الشرقية.. «الفجر» تحقق فى كارثة «ديرب نجم»

العدد الأسبوعي

وحدة الغسيل الكلوى
وحدة الغسيل الكلوى بمستشفى ديرب نجم المركزى


مصدر بـ«الصحة»: الفساد المالى لمدير المستشفى السابق سبب كارثة وحدات الغسيل الكلوى.. والمتهم: ممنوع من الكلام

المستشفى له تاريخ طويل من الإهمال والأخطاء الطبية .. والنيابة الإدارية اكتشفت وجود أعضاء بشرية بـ«الثلاجة»

جولة بالمستشفى تكشف: انتشار القمامة.. المصعد عطلان منذ عامين والحمامات متسخة

فى 2017 قام المحافظ بوقف أطباء أنف وأذن وطبيب تخدير عن العمل لتسببهم فى إشعال النار بحلق طفل



ذهبت «الفجر» إلى مستشفى ديرب نجم المركزى، بمحافظة الشرقية، للبحث عن الأسباب التى أدت لوقوع كارثة وفاة 3 من مرضى الغسيل الكلوى بالمستشفى، وإصابة 13 آخرين بغيبوبة بعد جلسة الغسيل، السبت الماضى، ما فجر الذعر بين المواطنين، خصوصاً أن الأزمة هزت الحكومة كلها وليس وزارة الصحة فقط، حيث كلف الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، الوزيرة هالة زايد، بالتوجه فوراً إلى المستشفى لمتابعة الأمر، وكذلك بسرعة التحقيق فى الواقعة، مهدداً باتخاذ إجراءات صارمة تجاه المقصرين والمخالفين.

فور وصول الوزيرة إلى المستشفى أمرت بغلق وحدة الغسيل الكلوى، وبتكليف 3 لجان للتحقيق فى الواقعة، وأحالت مدير المستشفى، فتوح أحمد فتوح، ورئيس قسم الكلى للتحقيق، كما تحفظت نيابة الزقازيق على 15 من الأطباء والممرضين والفنيين العاملين بالوحدة على ذمة التحقيقات.

«الفجر» قامت بالتحقق فى الواقعة لكشف السبب الحقيقى وراء تلك الكارثة، واكتشفت أن وحدة الغسيل تم افتتاحها منذ نحو 4 أشهر فقط، وتضم 46 ماكينة غسيل، يتردد عليها 157 مريضاً يوميًا، وعند الافتتاح، قال محافظ الشرقية إنه سيتم تزويد الوحدة بـ5 ماكينات غسيل كلوى على نفقة المحافظة.

«الفجر» تجولت داخل المستشفى والتقت عاملين وأطباء حيث قال أحدهم إن الشيفت الأول بالوحدة يبدأ العمل الساعة السادسة، حيث كان عدد المرضى فى اليوم الذى شهد الكارثة 36 مريضاً، وبعد 10 دقائق فقط من بداية العمل انتشرت رائحة نشادر كثيفة كانت تخرج من وحدات الغسيل، ثم ظهرت أعراض الإعياء الشديد وتوقف عضلات القلب لـ9 مرضى، وحاول الأطباء إسعافهم، وأنقذوا 6 بالفعل، وتوفى ثلاثة، وبعدها تم إيقاف عملية الغسيل لبقية المرضى، بعد 10 دقائق أخرى، ولكن بعد وصول حصيلة المصابين لـ13 آخرين، تم تحويل 11 منهم لمستشفى جامعة الزقازيق، وحالتين إلى مستشفى التيسير الدولى.

وأضاف العاملون بالمستشفى، إن الكارثة يمكن أن تكون نتيجة عدم تجربة صيانة الفلاتر التى تم استخدامها فى الغسيل لأن 5 من الفنيين التابعين للشركة المكلفة بالصيانة قاموا بصيانة الوحدة وتركيب فلتر النايتريت بمحطة معالجة المياه الخاصة، وتزويد شحنة النايتريت وتغيير الفلتر الكربونى والفلتر الرملى، حيث قام طاقم التمريض بتشغيل الوحدة صباح يوم الواقعة.

وقال أحد أفراد الأمن الذى طلب عدم نشر اسمه إن لديه شكوكا فى أن الواقعة مدبرة لتوريط المدير الجديد للمستشفى، الدكتور فتوح أحمد فتوح، خصوصًا أنه لم يمر ساعات على استلامه مهام عمله.

وقال مصدر مسئول بوزارة الصحة فى الشرقية، طلب عدم نشر اسمه، إن المتورط الحقيقى وراء كارثة وحدات الغسيل الكلوى هو المدير السابق للمستشفى «ف. ح»، لأنه حصل على إجازة اعتيادية لمدة 30 يوماً بدءًا من 12 سبتمبر الجارى، تنتهى بإحالته للمعاش فى 22 أكتوبر المقبل، مؤكداً أن الإجازة محاولة للإفلات من اتهامات له بالفساد المالى، لأن هناك لجنة كانت ستفحص ذمته المالية لأنه متهم بالاستيلاء على 104 آلاف جنيه من أموال الدولة.

وأضاف المصدر، لـ«الفجر»، إن المدير السابق حصل على 34 ألف جنيه حافز التميز، ونحو 70 ألف جنيه تحت بند حافز القيادة.

وتابع المصدر، أن الدكتور فتوح، ليس المسئول عن الواقعة، لأنه تسلم مهام عمله لتيسير أعمال المدير لحين عودته من الإجازة، قبل الكارثة بيومين منهما يوم إجازة ولم يخبره أحد عن ضرورة صيانة الوحدات، موضحًا أن المدير السابق كان مهملا وكان يمنح مميزات لـ7 أطباء بعينهم وألغى نظام الحضور والانصراف ووضع لهم دفترا خاصا بالغياب والحضور ليتحكموا فيه كما يحلو لهم.

