من مصر وسوريا إلى أفغانستان وصحراء إفريقيا.. تحالفات داعش الجديدة

العدد الأسبوعي

داعش
داعش



الجولانى جند الدواعش فى معركة إدلب.. وإخوان مصر تحالفوا مع فلول تنظيم الدولة.. وولايتا خراسان والصحراء يخطفان عناصر القاعدة

انحسرت الخيارات أمام ما تبقى من تنظيم داعش وأفرعه فى شتى بقاع الأرض، حيث سقطت كل آيات السطوة التى كان يتمتع بها، وتبدلت معها كذلك حساباته الأيديولوجية والسياسية، وصار همه الأول والأخير هو البقاء على قيد الحياة ولو عبر تحالفات غير متوقعة، كما هو الحال فى كل من إدلب السورية ومصر وأفغانستان والصحراء الإفريقية الشاسعة على وجه التحديد.

1- الجولانى يكسب الرهان فى إدلب

فى صيف 2013 رفض زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولانى، مبايعة الدولة الإسلامية فى العراق والشام - داعش، مجددًا السمع والطاعة لأمير القاعدة أيمن الظواهرى، قبل أن يبدأ حربًا مفتوحة لا هوادة فيها ضد رجال أبى بكر البغدادى بسوريا.

غير أن ذلك الخلاف الدموى بين الفريقين، والذى امتد لخمس سنوات متصلة، قد صار تراثًا، بل إن قادة داعش لا يمانعون الآن وعلى خلفية هزائم مريرة ساحقة لحقت بهم خلال العام الماضى، فى تجاوز الخلافات.

على هذا النحو، قبلوا بوضع أيديهم فى يد غريمهم السابق الجولانى فى مدينة إدلب، وذلك فى إطار سلسلة عامة وشاملة من التحالفات الجديدة التى يخوضها تنظيم الدولة الإرهابى فى سوريا والعراق وأفغانستان، مرورًا بسيناء وغرب إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء بالقارة السمراء، فيما أن هدفه الأول منها ترميم جراح انهيار خلافته المزعومة.

وبينما يترقب العالم الوضع فى إدلب، ولا أحد يعلم على وجه الدقة إن كان النظام السورى سيوجه ضربة أخيرة قاصمة للمعارضة فيها من عدمه، فإن الحقيقة الأبرز بالنسبة للوضع على الأرض تكشف أن المكون الرئيسى وشبه الوحيد لتلك المعارضة، قد صار للقوى الإسلامية، وعلى وجه التحديد، جبهة تحرير الشام، النصرة سابقًا، واجهت القاعدة فى سوريا.

ويبرز أيضًا من بين القوى الإسلامية توابع وحلفاء لجبهة تحرير الشام، مثل الحزب الإسلامى التركستانى المؤلف من آلاف المقاتلين الشيشانيين والأوزبك والإيجور المنحدرين من الصين، وعدد كبير جدًا من المقاتلين الأجانب، فضلًا عن مسلحى غصن الزيتون الموالين للأتراك، وتنظيم حراس الدين المتشدد، وجميعهم قاعديو الهوى أيضًا.

لكن التحالف الأبرز فى إدلب حاليًا يتجسد فى نجاح الجولانى فى إقناع الآلاف من الدواعش، بالتخلى عن خلافاتهم الإيديولوجية مع القاعدة والتحالف مع أذرعها، كهيئة تحرير الشام، لأجل مواجهة الضربة السورية المحتملة، بل تقاسم مناطق السيطرة والنفوذ فى إدلب.

الجولانى يراهن على أن الدواعش إضافة إلى المقاتلين الأجانب سيقاتلون باستماتة، لأن هزيمتهم فى إدلب تعنى نهايتهم حرفيًا، وتعنى أيضًا أن عودتهم إلى بلدانهم الأصلية ستكون شبه مستحيلة، وقبل هذا وذاك هو يعرف أن الدواعش فى أضعف حالاتهم، ومن ثم يسهل كسبهم إلى صفهم وتوجيههم كيفما يشاء.

كانت خطة النظام السورى المدعوم من روسيا لمواجهة التنظيمات المتطرفة والمعارضة، تستهدف تجميعها فى بؤرة واحدة حتى يسهل القضاء عليها، وهو ما تحقق فى إدلب مؤخرًا بعد نزوح آلاف من الدواعش وغيرهم من الفارين على مدار السنتين الأخيرتين من حلب وحمص وحماة والغوطة الشرقية، الأمر الذى سهل من مهمة الجولانى فى صناعة تحالف «الضرورة» مع رجال البغدادى.

ولأن الضعف الداعشى قد صار عامًا، تنتقل مظاهره من المركز إلى الفروع وبالعكس، فإن ما جرى فى سوريا يمكن أن يجرى فى مصر، ولو برتوش بسيطة مغايرة.

