أوباما رشح وائل غنيم رئيسا لمصر وبروفة لثورة يناير فى «فلانتين داى» بين أشجار حديقة الأزهر!.. صفحات من مذكرات عادل حمودة

العدد الأسبوعي

عادل حمودة
عادل حمودة


ابتسم مبارك عندما رأيناه يحمل هدايا حفيده محمد من مول تجارى فى بكين خلال اجتماعات القمة الصينية الإفريقية!

علاء تلقى خبر السجن بفزع واضطراب وجمال طلب منه الهدوء والثبات! 

سوزان مبارك وصفت الموقف الأمريكى من نظام زوجها بالخيانة ولكنها لم تفكر فيما جرى لشاه إيران ونوريجا والسادات من قبل!

كل رئيس حكم مصر اختار لنفسه مدينة خارج العاصمة يستريح إليها ويفضلها عن غيرها.. جمال عبد الناصر انحاز إلى الإسكندرية التى ولد فيها.. ووجد أنور السادات فى الإسماعيلية ما يريح أعصابه.. والتفت مبارك بإعجاب إلى شرم الشيخ وتحمس لتنميتها وتجميلها حتى أصبحت منتجعا اختيارياً عالميا يجنى لمصر ربع حصيلتها من السياحة.

ولكن شاءت الأقدار السياسية التى صاحبت ثورة يناير أن تحول شرم الشيخ من مدينة ساحرة إلى منفى يلجأ إليه مجبرا هو وعائلته يوم تنحيه فى 11 فبراير 2011 فانتقلت الاضطرابات إليها خاصة عندما اعتبرها هيكل بؤرة للثورة المضادة.

وأسوأ من ذلك أن التحقيق مع مبارك جرى هناك فى اتهامات جنائية انتهت بحبسه على ذمة قضايا متعددة نظرتها أكثر من محكمة خلال الفترة من 13 أغسطس 2011 إلى 29 نوفمبر 2014 فيما سمى بمحاكمة القرن.

أما سر هذه التسمية المبالغ فيها فهو وجود رئيس جمهورية لأول مرة خارج السلطة وأكثر من ذلك أمام القضاء يحاكم ومهدد بالإعدام أو السجن المؤبد فالموت كان صاحب قرار التغيير الوحيد فى مصر فلم نعرف رئيساً سابقاً على قيد الحياة من قبل.

وللإنصاف فإن مبارك تلقى بعد الثورة أكثر من عرض للإقامة خارج مصر مثلما فعل الرئيس التونسى زين العابدين بن على هو وزوجته ليلى الطرابلسى حيث اختفيا عن الأنظار فى أحد القصور السعودية.

وجد مبارك أن هروبه سيكون عارا يلاحق ضابطا مثله خدم فى القوات المسلحة 25 عاما ولعب دورا حاسما فى حرب أكتوبر ووجد فى الهروب خيانة لثلاثين سنة من الحكم قضاها فى الرئاسة وهو موقف يحسب له وقرار جرىء فى أصعب أوقات حياته لم يكن لغيره اتخاذه مهما قويت أعصابه وصدقت بصيرته وسكنت أفكاره.

تحمل مبارك الحبس الاحتياطى شهورا امتدت إلى سنوات ولكن ما آلمه أكثر هو حبس ولديه علاء وجمال فهما أكبر وأشهر نقاط ضعفه سيحرمهم السجن من التمتع بالحياة وهما فى منتصفها وبينما تلقى علاء خبر الحبس بفزع واضطراب شهد المحامون لجمال بالهدوء والثبات.

وما أن وصلت شرم الشيخ لمتابعة التحقيقات التى تجريها النيابة العامة مع العائلة الرئاسية حتى تذكرت يوم شهدت المدينة الاحتفال بزواج جمال مبارك وخديجة الجمال فى 4 مايو 2009 وكيف عجزنا عن معرفة تفاصيل الحفل الذى أقيم فى فندق فور سيزونز حيث قام مالكه هشام طلعت مصطفى بواجب الضيافة تاركا مسئولية التنسيق لطاهر الشيخ لاعب الكرة المعتزل وخبير اللاند سكيب وغنى عمرو دياب ولم تنشر صورة واحدة لما جري.

تجنب مبارك أن يكون زفاف ابنه حديث المدينة مثل رجال الأعمال الذين ينفقون ملايين الدولارات على أفراح أبنائهم مثيرين الاستفزاز فى بلد ثلث سكانه على الأقل يعيش تحت خط الفقر.