وأشار المصدر الذى تحتفظ «الفجر» بتسجيلات لأقواله إلى أن المدير السابق كان يذهب إلى المستشفى يومين أسبوعياً لمدة ساعتين على الأكثر.

فى المقابل قال فريد حافظ، المدير السابق للمستشفى، إن لديه تعليمات صارمة بعدم الحديث للصحف، إلا بعد انتهاء التحقيقات معه ومع المدير الحالى، وأنه لن يعلق على اتهامه بالفساد إلا بالنفى، «الكلام ده كذب، أنا واخواتى اتبرعنا لوحدة الغسيل الكلوى وجبنا أجهزة كتير.. إزاى أكون فاسد وإحنا اللى بنيناها».

ومن خلال جولتنا داخل المستشفى تبين مدى الإهمال الموجود داخلها، فالحمامات متسخة، والقمامة منتشرة على أرضية المستشفى، كما أن الأسانسير عطلان منذ عامين ولم يتم إصلاحه ويقول العمال: «إحنا بنشيل المرضى نطلعهم علشان الأسانسير العطلان والمدير بيشوفنا والحملات اللى بتيجى على المستشفى فجأة برضو بتشوفنا ومفيش أى حل».

وقال أهالى المصابين، الذين تم نقلهم لمستشفى الزقازيق الجامعى، عن حال مستشفى ديرب نجم، إنها تعانى من إهمال كبير، وقال أحدهم إنه حين مرافقته لوالده كان يجد محلول الغسيل الكلوى موجودا فى الطرقات، وفى دورات المياه، كما أن أطباء المستشفى غائبين دائماً، أما المرضى الذين يترددون على قسم الطوارئ فينتظرون فترات طويلة حتى يظهر طبيب بخلاف عدم وجود الأدوية وتعرض الأجهزة لأعطال مثل جهاز القلب مما يتسبب فى تدهور الحالات المرضية للبعض.

وقال أحمد أسامة، أحد الأهالى إن قسم طوارئ المستشفى لا يتواجد بها المرضى دائما، بسبب الغياب الدائم للطبيب المتخصص فى أمراض القلب ما تسبب فى تدهور حالة والده ذات مرة ليقوم الفريق الطبى بالاتصال به، حيث حضر الطبيب بعد 4 ساعات، وعندما وصل كان يتحدث مع أهالى المرضى بشكل غير لائق، كما أن الأهالى يضطرون لشراء الأدوية والمستلزمات على نفقتهم الخاصة.

وقالت هدى نجلة، «الحاجة بلبل»، 70 سنة، إحدى المصابات، إن عدد من مسئولى وزارة الصحة بالشرقية أخفوا والدتها عن أعين الوزيرة عندما حضرت لتفقد المستشفى بعد الحادثة، بسبب حالتها الخطيرة، حيث كانت فى غيبوبة منذ نقلها إلى مستشفى الزقازيق الجامعى ولا تزال فى تدهور مستمر.

تاريخ طويل من الفساد والإهمال

لم تكن كارثة الغسيل الكلوى الوحيدة فى تاريخ مستشفى ديرب نجم، حيث إن ذلك المستشفى لها تاريخ طويل من الكوارث والأخطاء الطبية التى تؤثر فى النهاية على صحة مواطنى الشرقية، وفى 30 مايو 2014، قام محافظ الشرقية بوقف عدد من أطباء الأنف والأذن وطبيب تخدير، على خلفية خطأ طبى حيث اشعل طبيب النيران فى حلق طفل، 5 أعوام، أثناء إجراء عملية لاستئصال اللوزتين بالمستشفى، وفى 25 يوليو 2016، كشفت هيئة النيابة الإدارية بالشرقية، فساد مدير مستشفى ديرب نجم السابق، إذ كان يستعين بأطباء تخدير من خارج المستشفى، فأحالته النيابة للمحاكمة التأديبية لوجود صلة قرابة بينه وبين هؤلاء، وفى نفس القضية التى حملت رقم 81 لسنة 2014، أحالت النيابة 13 طبيبًا بالمستشفى وفنى تمريض، بأقسام الجراحة العامة والنساء والتوليد، لقيامهم بتخدير مرضى وإجراء جراحات لهم، رغم أنهم غير متخصصين.

وفى 11 يناير 2017، كشفت حملة من النيابة الإدارية فى الشرقية، وجود مخالفات جسيمة بالمستشفى، حيث كشفت وجود أعضاء بشرية «أمعاء وطحال» محفوظة داخل مشرحة المستشفى فى مادة الفورمالين، كما اكتشفت النيابة وجود غرفة بالقسم الاقتصادى يستغلها أحد المديرين الإداريين بالمستشفى كمكان إقامة خاص به.

وكشفت الحملة أيضًا تدنى مستوى النظافة بالمستشفى ككل، وغياب الأطباء، ووجود أدوية منتهية الصلاحية، وحينها تحفظت النيابة على كمية كبيرة من اللحوم بمطبخ المستشفى تم ذبحها خارج السلخانة، كما تم إعدام كميات كبيرة من الصلصة لا تصلح للاستهلاك الآدمى، كما كشفت النيابة وجود عاملين بالمطبخ غير حاملين للشهادات الصحية.

وفى 15 يوليو 2017، عاقب محافظ الشرقية 26 طبيبا بسبب تغيبهم عن عملهم دون عذر أو إذن، فقام وكيل وزارة الصحة بالشرقية بتفعيل نظام البصمة لكى يتصدوا لغيابات الأطباء الكثيرة.