2- إخوان مصر فى أحضان الدواعش

ويعيش ما تبقى من فلول التنظيمات الإرهابية فى مصر، سواء كانت إخوانية أو داعشية أو غيرها، وضعًا غاية فى التأزم والصعوبة، ولم يعد أمامها مفرًا للتواجد على الساحة إلا العودة مجددًا ضمن تحالفات غير تقليدية، خاصة أن نجاح العملية العسكرية فى سيناء، وفى ظل التشديدات الأمنية خارجها، قد خلطت كل الحسابات وأجبرت الجميع على تغيير الاستراتيجيات، حتى صار من المألوف بحث الدواعش عن متسربين من لجان الإخوان النوعية لتجنيدهم أو التحالف معهم وبالعكس. وهى النقطة التى التفت إليها مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، مؤخرًا، مشيرًا إلى أن «تنظيم داعش الإرهابى نجح فى تكوين تنظيمات عنقودية صغيرة منتشرة فى عدة دول حول العالم، مستفيدًا من حالة التشرذم والتفكك التى أصابت جماعة الإخوان المسلمين، والتى شكَّلت القاعدة الخصبة لإعداد وتصدير العناصر الإرهابية المنضمة إلى تنظيم داعش الإرهابى».

يقول المرصد إن «تنظيم داعش الإرهابى استغلَّ الأفكار التى أسس لها منظرو جماعة الإخوان المسلمين، كالخلافة والدولة الإسلامية والحاكمية وجاهلية المجتمعات، من أجل إقناع الأفراد بالانضمام إليه»، وتابع: إن تنظيم داعش يطمح إلى استثمار بقايا تنظيمات الإخوان وغيرها، فى الأعمال الإرهابية وتشكيل الخلايا العنقودية، التى تشكل خطورة بالغة كونها تكمن فى عملها تحت الأرض، وترويجها لأفكارها الهدامة لجذب المزيد من العناصر لتنفيذ عملياتها التفجيرية المدمرة. وتأكيدًا على الكلام السابق، شهدت مصر على مدار العامين الماضيين على وجه التحديد، عمليات عنف وإرهاب، وبالأخص تلك التى استهدفت دور العبادة القبطية، تاهت فيها على نحو ما هوية الجهة الحقيقية التى تقف خلفها، سواء كانت إخوانية أو داعشية أو كانت خليطًا منها، بعدما تمازجت تلك الكيانات وعلت فوق الخلافات الفكرية والأيديولوجية لأجل ضرب الدولة.

3- فى أفغانستان كلمة الدواعش هى العليا

وتظل ولاية خراسان، أو داعش أفغانستان وباكستان، أكبر مثال حى على تغيير استراتيجية التنظيم لتعلو فوق ثوابته الفكرية المخالفة للقاعدة ومن سار على دربها.

فمع تعاظم شوكة طالبان والقاعدة فى أفغانستان بدعم مباشر من روسيا لضرب المصالح الأمريكية فى البلد الإسلامى الآسيوى، لم يجد الدواعش مفرًا من البحث عن دعماء وحلفاء ولو لم يتمسكوا بخطهم الفكرى، فبدأ التنظيم فى توجيه بث إذاعى ودعوات إلكترونية باللغات العربية والبشتونية والفارسية إلى مناطق قبلية تخضع لنفوذ طالبان، مشككًا أتباع الأخيرة والسكان المحليين هناك فى عقيدتها بزعم خروج طالبان عن الدين، لاعترافها بحدود الدول ودخولها فى تحالفات مع حكومات علمانية، فيما فتحت ولاية خراسان ذراعيها لأى مقاتل يتسرب من طالبان أو من القاعدة ليلتحق بها.

هذا يفسر سر الإعدامات الوحشية التى تنفذها طالبان ضد أى عنصر من عناصرها يثبت تحوله إلى داعش، أو يثبت حتى تعاونه مع التنظيم ولو بشكل غير مباشر.

وعلى هذا النحو أصبحت ولاية خراسان الآن حاضنة عريضة لتحالف كبير يعمل تحت اسمها ولوائها بينما يضم كيانات منشقة عن طالبان، فضلًا عن متسربين من حركة أوزبكستان الإسلامية، ومقاتلين من آسيا الوسطى، والقوقاز، وإقليم الإيجور الصينى.

4- داعش والقاعدة « إيد واحدة» فى الصحراء الإفريقية

التحالفات الداعشية متجاوزة الأيديولوجيات، وصلت حتى الصحراء الإفريقية، حيث أعلن مطلع عام 2018 «تنظيم الدولة فى الصحراء» الداعشى، بقيادة عدنان أبى وليد الصحراوى، التحالف مع جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» القاعدية، لمواجهة التحالف الأمنى المدعوم من فرنسا والمكون من 5 دول إفريقية هى مالى والنيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا وتشاد، متهمًا الجميع بالكفر الذى يجب «اجتثاث» جذوره بالقوة.