدالحفيط الذي كان تمثيله تلقائيًا، وساعدهما على ذلك بساطة الحوار الذي توافق مع مستواهما التعليمي والفكري ما جعل الحوار إنسايبًا وطبيعيًا بصورة كبيرة.


لم يكتفِ أبوبكر شوقي بتسليط الضوء على معاناة مرضى الجذام في فيلمه، وإنما أراد تكريم بطل العمل بعرض الفيلم للمرة الأولى تجاريًا في مسقط رأسه بالمنيا أول أمس الأحد، كما شارك أبطال الفيلم في مهرجان الجونة السينمائي في دورته الثانية، وهو ما رسم حياةً جديدةً لبطل الفيلم الذي عانى كثيرًا في حياته لتبتسم له الحياة أخيرًا ويصبح نجمًا سينمائيًّا تتسابق الكاميرات على التقاط صوره وتسجيل حوارات معاه.


نجاحات نقدية وتمثيل عالمي

للقصص الإنسانية وقعها الخاص على المشاهد العادي الذي يتعاطف معاها وتظل ذكراها محفورة في ذاكرته إلى وقت بعيد، وبخلاف الجمهور العادي فإن النقاد لديهم معاييرهم الخاصة في الحكم على الأفلام جيدة الصنع، ومن حظ "يوم الدين" أنه على مشارف الجمع بين الحسنين، فالجمهور ملأ صالات العرض في الأيام الأولى من عرض الفيلم، كما أشاد بيه النقاد بعد عرضه في مهرجان الجونة، كما أنه نافس على جائزة السعفة الذهبية، وفاز بجائزة Francois chalais، في الدورة الحادية والسبعين من مهرجان كان السينمائي الدولي، إلى جانب مشاركته في عدد من المهرجانات العالمية أبرزها ملبورن السينمائي الدولي، كما سيشارك في مهرجان لندن السينمائي ومهرجان Mill Valley Film Festivalبالولايات المتحدة.


ويبقى إنجازه الأكبر حتى الآن هو اختياره لتمثيل مصر في جوائز الأوسكار ضمن فئة أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية، ولعل ما يعزز فرص نجاح الفيلم في الوصول للمرحلة النهائية في ترشيحات الأوسكار هو مشاركته في عدد من المهرجانات الدولية، ومناقشته قصة إنسانية عالمية ليست قاصرة على زمان أو مكان.


الفيلم من بطولة راضي جمال وأحمد عبد الحفيظ ومن إخراج وتأليف أبو بكر شوقي، وإنتاج شركة Desert Highway Pictures، وتٌنتج الفيلم دينا أمام بمشاركة المخرج أبوبكر شوقي، ويوزع الفيلم في العالم العربي شركة فيلم كلينك محمد حفظي.