ولم يخل زواج جمال مبارك من النميمة السياسية فقد اعتبره خصوم النظام خطوة ضرورية للتوريث فلم يكن ليقبل أن يعيش الرئيس القادم حياته الخاصة منفردا ومن جانبه وجد الوريث فى خديجة نموذجه المفضل بين الفتيات فهى تمتلك موهبة متميزة فى التواصل الاجتماعى ويسهل استيعابها لأعلى درجات البروتوكول.

وأتصور أن الألم النفسى الحاد الذى عانى منه مبارك بعد وفاة حفيده محمد جعل ألم الحبس بالنسبة إليه هينا وإن بدا لى أمرا مثيرا للدهشة أن يجد حاكماً نفسه فى زنزانة بعد أن كان فى الرئاسة.. لابد أنه يتمتع بقدرات خاصة لم نكن نعرفها عنه تجعله يتحمل ويصبر ويتجاوز الصدمة ليعود فيما بعد إلى الحياة وسط أبنائه وأحفاده متمتعا بصحة أفضل مما كان عليها فى سنوات حكمه الأخيرة.

كان مبارك يحب محمد بجنون وهناك صورة شهيرة لمحمد وهو يجلس على حجر جده وهو يقود سيارة دفع رباعى تكشف عن مدى حب مبارك للسيارات التى كان اقتناؤها إحدى هواياته غير المعلنة كما أنه لم يكن يتمتع بقيادتها منفردا إلا بعيدا فى ممرات مطار ألماظة.

وكثيرا ما أجبر محمد جده على تغيير خططه فلو أراد الصبى السفر إلى شرم الشيخ استجاب مبارك على الفور وتحركت الجهات اللوجستية المختصة.. تسبق وتجهز وتستعد.. ولو غير الصبى رأيه فور الوصول سارعت الجهات نفسها للاستجابة دون تذمر.

وفى عام 2008 سافرت إلى بكين لتغطية حضور مبارك اجتماعات القمة الصينية الإفريقية هناك وشاهدته بنفسى وهو يدخل المركز التجارى الملحق بالفندق الذى كنا ننزل فيه ليشترى ما أوصاه به محمد وشاهده غيرى فى ألمانيا داخل محل متخصص فيما يحتاجه من هم فى سن محمد.

كان الحفيد يعانى من ضعف فى شرايين المخ سبب له نزيفا حادا أودى بحياته وفى سعى العائلة لإنقاذه جاء طبيب أخصائى من ألمانيا على طائرة خاصة ولحق به طبيب آخر من فرنسا ولكن القدر لم يكن رحيما.

ومن جانبها لم تتردد جدته السيدة سوزان ثابت فى تأليف كتاب عنه فى ذكراه وحصلت الجامعة الأمريكية فى القاهرة على حقوق نشره باللغة الإنجليزية وحصلت دار الشروق على حقوق الترجمة إلى اللغة العربية.

وفى الخريف الأخير للنظام التقت السيدة سوزان ثابت فى غرفة طعام بيتها بممثلى الناشرين (مارك لينز عن الجامعة الأمريكية وإبراهيم المعلم عن دار الشروق) وطلبت منهما أن يكون غلاف الكتاب فى لون الذهب المشابه للون الحائط فى الغرفة التى يجلسون فيها ولكنها سرعان ما تراجعت قائلة: إنها تريد غلافا من الذهب عيار (24) وأضافت: ألا أستحق ذلك؟.

وكان مقررا أن يصدر الكتاب يوم 27 يناير ولكن الثورة التى سبقت صدوره بيومين قضت عليه فاختفت أصوله وصوره وبروفاته وترجمته ولم يعد أحد يأتى بسيرته فقد أصبح بالنسبة لمنفذيه جريمة بعد أن كان منحة عالية القيمة.

ولكن ما لفت النظر أن أحد الذين تحمسوا للكتاب وقاتلوا للحصول على إحدى طبعاته سرعان ما هاجم النظام الذى كان يترنح واستضاف ما سمى بلجنة الحكماء فى مكتبه وما ضاعف من الدهشة أن بعض من وصفوا أنفسهم بالحكماء كانوا من أكبر المستفيدين من النظام وربما كانوا سببا مباشرا فيما نسب إليه من فساد يكشف عن تحالف متين بين السلطة والثروة.

وبوفاة محمد اختفى مبارك بعيدا عن العيون والأحداث متعايشا مع أحزانه وآمن مقربون منه بأنه لو استقال فى ذلك الوقت لوفر على نفسه كثيرا مما عانى فيما بعد ولكنه أصر على البقاء فى الحكم حتى آخر نفس حسب ما صرح علنا فكان ما كان.

