مصطفى عمار يكتب: عن الذين ندين لهم بحق الاعتذار

مقالات الرأي



فى كل يوم نعيش فيه تمنحنا الحياة دروساً جديدة، لعلنا نتذكرها أو نتعلم منها شيئاً، ربما تعلمت خلال السنوات الماضية كما هائلاً من هذه الدروس، قدر لى أن تترك بى أثراً طيباً، رغم مرارة بعضها، ولكنها دروس الحياة التى قد تمنحك حياة جديدة بشرط أن تكون من طلابها المتفوقين إنسانياً..

قبل فترة كان مجرد ذكر اسم أحد المسئولين عن الإعلام فى مصر يسبب لى ضيقاً، لا لشىء سوى لأننى أرى كم النفاق والتمسح الذى يبادر به بعض الزملاء تجاه هذا الشخص لا لشىء سوى لفوزهم بقبول صداقته على موقع الفيس بوك ومتابعة منشوراته ولصق علامات الحب والإعجاب على كل حرف يكتبه.. بعض الأصدقاء كان أذكى فى طريقة التعرف عليه عندما قرر مهاجمته ونشر صورة له رغم قلة صوره المنشورة ليخبره فقط أنه صحفى من العيار الثقيل وأن أفضل طريقة للتعامل معه هى صداقته..

بعض من هؤلاء الأصدقاء لا ينام الليل إذا قام هذا المسئول بعمل لايك على منشور له إما إذا ما قرر التعليق على المنشور فمن الممكن لبعض الأصدقاء أن يجروا عراة عبيراً عن فرحتهم!

ولم لا والقريبون منه يصبحون فى دائرة الضوء والنفوذ، وفى الصفوف الأولى فى أهم المؤتمرات والندوات الرسمية، وربما رشح بعضهم للعمل فى صحف وقنوات تحت سلطة قراره..

حدثتنى نفسى الأمارة بالسوء بالضغط على زر طلب الصداقة، ولكن نفسى المطمئنة كانت تمنعنى لأننى على يقين بأن الرزق والنجاح بيد الله لا دخل لمخلوق فيهما

ورغم هذا كنت أشعر ببعض المشاعر السلبية تجاه هذا المسئول، لا أعرف السبب ولكن ربما لأننى تربيت فى مدرسة صحفية جعلتنا نشب على علاقة الندية بين المسئول والصحفى، فلا هو أفضل منك ولا أنت أقل منه، لتنحنى وتقدم له فروض الطاعة والولاء..هذا ما تربينا عليه

كنت أعتقد لفترة طويلة أنه مستمتع بهذه الحالة من النفاق والرياء التى تحيط به، وأنه لا يهتم سوى بما يريده فقط، دون أن يشغل باله بحقيقة من حوله أو حتى يهتم لأمرهم..

وللحقيقة منحتنى الحياة درساً جديداً عن هذا المسئول.. جعلتنى أشعر بالخجل من نفسى ومن شعورى السلبى تجاهه..

تعرضت إحدى الصديقات لظلم بين فى إحدى المؤسسات الإعلامية، وتم تسريحها من عملها رغم موهبتها ومجهودها، لا لشىء سوى لأن المدير الجديد للمؤسسة لا يحبها وقال لها نصاً خلى المدير إللى قبلى ينفعك وروحى اتظلمى واشتكى للى تقدرى توصلى ليه..

قرر فصلها رغم أن مرتبها كان خمسة آلاف جنيه فى هذه المؤسسة تعمل بهم كقارئة للنشرات ومقدمة ومعدة للبرامج ومسئولة أيضاً عن قسم البرومهات من كتابة وتسجيل وتنفيذ.. والله العظيم كل ده بخمسة آلاف جنيه.. والمدير الجديد مرتبه يتخطى حاجز المائة ألف جنيه، ولكن كيف سيفكر فى مصير زميلة تجاوزت الأربعين ومصدر دخلها الوحيد الخمسة آلاف جنيه، وهو يتقاضى مائة ألف فى الشهر، فربما يدفع مرتبها ثمناً لحذاء جديد يشتريه أو عزومة عشاء لسيدة يعجب بها!

حدثتنى صديقتى وهى منهارة ولا تعرف لمن تلجأ بعد الله، طالبة منى النصيحة وكيف تتصرف والمدير الجديد يهددها بأن تذهب لأعلى مسئول فى البلد لأنه لا يهمه أى شخص وأنه معه الضوء الأخضر ليفعل ما يحلو له..

فى الحقيقة لم أستطع أن أنصحها بأى شىء.. وبحكم عشرتنا أخبرتها أننى لن أستطيع أن أكتب قصتها وأن أهاجم هذا الشخص لأنه فى هذه الحالة ستفقد أى فرصة للحصول على مستحقاتها عن سنوات خدمتها وهو أقل ما يمكن أن تحصل عليه.. للأسف حتى هذا الحق بعد صمتها لم تتمكن من الحصول عليه! مش المدير معاه الضوء الأخضر وبيقبض 100 ألف.. هيهتم ليه لواحدة بتشتغل من 10 الصبح لعشر بالليل بخمسة آلاف جنيه..

الأيام مرت وبالصدفة قابلت هذه الصديقة، وقالت لى أنها تجرأت وأرسلت رسالة للمسئول الذى تحدثت عنه فى بداية المقال، ورغم أنه لا يعرفها، وجدته يرد عليها بأنه يعرف قصتها جيداً وأنه يقوم بكل ما يستطيع لمساعدتها وإعادة الحق لها.. توقفت أمام تصرف هذا المسئول، وعرفت أننى أخطأت فى شعورى نحوه، لأنه كان من السهل أن يتجاهل هذه الرسالة ولا يرد عليها، فهو لا يعرف صاحبتها ولم يقالبها حتى ولو لمرة واحدة، كيف لشخص فى حجم مسئوليته أن يتفرغ للرد على شخص لا يعرفه ويمنحه وعدا بحل المشكلة ويخبره بأنه يعرف أنه مظلوم..

هذا هو الدرس الذى تعلمته، لماذا نحاسب الآخرين على تصرفات الناس معهم، لماذا قررت أن أحاكمه وأصدر حكما بحمل مشاعر سلبية تجاهه، لأن بعض الأصدقاء يتملقونه ويحاولون التقرب إليه.. ربما كان كارهاً لكل هذه التصرفات، ربما كان فى غاية الحرج من أن يطلب منهم التوقف عن التقرب له ونفاقه.. ربما تكون سعادته فى صديق حقيقى لا يريد منه سوى صداقته بعيداً عن حسابات المصلحة والمنفعة..

لا أملك سوى الاعتذار له لأننى أسأت الظن به، وكل ما أرجوه أن يفى بوعده ويعيد الحق للصديقة التى لا تملك من العلاقات ما يشفع لها ويعيدها إلى وظيفتها ومستقبلها الذى هدمه شخص آخر غير مسئول وغير مؤتمن على المنصب الذى يشغله!