د. رشا سمير تكتب: اليوم الأخير لأدولف هتلر

مقالات الرأي



عاشت إيفا براون فى كنفه بلا أى طموح سوى نيل حب أعظم رجل فى ألمانيا

كيف تتحول السُلطة المُطلقة إلى فساد مُطلق؟ كيف تحول شاب يهوى الرسم إلى سفاح يسفك دماء البشر ويروعهم؟ من المسئول عن أكبر مذبحة حدثت فى تاريخ البشرية؟ وكيف كتب الديكتاتور النازى اسمه بحروف من دم بين صفحات التاريخ؟.

نحو الساعة 15:45 يوم 30 إبريل من عام 1945 أطلق ديكتاتور ألمانيا أدولف هتلر على رأسه النار ليتفادى مواجهة مسئولياته الجسيمة التى أودت ببلاده إلى الهاوية..

هتلر.. هذا الشخص الذى أثار هلع العالم وأرعبه مدة اثنتى عشرة سنة كاملة..

وقعت بين يدى رواية (اليوم الأخير لأدولف هتلر) فجذبنى عنوانها وحين جرت عينى بين السطور عشت بكل جوارحى فى أحداثها..

ربما عرفت هتلر مثل سائر البشر، الرجل الذى ارتبط اسمه بمذبحة الهولوكوست الشهيرة التى راح ضحيتها 6 ملايين يهودى أوروبى.. وربما كانت سيرته هى السيرة التى صاحبتها كل آثام البشر.. ولكن.. ..

■ مازال هتلر لغزا كبيرا ومن المؤكد أن حياته بها تفاصيل أودت به إلى تلك المنطقة السوداء التى انتهى إليها.. ما هى هذه التفاصيل ومن هو هتلر؟.

- هذه الرواية الصادرة عن المركز القومى للترجمة تحمل تفاصيل مختلفة عن الديكتاتور النازى.. الرواية كتبها الكاتب الإسبانى دافيد سولار فى 485 صفحة من القطع المتوسط، ترجمتها إلى العربية هالة عواد أستاذ الأدب الإسبانى بجامعة عين شمس.. وراجعها عبدالسلام أحمد أستاذ اللغويات بكلية الألسن.

الرواية تحكى عن أهم وأخطر 24 ساعة فى حياة هتلر وهو اليوم الأخير قبل أن يقدم على الانتحار هو وعشيقته.. وفى مواجهة الموت يقرر هتلر أن يُضفى شرعية على علاقته بعشيقته طوال الخمسة عشر عاما إيفا براون فيتزوجها.

يكتب وصيته الشخصية والسياسية.. يستمتع بطعامه ونومه أحيانا ثم يفقد أعصابه ويثور فى أحيان أخرى.. ثم يجلس وحيدا يفكر كيف تخلى عنه حلفاؤه وكيف أن وقوعه فى يد الروس سوف يكون نهايته الحقيقية حتى لو كان جثمانا..

غير ذلك يستعرض الكتاب أيضا من بين الصفحات طفولة وشباب هتلر والأسباب التى أدت إلى تشكيل شخصيته ومحاولاته للقفز على السُلطة فيما عُرف بالبوتش (Putsh) فى ميونخ عام 1923..

يسلط الكتاب الضوء على محطات وصول هذا الديكتاتور إلى السُلطة.. لحظات إحباطاته.. انعزاله التام عن الواقع السياسى.. علاقته بأمه وعشيقته وكرهه لليهود..

كل ذلك يأتى موثقا من خلال وثائق ومراجع تاريخية تم ذكرها بكل أمانة ودقة فى نهاية الكتاب..

استخدم الكاتب طريقة جديدة فى السرد عن طريق صياغته للحوار.. فإذا جاءت الجملة بين علامتى التنصيص فذلك يعنى أنها منسوخة عن وثائق أو برقيات أو مذكراته الشخصية أو حتى تحقيقات..

وعندما يستخدم حروفا مائلة فى الحوار فهو يخلق حوارا من بنات أفكاره إلا أنه بحسب تصريحاته راعى فيها الالتزام بالمحتوى التاريخى وإن لم يكن قد جاء نصا..

