د. بهاء حلمى يكتب: طريق الحرير والمبادئ الجديدة للتجارة مع إفريقيا

مقالات الرأي

د. بهاء حلمى
د. بهاء حلمى



إن مبادرة الحزام والطريق التى تتبناها الصين لإنشاء طريق الحرير تشكل عصرا جديدا وتؤسس لنظام اقتصادى عالمى قوى متماسك يقوم على مبادئ وقيم أكثر عدالة من سياسة استخدام القوة والهيمنة على الاقتصاد العالمى التى أدت الى تحمل الدول ذات الاقتصادات الناشئة والدول الفقيرة العديد من الآثار السلبية لتلك السياسات إضافة إلى تحملها الآثار الناتجة عن توحش العولمة واستنزاف الموارد الطبيعية لصالح الدول الغربية.

كانت الصين أكثر وضوحا فى إعلانها للمبادئ والقيم الجديدة للتجارة العالمية من خلال طريق الحرير الذى أطلقت عليه طريق السلام والتجارة الحرة وتعزيز الروابط بين شعوب الدول المختلفة، وتحقيق حلم النهضة الوطنية بموجب التعاون بين البلدان تحت مظلة «حلم إنشاء مجتمع عالمى بمصير مشترك ومصالح ومسئولية مشتركة» بعيدا عن الصراعات العسكرية والسياسية ودون تدخل فى شئون الدول بدلا من تحكم لوبيات المال وفرض الولايات المتحدة الأمريكية الأساليب الحمائية وتوجيه التجارة الدولية وفقا لسياستها تحت شعار(أمريكا أولا) وتشكيكها فى مبادرات التجارة العالمية بغرض الاستمرار فى السيطرة على مفاصل الاقتصاد العالمى.

نجحت رؤية الصين أكبر ثانى اقتصاد فى العالم بسياستها الهادئة والهادفة حتى الآن فى جذب أكبر عدد من الدول للمشاركة والانخراط فى مبادرة الحزام والطريق لتحقيق التنمية المأمولة لشعوبها مع الاستفادة من مليارات الدولارات التى تطرحها الصين لدعم الدول الإفريقية لاستخدامها فى مشروعات البنية التحتية المؤثرة فى إنجاز طريق الحرير المسمى بالممر التنموى الجديد للتجارة والثقافة وإقرار السلام بين الأمم، ويرجع نجاح رؤية الصين المعلنة عن تلك المبادئ إلى استفادتها من التجارب والدروس السابقة لتدخل الغرب فى الشئون الداخلية للعديد من الدول وإثارة وتأجيج الصراعات فى كثير من مناطق العالم لفرض السيطرة والهيمنة والحد من تقدم الأخرين وعلى الأخص فى مواجهة تقدم العملاق الاقتصادى الصينى القادم.

إن المبادئ والقيم المعلنة التى ستقوم عليها التجارة فى مبادرة الحزام والطريق هى ذاتها الأسس التى يمكن أن تعتمد عليها الاستراتيجية المصرية لاستعادة مكانتها بإفريقيا ولا سيما فى المجال الاقتصادى، فطريق الحرير لا يمثل طريقا تنمويا أو ممرا للتجارة الحرة عبر قناة السويس أو مع مصر فقط بل يمتد إلى العديد من الدول الإفريقية الأخرى التى تعتبر اسواقا جديدة أمام البضائع الواردة إليها من كافة الدول بنطاق طريق الحرير.

لقد كانت مصر حاضرة وفعالة فى قمة منتدى التعاون الصين- إفريقيا 2018 بطرحها محور قناة السويس للتنمية والاستثمار العالمى وعرض ما تم إقراره من تشريعات وإجراءات ومشروعات البنية الأساسية للطرق والطاقة التى تم إنجازها لتهيئة مناخ الاستثمار الآمن فى مصر.

إن نجاح استراتيجية مصر لاستعادة مكانتها الإفريقية يتطلب مزيدا من جهد الدبلوماسية المصرية والعمل لتأسيس شراكة اقتصادية جديدة تقوم على المصالح المشتركة وإعداد الدراسات اللازمة عن متطلبات تلك الأسواق من الآن، وتجهيز السلع والبضائع المطلوبة لتسويقها عبر طريق الحرير إضافة إلى أهمية التعاون المشترك مع السودان لاستغلال كافة المنافذ والطرق البرية لتسيير البضائع وإقامة علاقات تجارية مع الدول الافريقية وإعادة إحياء العلاقات الثقافية.

ودراسة إمكانية إنشاء محطات فضائية لبث البرامج المختلفة لتقارب الشعوب بما يرسخ دور مصر ويعزز مشاركتها مع الدول الإفريقية فى ضوء احترام السيادة الوطنية لكل دولة، وعدم الركن إلى مقولة أن «مصر هى بوابة التجارة لإفريقيا» دون عمل حقيقى على الأرض، فلن تتحقق الطموحات إلا بالعمل المخلص والجهد على كافة الأصعدة السياسية والثقافية والاجتماعية والتجارية لتحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على المصالح المشتركة لجميع الدول ويحقق الصالح العام للبلاد.