البابا فرنسيس: أكرموا والديكم كما أمر إلهنا

أقباط وكنائس

البابا فرنسيس الثاني
البابا فرنسيس الثاني


أجرى قداسة البابا فرنسيس الثاني، صباح اليوم الأربعاء، مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس واستهلَّ تعليمه الأسبوعي بالقول في الرحلة داخل الكلمات العشر نصل اليوم إلى الوصيّة حول الأب والأم، وهي تتحدّث عن الإكرام الواجب للوالدَين. ما هو هذا الإكرام؟ يشير التّعبير اليهوديّ إلى المجد وإلى القيمة، وحرفيًّا إلى "الوزن" أي إلى صلابة واقع ما. إنَّ الأمر لا يتعلّق بأشكال خارجيّة وإنّما بالحقيقة. إنَّ إكرام الله في الكتاب المقدّس يعني الاعتراف بواقعه والتنبّه لحضوره، وهذا الأمر يُعبّر عنه أيضًا من خلال طقوس ولكنّه يعني بشكل خاصّ أن نعطي الله مكانه الصحيح في حياتنا. ولذلك فإنّ إكرام الأب والأم يعني الاعتراف بأهمّيتهما حتى من خلال أعمال ملموسة، تعبّر عن الاهتمام والمودّة والعناية. ولكنّ الأمر ليس هذا وحسب.

وتابع : إنّها الوصيّة التي تحتوي على نتيجة؛ إذ تقول في الواقع: "أكرم أباك وأمّك، كما أمرك الرّبّ إلهك، لكي تطول أيامك وتُصيب خيرًا في الأرض التي يعطيك الربُّ إلهُك إيّاها". إن إكرام الوالدَين يحمل إلى حياة طويلة وسعيدة. وكلمة سعادة في الوصايا العشر تظهر فقط مرتبطة بالعلاقة مع الوالدين.

وأضاف: إنَّ حكمة آلاف السنين هذه تعلن ما تمكّنت العلوم الإنسانيّة من تحقيقه لقرنٍ خلا: أي أنَّ بصمة الطفولة تطبع الحياة بأسرها. غالبًا ما يكون من السّهل أن نفهم إن كان أحدٌ ما قد نما في بيئة سليمة ومُتِّزنة. وأن نلحظ أيضًا إن كان شخص ما قد عاش خبرات هجر أو عنف. إنَّ طفولتنا هي نوعًا ما كالحبر الذي لا يُمحى، تُعبِّر عن ذاتها في الذّوق والأسلوب حتى إن حاول البعض إخفاء جراح أصولهم.

وأكمل: لكنَّ الوصيّة الرّابعة تقول أيضًا أكثر. لا تتحدّث عن صلاح الوالدين ولا تتطلّب أن يكون الآباء والأمهات كاملين. تتحدّث عن تصرّف الأبناء، بغضِّ النظر عن استحقاق الوالدين وتقول أمرًا رائعًا ومُحرِّرًا: حتى وإن لم يكن جميع الوالدين صالحين ولم تكن جميع الطفولات هادئة، يمكن لجميع الأبناء أن يكونوا سعداء، لأنَّ بلوغ حياة كاملة وسعيدة يتعلّق بالامتنان الصّحيح تجاه من أتى بنا إلى هذا العالم.

أضاف: لنفكّر في قدرة هذه الكلمة على أن تكون بنّاءة للعديد من الشّباب الذين يأتون من خبرات ألم ولجميع الذين قد تعذّبوا في شبابهم. قدّيسون عديدون – ومسيحيّون كثر – عاشوا بعد طفولة أليمة حياةً منيرة لأنّهم وبفضل يسوع المسيح قد تصالحوا مع الحياة. لنفكّر في الطوباوي سوبليتزيو الذي ستُعلن قداسته في الشهر المقبل: شاب من نابولي أنهى حياته متصالحًا مع العديد من الآلام والأمور لأنَّ قلبه كان صافيًا ولم ينكر والديه أبدًا. لنفكّر في القدّيس كاميلو دي ليلّيس الذي ومن طفولة مُضطربة بنى حياة محبّة وخدمة؛ وفي القدّيسة جوزيبّينا بخيته التي نمت في عبوديّة فظيعة؛ أو في الطوباويّ كارلو نيوكي اليتيم والفقير وفي البابا يوحنّا بولس الثّاني الذي طبعه فقدان أمِّه في زهرة عمره.

واستطرد قائلا: إنَّ الإنسان، مهما كان تاريخه، ينال من هذه الوصيّة التوجيه الذي يقود إلى المسيح: فبه، في الواقع، يظهر الآب الحقيقيّ الذي يقدّم لنا "الولادة من علُ" (راجع يوحنّا ٣، ۳- ٨). إنَّ أسرار حياتنا تستنير عندما نكتشف أنَّ الله يعدُّنا منذ الأزل لحياة أبناء له، يكون فيها كلُّ تصرُّف رسالة نلناها منه.

وأضاف  تصبح جراحنا إمكانيات عندما نكتشف بفضل النّعمة أنّ السرَّ الحقيقيّ ليس بعد الآن "لماذا؟" وإنّما "لمن؟" حصل لي هذا الأمر. ما هو العمل الذي صاغني الله من أجله من خلال تاريخي؟ هنا ينقلب كلُّ شيء ويصبح ثمينًا وبنّاء؛ واختباري التعيس والأليم، يصبح في ضوء المحبّة من أجل الآخرين مصدر صحّة. فيمكننا عندها أن نبدأ بإكرام والدينا بحريّة الأبناء البالغين وبقبول رحيم لمحدوديّتهم. علينا أن نكرِّم والدينا لأنّهم منحونا الحياة! إن كنت قد ابتعدتَ عن والدَيك اجتهد وعُد إليهم، عُد إليهم لأنّهم ربما قد أصبحوا مسنّين... لقد أعطوك الحياة. من ثمَّ هناك عادة لقول الكلمات السيئة والشتائم ولكن من فضلكم لا تشتموا الوالدين أبدًا. إن الأب والأم لا يُشتمان أبدًا! خذوا هذا القرار في داخلكم من اليوم فصاعدًا لن أشتم بعد الآن أب او أمَّ أحد؛ لقد أعطوه الحياة ولا يجب أن يتعرّضا للشتم أبدًا!.

وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول هذه الحياة الرّائعة تُقدّم لنا ولا تُفرض علينا: إنَّ الولادة الجديدة في المسيح هي نعمة نقبلها بحريّة (راجع يوحنّا ١، ١١- ١٣) وهي كنز عمادنا الذي به وبفضل عمل الرّوح القدس، نصبح أبناء لأب واحد، ذاك الذي في السماوات (راجع متى ٢٣، ۹؛ ١ كور ٨، ٦؛ أفس ٤، ٦).