كان هتلر طالبا فاشلا ولم يحقق أبدا ما رجاه منه أبوه.. أرجع المؤرخون ذلك إلى تنقل والده الدائم بين البلدان وتعرضه لعدة هزات نفسية أصابته باضطراب وعدم استقرار.

فى بداية حياته كانت الأمور تسير على ما يرام فتمنى فى طفولته أن يصبح راهبا لمجرد انبهاره بالرهبان البنديكتيين.. ليس لشعوره بالتقوى ولكن لمدى التقدير الذى كان يلاقيه الرهبان فى الدير، وهو ما يؤكد نظرية أن السُلطة كانت حلمه منذ البدايات..

وفى عام 1900 تغيرت طباع هتلر واتسمت بالحدة حين توفى أخوه أدموند بالحصبة فأصيب بصدمة عصبية عنيفة..

طُرد من المدرسة فى عام 1904 وهى الفترة التى تكتم كثيرا فى الحديث عنها بمذكراته.. وبدون أى مقدمات تحمس لفكرة اقتحمته وقرر أن يصبح رساما..

عارضه أبوه بمنتهى الشدة ورفض حتى الحديث فى هذا الموضوع ولكن بعد وفاة الأب كان هتلر وقتها فى الرابعة عشرة من عمره.. فأصبح هو محور اهتمام الأم لدرجة جعلته يفرط فى ارتداء الملابس الثمينة ويسهر ويقرأ ويحضر حفلات الأوبرا ويعيش الحياة كما يحلو له..

حاول الالتحاق بأكاديمية الفنون ولكنه فشل.. فعاد يجرجر أذيال الخيبة ليجد أمه تحتضر، ويُرجع بعض الباحثين بدايات معاداته للسامية لأصول الطبيب ذلك اليهودى الذى عالج والدته وتعامل معه بكل سماحة إلا أنه أُثبت فيما بعد أنه قد أخطأ فى تشخيص حالتها وربما تسبب ذلك فى وفاتها.. والأكيد أن تعلق هتلر بأمه كان تعلقا مرضيا.

يقول آلان بوبوك أحد أشهر المتخصصين:

«إن اليهودى - فى كتابات هتلر- ليس إنسانا، وإنما تحول إلى شكل أسطورى، إلى شيطان فائق القدرات الجهنمية ثم خولت له قدراته اللعب بكل شىء فصار تشخيصا للشيطان».

ولدت إيفا براون عام 1912 وتربت فى مدرسة للراهبات، لكنها لم تستطع أن تستكمل دراستها، ثم التحقت للعمل فى محل تصوير هاينريش هوفمان الذى تحول فيما بعد إلى المصور الرسمى لهتلر.. تعرف عليها هتلر فى الاستوديو.. بعد شهور قليلة اتخذها خليلة له.. حين كانت هى فى العشرين من عمرها وكان هو فى الثالثة والأربعين..

لم ينقطع أثناء علاقته بها عن نزواته الكثيرة إلا أنه كان يعود إليها فى النهاية.. مما دفعها إلى محاولة الانتحار مرتين..

عاشت إيفا براون فى كنفه تقوم بدور استراحة المحارب بلا أى طموح سوى أن يحبها أعظم رجل فى ألمانيا وربما فى العالم آنذاك!.

قدمت إلى برلين فى 15 إبريل عندما كانت المدينة على وشك الوقوع فى الحصار مع علمها أنها ستعيش فى مخبأ المستشارية غير المريح والرطب وذى الرائحة غير المستحبة إلا أنها كانت تريد أن تكون بجوار عشيقها.

رفضت أن تتركه بعد أن تركه جميع مستشاريه فى أيامه الأخيرة.. ولم ينس هتلر حين أملى وصيته الأخيرة على فراو جونجى أن يكتب فيها أنه قرر الزواج من المرأة التى أسعدته طول حياته حتى أنها رغبت أن تموت إلى جواره!.