وبعد إقناع مبارك بضرورة لقاء أوباما قبل إلقاء خطابه فى جامعة القاهرة رصدت الكاميرات ظهور مبارك لأول مرة بعد مأساة حفيده ليبدو أمام عدساتها شاحبا منكسرا عاجزا عن نزول سلالم قصر القبة لاستقبال الرئيس الأمريكى وانتظر صعوده إليه ولاشك أن المشهد بكل ما فيه من دراما مؤلمة طبع صورة رئيس مسن فى عين أوباما.

وحسب ما سمعت من أحمد أبو الغيط فإنه شعر بالقلق من مظاهر الحزن التى سيطرت على مبارك وعجزه عن تجاوزها ولو لبضع دقائق خلال الزيارة.

ويضيف وزير الخارجية الأسبق: إن مبارك فى جلسة المباحثات مع أوباما لم يكن مؤثرا أو نشطا وعلى مائدة الإفطار بدا وكأنه غارقا فى أحزانه.

وبينما كان أوباما يلتهم الفطير المشلتت والفلافل وعسل النحل والفول المدمس اكتفى مبارك بكوب من النعناع ظل بين يديه طوال الإفطار.

هنا أتذكر أن هيكل أجرى حوارا مع صحيفة الشروق ذكر فيه كثيراً من المعلومات الخاطئة عن الزيارة فأنكر مثلا أن أوباما قبل دعوة الإفطار مضيفا: إن الرئيس الأمريكى لم يتناول الطعام فى قصر الإليزيه فهل يتناوله فى قصر القبة؟.

وشاءت الظروف أن أتناول العشاء مع جون فافرو مساعد أوباما وكاتب خطاباته على مائدة عمرو بدر مدير شركة السياحة التى رتبت للوفد الأمريكى برامجه وكان بجانبى الدكتور مصطفى الفقى وشخصيات أخرى وراح المسئول الأمريكى الشاب الذى لم يكن عمره يزيد على 28 عاما وقتها يسرد لنا الأسباب التى دعت لاختيار القاهرة ليتحدث منها أوباما معتذرا للرياض وإستنبول ومنها أن القاهرة عاصمة دولة مسلمة لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وتعرف تعدد الحضارات والديانات وأفرط فافرو ضاحكا فى وصف حالة رئيسه بعد تناول الطعام المصرى الدسم وأضاف: إن أوباما لم يشأ رفض دعوة الإفطار كما حدث فى عواصم أخرى فقد عرف من مستشاريه أن رفض الطعام فى دولة عربية يعتبر فى الثقافة الشرقية نوعا من العداء.

وبالمعلومات الوفيرة والدقيقة والصحيحة التى حصلت عليها وجدت نفسى فى ورطة فلو نشرتها فإن خصوم هيكل المنتشرون فى الصحف القومية سيعتبرون النشر خلافا بينى وبين هيكل ويصطادون فى المياه العكرة ولو لم أنشرها فإننى أكون قد خنت القارئ مجاملة لصديق.

وزاد من حجم الورطة أن هيكل كان خارج البلاد فلم استطع مراجعته فيما ذكر وقررت النشر ولكن بعد مقدمة طويلة أشدت فيها إلى احترام هيكل للمعلومات وتقديره لمن يحصل عليها واستعداده لمراجعة نفسه لو أخطا فيها ولم يكن ذلك صحيحا بالمناسبة.

ولم يتقبل هيكل ما نشرت وعندما التقيته فى قرية الرواد المطلة على الساحل الشمالى بعد عودته إلى مصر راح يبرر ما نشر من معلومات ولكنه رفض أن أنشر تبريره.

وقد حضرت خطاب أوباما ضمن عشرات السياسيين والفنانين والرياضيين والمثقفين الذين امتلأت بهم القاعة الكبرى لجامعة القاهرة وما أن بدأ أوباما بتحية السلام عليكم حتى سرى التفاؤل بين الحضور ولكننى شعرت بأن ما على لسانه يخالف ما فى قلبه فيما يمكن وصفه بـ التقية السياسية فخرجت الصفحة الأولى فى «الفجر» بمانشيت مقالى عن الحدث وكان أوباما لبسنا العمة وأعتقد أن المانشيت كان نبوءة تحققت طوال سنوات حكمه الثمانى.

لم يقتنع أوباما بما سمع من مبارك عن الإصلاح السياسى رغم أن مبارك استجاب إلى طلبه الملح وأفرج عن أيمن نور الذى سجن فى قضية تزوير استمارات تأسيس حزب الغد الذى كان يرأسه ولكن واشنطن اعتبرته سجين رأى كانت جريمته منافسة مبارك فى الانتخابات الرئاسية التى جرت عام 2005 وحصل فيها على أصوات لا بأس بها.

