الحقوق الشرعية للمرأة بعد الطلاق

إسلاميات

الطلاق
الطلاق


تعريف الطلاق
استُخدِمَ مفهوم الطلاق في آيات القرآن العظيم في مَواطن شتّى تِبياناً لحكمٍ شرعي يَختصُّ بالأسرة ونظامها وتقويمها، ويُرادُ بالمُصطلح لغةً إرسالُ الشيء وحلُّ قيودِه وتركِه، أمَّا المَعنى الاصطِلاحي للطّلاقِ فهو مخصوصٌ لإنهاء العلاقةِ الشَّرعيَّة بين الزَّوجين، فيُعرفُ في بيانِه أنَّه رفعُ قيد النكاح وإنهاؤه بِصيغةٍ مخصوصةٍ أو ألفاظٍ مبينة تُفيدُ حلَّ القيدِ الشَّرعي للنّكاح بصفةٍ حكميّةٍ تُفضي إلى إنهاء حقِّ الزوج في تمتُّعهِ بمن كانت قبلَ الحكم زوجته.[١]



مشروعية الطلاق
شرع الإسلام الزواج على ميثاق الديمومة والاستمرارية والسعادة، وحصَّن الأسرة بأحكامٍ تضمن قوة روابطها وإحكام علاقاتها، فكانَ تكوينُ الأسرةِ في الإسلامِ مُرتبطاً بأهدافٍ ساميةٍ وشموليَّةٍ تُحصِّن الفردَ والأسرة والمجتمع، وتبعث فيه روح المودَّة والتآلف والاستقرار، وزاد الإسلام الأسرة تَحصيناً بنظامٍ اجتماعي متين يَعتمد على توضيح الحُقوق والواجباتِ والحريات التي يتمتّع بها كل أفرادِ الأسرة.[٢]


على الرّغم من تأكيد الإسلام على استمرار الزواج وبقائه وديمومته، إلا أنَّه استشرف التغيُّرات المُحتملة في مُستقبل الأسرة ومُحدثاتها، والإشكالات التي تَشوبها مع تقدّم الزمن وتغير الظروف وتبدّل الأهداف والنَّوايا، فشرَع لذلك حكم الطَّلاقِ كحلٍّ للمشاكل المستعصية التي تحصل بين الزوجين،[١] فكانَ حكم الطلاق في الشريعة متدرِّجاً ومُختلفاً مع اختلافِ الظروفِ والأحوالِ كالآتي: [٣]

الأصل في الطَّلاقِ المنع والحظر: أوقفَت الشريعة الإسلامية بإجماع العلماء حُكم الطَّلاق على الضّرورات، فيكون الطلاق مَمنوعاً في الأمور الاعتيادية مع انعدام الأسباب؛ فالحُكمُ في الطبيعة ممنوعٌ إذا تحقَّقت في الزوجة شروط الطاعة والاستقامة، واستدلَّ العلماء بنصوصٍ تفسِّر هذا الحُكم كما ورد في قوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[٤] وأجاز العلماء الطلاق إذا كان يوجد سببٌ مقنع يَستلزم إنهاء عقد الزواج.
الطَّلاق حلال مبغوض: أوردت الشّريعة الإسلاميّة أدلَّةً مُتعدّدة في نصوص السنة النبوية تشير إلى إجازة الطلاق على كراهيته، ومن ذلك ما رُوي عن رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّه قال: (أبغضُ الحلالِ إلى اللهِ الطلاقُ)[٥]


حقوق المرأة بعد الطلاق
تكفّلت الشريعةُ الإسلاميّة بإتمام العدلِ وضمان الحقوق لكافّة أفراد المجتمع على اختلاف الصلاتِ والتعاملات، وقد أولت الشريعة أمر الأسرة اهتماماً بالغاً، فتعهَّدت بتَوزيع الحقوقِ والواجباتِ في جميعِ أحوالِ الأسرة وأحكامِها، حتّى إنّها ضمِنت للمرأة حقوقها بعد الطلاق لما لها من خصوصيَّة الضعف والتضرُّر بعد الطلاقِ بناءً على تكوينها النفسي ومَكانتها المجتمعية.


حدَّد الإسلام حقوق المرأة، وبيّن ظروف الطلاق على اختلافها؛ فإن كانت المُطلَّقة بعد الدُّخولِ تحت سُلطانِ زوجِها في حالِ الطَّلاق الرجعيِّ فإنَّ لها عليهِ حقوقَ السَّكنِ والنَّفقةِ كما لو كانت على ذمته، فإذا انقضت عدَّتها دون إرجاع الزوج لها وقعت في البينونة الصغرى ورُفعَ حقُّها من سكن ونفقة، فإن كانت حاملاً أثناءَ بينونتها وجبت لها النّفقة حتى تضع حملها.[٦]


للمطلَّقة الرَّجعيَّة حقوق أخرى ما دامت في حكم الزَّوج، وقد كفل الإسلام حقوقها وحذَّر من هضم هذه الحقوق وإنكارها وتبخيسها، ومن الحقوقِ الواجبة للمطلقة الرجعيَّة: [٦]

حق النفقة والسَّكن: أكَّد القُرآن الكريم على حقّ المرأة في النفقة والسكن في أكثر من موضعٍ من سوره وآياتِه، قال تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ)[٧] وهذا الحقُّ وَاجبٌ من مال الزوج، كون الزوجة ما زالت في حُكمِ زوجها، ولا يَلزمها عقد جديدٌ، أمَّا إذا بانت فلها حقُّ النفقة إن كانت حاملاً، وليس لها حقُّ في النفقة ما لم تكن حاملاً لانحلال عقدِ النكاح بينهما.
حق المتعة: المتعة في مالِ الزوج المُطلِّق هي الزَّائد من ماله، فيستحقّ للمطلَّقة قبل الدخولِ بمقدار الزيادة في مالِ مُطلِّقها، ولم تحدد الشريعة الإسلامية مقدار الزيادة أو نسبتها، إلا أنّها تركت ذلك في تقدير الزَّوج نفسهِ، وفي قولِه تعالى: (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ)[٨] دلالة على حقّ المرأة فيما زاد من مال زوجها، وتُستحبُّ المتعة للمطَلَّقاتِ على العموم لدعوى الضّرر والأثر، وأوردته آيات القرآن في مواضعها على أنَّه حق، قال تعالى: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)[٩]
حق الصّداق: الصّداق هو المهر المتَّفق عليه بين الرجل والمرأة والمُسمَّى في عقدِ الزواج، وللمرأة المطلَّقة قبلَ الدخول حقٌّ في نصف المهر المُسمَّى في عقدِ الزَّواج لقوله تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ)[١٠] أمَّا إن وقع الطَّلاق على المرأة بعد الدُّخول فقد وجب الحقُّ في المهر كاملاً لقوله تعالى: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا*وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)[١١] أمّا إن وقع الطّلاق على المرأة قبل الدخول وقبل تسمية المهر فإنَّ لها من المهر حقَّ المثل لقوله تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً)[١٢]
حق الإرث: حقّ الميراث فرضٌ ربَّانيٌّ للمطلَّقةِ رجعياً كحقِّ الزَّوجة لا يَنقص منه شيء، وهو نَصيبٌ مَفروضٌ في مالِ زوجها المتوفَّى لا تُضار به ولا تُساوم.
حقُّ الذمة المالية: هي ما تَركتهُ الزوجة قبل طلاقها في ذمّة الزوجِ م