بقى هتلر وحيدا فى مكتبه.. ينظر حوله وتتعلق عيناه بصورة فريدريك الكبير أعظم ملوك بروسيا تلك التى كان قد رسمها له أنطون جراف، ومن فرط إعجاب هتلر بها ظلت تتنقل معه حتى وصل إلى برلين.. وصورة أخرى لأمه فى إطارها تلك التى صاحبته لمدة أربعين عاما.. مر بيده على زجاجها وكأنه يودعها..

اليوم لا يوجد على مكتبه أى مستندات ولا أوراق تنتظر اعتماده.. انسحبت السُلطة من بين يديه.. بقى فقط المستند الأخير وهو قرار موته!.

أخرج من درج مكتبه مسدسا من طراز والتر عيار 7٫65 ثم أعاده إلى الدرج..

طلب حضور طياره الخاص هانز باور فأخبره عن مخاوفه أن يقع بين أيدى الروس حيا.. خصوصا بعدما عرفوا تركيبة الغاز الذى يبقى الإنسان مخدرا لمدة أربع وعشرين عاما وعليه فقد استولوا على بعض معامل الغاز فلذا لا يجب أن يغامر بوقوعه بين أيديهم حيا.. وقال:

«حيث إن خدماتى لم تعد تجدى نفعا لألمانيا.. فقد قررت أن أتخلص من حياتى ولن أدع أعدائى يستولون أيضا على جثتى فإنى آمرك بأن تحرقها هى وجثة زوجتى».

ما بين الثالثة والرابعة عصرا.. سُمع دوى رصاص والجميع بالخارج ينتظرون الحدث.. فتحوا الباب ليجدوا أدولف هتلر وإيفا براون جثتين هامدتين..

كانت إيفا جالسة على حافة الأريكة وقد وضعت قدميها على هتلر وأسندت رأسها على كتفه، كانت قد قضمت كبسولة سيانيد بوتاسيوم وكانت ساقاه متصلبتين.. وبجانبها مسدس صغير لم تستخدمه.. أما أدولف فكان جالسا على الأريكة أمام صورة فريدريك وفمه معوج وبه بقايا نفس الكبسولة.. فى جانب رأسه الأيمن كان هناك ثقب أسود تسيل منه الدماء.. وكانت يده اليسرى موضوعة على قلبه مُمسكة بصورة أمه التى احتفظ بها طيلة خمسون عاما.

تم وضع الجثتين بناء على طلب هتلر فى حفرة فى الأرض وسكبا عليهما البنزين وأشعلا فيهما النار!..

لتنتهى أسطورة هتلر الديكتاتور صاحب محرقة الهولوكوست.

فى عام 2000 وأثناء الاحتفال بالذكرى الخامسة والخمسين لانتصار الروس على ألمانيا النازية.. تم عرض جزء من جمجمة وخمس قطع أسنان ذهبية قيل إنها تخص هتلر..

سواء كان ذلك حقيقيا أم لا.. يجب أن نصرح بأن فى تلك الأيام الأولى لشهر مايو 1945 لم يكونوا ليهتموا بمسألة سطحية مثل مكان دفن أحد الموتى، فى الوقت الذى كانت فيه فى برلين آلاف الجثث غير المدفونة!.

انتهى كيان هتلر وبقيت لنا أقواله وأفعاله.. فهكذا تُبلى الأجساد وتبقى الأفعال..

فى جملة لا تمت للواقع بصلة قال هتلر:

«القائد الذى يخسر الأرض ولا يخسر الشعب يستطيع أن ينهض وينتصر.. أما القائد الذى يكسب الأرض ويخسر الشعب.. فلا يمكن أن ينتصر أبداً».

سواء آمن هتلر حقا بما قال أو كانت تلك أحد شعاراته الفارغة..

وسواء انتصر هتلر فى معركته ضد الشعب أو انهزم فى معركته مع الأرض.. فنهايته المأساوية تؤكد أن ديكتاتورية الحاكم ترسم نهايته وسقوطه الحتمى من فوق العرش وأكم من أمثلة كتبها التاريخ لأمثال شبيهة..

إنتحار أدولف هتلر بكل جبروته لا يعبر عن قوة ديكتاتور طغى بكل المقاييس بل هى تعبير واضح عن ضعفه الشديد وهزيمته النفسية حين لم يعد الصولجان ملك يديه..