وليس هناك أدنى شك فى أن المشاهد السلبية التى جمعت مبارك وأوباما أثرت فى قرار أوباما بعد ثورة يناير.

لابد أن الرئيس الأمريكى الشاب الذى اعتبر بسبب لونه وصغر سنه نموذجا للتغيير شعر بأن على الرجل العجوز الرحيل بعد أن لاحظ عمق الهوة بينه وبين الأجيال الشابة فى ميدان التحرير.

وانعكس صراع الأجيال فى الإدارة الأمريكية الجديدة على الموقف من مبارك.. فريق الكبار طالب ببقاء صديقهم وكنزهم الاستراتيجى وتكون ذلك الفريق من وزير الخارجية هيلارى كلينتون المولودة عام 1947 ووزير الدفاع روبرت جيتس المولود عام 1943 ومسئول ملف الشرق الأوسط دنيس روس المولود عام 1948 ومستشار الأمن القومى توماس دينلون المولود عام 1948.. أما فريق الشباب فأصر على رحيل مبارك وكان على رأسه مستشار الشئون الدولية فى مجلس الأمن القومى بن رودس المولود عام 1978 ونائب مستشار الأمن القومى دينيس ماكدو المولود عام 1969 والمستشارة السياسية للرئيس سامنتا باور المولودة عام 1970.

وجرى حوار بين أوباما ومستشاره لشئون الديمقراطية وحقوق الإنسان مايكل ماكفلولين المولود عام 1962 كشف عن مدى انحياز أوباما إلى جيل الشباب:

ماكفلولين: سيادة الرئيس كيف ترى نهاية الأزمة فى مصر؟.

أوباما: ماذا أريد أن يحدث؟ أم ما أعتقد أنه سيحدث؟ أنا أريد أن ينتصر شباب الميدان وأن يصبح رجل جوجل (وائل غنيم) رئيسا لمصر أما ما أعتقد أنه سيحدث فهو أننا سنشهد عملية انتقالية طويلة للغاية.

ووائل غنيم أحد نشطاء شبكات التواصل الاجتماعى الذين استخدموا تكنولوجيا الاتصالات فى التحريض على نزول الميادين والبقاء فيها حتى تغيير النظام ونجحوا فى ذلك.

وهنا أكشف سرا لم يعرف من قبل وهو أن شباب الفيسبوك والتويتر اتفقوا على التجمع فى حديقة الأزهر يوم عيد الحب (فلانتين داى) يوم 14 فبراير عام 2010 وهم يرتدون شارة حمراء أو يحملون زهرة أو دبة حمراء وكأنهم يحتفلون بالعيد وكانوا فى الحقيقة يجرون بروفة للتجمع فيما بعد يوم 25 يناير التالى ونجحوا فى تضليل أجهزة الأمن التى لم تلتفت لتجمعهم فى ذلك اليوم مما يعنى أن التحضير للثورة لم يأت خلال الأيام القليلة التى سبقتها.

والمؤكد أن عائلة مبارك صدمت من الموقف الأمريكى ووصفته بالخيانة حسب ما سمعت من سيدة مصرية تعيش فى الولايات المتحدة والتقت بالسيدة سوزان ثابت التى تربطها بها صلة صداقة.

ولكن فات السيدة سوزان مبارك الحاصلة على شهادات أكاديمية عليا من الجامعة الأمريكية أن تراجع مواقف السياسة الخارجية الأمريكية من الحكام الذين انتهت صلاحيتهم مثل شاه إيران محمد رضا بهلوى ومانويل نوريجا حاكم بنما الذى قبض عليه وحوكم بتهمة الإتجار فى المخدرات بل إن أنور السادات نفسه يمكن أن تنطبق عليه هذه القاعدة فما أن نفذ ما عليه ووقع على اتفاقية سلام مع إسرائيل حتى كان عليه أن يرحل حتى يأتى خليفة له غير ملوث بحبر كامب ديفيد وإن كان عليه إقناع دول عربية أخرى بركوب قطار السلام.

والحقيقة أن السيدة سوزان ثابت شخصية قوية تسللت إلى السياسة من أبوابها الخلفية وتمنت فى سنوات حكم زوجها الأخيرة أن تحصل على جائزة نوبل للسلام بتجميع أطفال من جنسيات وديانات مختلفة فى مناسبات رتبت لها.

ولكن سرعان ما انتقلت من التأثير غير المباشر فى الكواليس إلى التأثير المباشر فى صدارة المسرح ويكاد كل الذين تابعوها أن يعتبروها الأكثر حماسا للتوريث.

على أن هناك وقائع أخرى تشير إلى تأثيرها فى مجريات العلاقات المصرية العربية تستحق تفاصيلها الانتظار.