جرس المدرسة ضرب.. رحلة أطفال الرصيف من الشقى إلى الدراسة

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


ما إن تشرق أشعة الشمس يرتدون ملابسهم الصغيرة التي تناسب أجسادهم النحيلة، محملين بأثقال، لينتهى بهما المطاف على رصيف الشقى، فلا يؤنس وحشتهم إلا أشعة الشمس التي سرعان ما تغادر وتتركهم بين الظلام.

رحلة شاقة اعتاد عليها بائعو الرصيف من الأطفال، فيتحملون على عاتقهم أثقال لا تناسب أعمارهم التي لا تكاد تتعدى العشر سنوات، ليأتى العام الدراسى وينتشلهم لبضع ساعات يوميًا من الشقى، ليعودوا إليه بعد يومهم الدراسي ويحتضن الرصيف مذاكرتهم لدروسهم.

فبينما قامت "ليالى" بالذهاب مع والدتها لشراء أول زي للمدارس، لتبدأ عامها الأول في المدرسة بعدما كانت تذهب إلى الحضانة، انتهى احتضانها للملابس الجديدة بصوت والدتها تيقظها من نومها للذهاب إلى بيع المناديل.

تجلس الطفلة ذات الست أعوام على سلالم مترو الأنفاق، وتضع المناديل أمامها وبجانبها علبة صغيرة تضع بها بأناملها التي تظهر بالكاد من الجلباب الذي تخفى به جسدها، بضع النقود بعدما يقوم أحد بشراء المناديل.

تخطف ضحكة الصغيرة ركاب مترو الأنفاق، فترد عليها فتاة ابتسامتها وتقوم آخرى بسؤالها عن اسمها، إلى أن تأتى لحظة الانطلاق وتنادى عليها والدتها من السلم الآخر لذات محطة مترو الأنفاق لتأخذها إلى المنزل قبل بداية يوم جديد.

تضع الفتاة أمام عينيها حلم أن تصبح دكتورة في المستقبل وتشفى جراح المرضى، لتكون كلمتها "هذاكر كويس عشان أبقى دكتورة لما أكبر".




وعلى بعد مئات الكيلو مترات، جلست "يارا" على درجات الكوبري، والتراب يغطى قدميها ويديها، تنظر بفراغ صبر إلى المناديل التي تريد أن تنتهى من بيعها، وإلى الشمس التي تريدها أن ترحل لتأخذها والدتها إلى المنزل، لتضع جسدها المثقل بالتعب على السرير لأخذ قسط من الراحة.

بين اللحظة والآخرى تتذكر "يارا" الملابس التي اشترتها لها والدتها إلى المدرسة والحذاء الجديد، وترسم في مخيلتها مدى إعجاب أصدقائها بكل ما قامت بشرائه، فتبدأ عامها الثالث في المدرسة.

تتمنى الفتاة ولو أن وقتها في المدرسة يطول ولكنها تعود بذاكرتها إلى الأيام التي كانت والدتها تأخذها قبل نهاية اليوم الدراسي لتذهب معها وتبيع المناديل.




ويقف "محمد" الذى ظل يجمع النقود لشراء حقيبة ليذهب بها إلى المدرسة، يبيع ذات الحقائب على الرصيف، منتظر ذهابه إلى الصف الخامس.

فاعتاد الطفل على البيع في السوق والمكوث لساعات تحت أشعة الشمس الحارقة، وهو ما يعطيه عمر فوق عمره.

يرى الطفل أن حقائب المدرسة سعرها مرتفع ولكن في ذات الوقت يرى فيها مصدر بهجة له ولغيره من الأطفال.




فتنتهي الأجازة على هؤلاء الأطفال، دون الشعور بأى فارق سوى أن رحلتهم مع الشقى كانت أشد بائسًا، لتكون ساعات الدراسة هى المتنفس لهم من هذه الحياة التي يعيشونها.