«القتل العائلى» ..أين وزارة التضامن الاجتماعى؟

منوعات

محمود نظمى
محمود نظمى


 شهيرة النجار

زمان وأنا أعمل فى مجلة «صباح الخير»، وتصل إلىّ نشرة أخبار وزارة الداخلية ومديرية أمن الإسكندرية بشكل يومى عن كل الحوادث التى تتم فى مختلف أرجاء الأقسام والنقاط الأمنية، ولأن المجلة كانت أسبوعية وتتسم بالطابع الاجتماعى، اعتدت أن أقوم بتجميع القضايا ذات الطابع الواحد والربط بينها لعمل استبيان وحصر لها فى شهر أو شهرين، ثم أقوم بعمل تحقيق موسع عنها وأوجه الشبه والاختلاف فيما بينها، مثل قضايا السلاح والتموين والدعارة.

وآخذ أقوى الملامح وأسلط الضوء عليها، بالإضافة إلى السرقات التى تتسم بخيط يربطها معاً، مثل أن يكون اللصوص معارف أو أقارب، وكان أشد ما وقفت أمامه هو قضايا الدعارة وبعض قضايا القتل التى كان أبطالها بالنسبة لى شواذ أخلاقياً.

ذات مرة شاب قتل جدته من أجل الحصول على خمسة جنيهات، أو أن تقوم الأم بالترويج لابنتها أو أب يكون موظفاً يجلس على المقاهى ويختار زبائن لممارسة الرذيلة مع زوجته وابنته، وكان هذا أكثر الأشياء التى مرت على اشمئزازاً، وكان يتواصل معى بعض الباحثين الاجتماعيين لأخذ القضايا وأرقامها تلك التى استندت فيها للنشر والتحليل للظاهرة أو الموقف الفردى.

ومرت الأيام وبعدت عن هذا النوع من الكتابة، ربما لتغيير الاتجاه ولأن مواقع الإنترنت الآن أصبحت تصور الحدث لحظة وقوعه، فلم يعد مجدياً الحديث فيه أو تجميع قضايا متشابهة لنشرها، لكن ما نعيشه كمجتمع مصرى منذ عامين، وتحديداً آخر شهرين من زيادة جرعة الآباء والأمهات الذين يقتلون أولادهم أو الأسرة مجتمعة يحتاج لوقفة نفسية ومراجعة كبيرة.

بدأت قبل عيد الأضحى بأب يعود لمنزله بعد مشاهدة ماتش ويجد زوجته وأولاده جميعهم مقتولون، ويتبين بعد ذلك أنه تخلص منهم قبل النزول وادعى أثناء عودته وجودهم بهذه الحالة، وهو ابن فنان راحل نصف مشهور كان يشترك فى المسلسلات الدينية فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى، ثم يأتى الذى يدعى يوم العيد اختطاف نجليه ثم يتضح بعد ذلك أنه هو الذى قام بإلقائهما بالنيل.

وأخذت القضية اهتمام ومثار الرأى العام وتحليلات وتبريرات مثل «لا إنه كاذب ويحاول حماية باقى أسرته لأن فيها تجار آثار يهددونه، أو أنه تخلص منهما لتناوله المخدرات، أو أنه رافض المسئولية، وهكذا، حتى تحولت القضية للجنايات ليتزامن مع تلك القضية الخاصة بأم بالعامرية. الإسكندرية تشنق رضيعها فى الشباك وتتركه، ثم تعود وتدعى أنها عادت ووجدته هكذا.

وأم أخرى تتشاجر مع زوجها لأنه يمنعها من زيارة والدتها فتلقى بولديها فى النيل، ينقذ الناس منهما واحدا ويغرق الثانى، ثم تدخل على قضية خفير الشروق الذى قتل زوجته وأولاده لأنه يشك فى سلوك زوجته، ثم قضية الأسرة التى وجدت كاملة لأب وأربع أبناء متعفنة، ويتبين بعد اتهام الزوجة أنها هى التى تخلصت منهم، وهذا مؤشر خطير، لأن الآن أصبح دائرة اتهام الأبوين أولاً، بعد كم الحوادث التى تحدث ويتبين أن زوجة الأب هى التى تخلصت من زوجها وأبنائه، وقبلها قضية الرحاب الشهيرة، الأب الذى ينتحر وقبل انتحاره يتخلص من كامل أسرته.

وقبل أعوام، رجل البورصة الذى فقد كل أمواله بها فيقرر الانتحار وقتل كامل الأسرة ومبرره الخوف من البهدلة بعد الفقر ومواجهته، تلك الأحداث وخاصة الجرعة الأخيرة خلال هذا الشهر لأكثر من 6 قضايا من هذا النوع تطالبنا كمجتمع مصرى بالوقوف وإعادة ترتيب أوراقنا، وعلى وزارة التضامن الاجتماعى عمل لجان داخل وزارتها لتحليل تلك الظاهرة وتفنيد تلك القضايا الاجتماعية، كل على حدة، للوقوف على أسباب كل حادثة.

ماذا حدث؟ وما الذى طرأ على فطرة الله التى فطر الأبوين عليها؟، وهى غريزة الحنان والأمومة والأبوة، لقد تغيرت جينات المصريين.. اللهم سترك ولطفك، أسر كاملة يتم التخلص منها من جانب أحد الآباء، إما ذبحا أو شنقاً أو سماً أو كتماً للأنفاس، أنسينا منذ أشهر قليلة قصة الأم التى صرخت أن أولادها كاملين دخلت عليهم فوجدتهم متوفين ويتبين أنها هى التى قامت بوضع مخدر لهم فى الطعام قبل النوم حتى تتمكن من تكميم نفس كل واحد على حدة لتتخلص منهم، ولم يتحرك قلبها وأبناؤها يتعلقون بأيديها لإنقاذهم من التكميم، لتصبح تلك اليد التى كانت يد الأمان لهم هى يد الخروج من الحياة.

ويتبين أن السبب فى ذلك نفورها من والدهم، أين طبيعة الأم، أعرف أسراً كاملة سواء رجالاً أو سيدات لا يطيق أحدهما الآخر، ورغم ذلك الحياة مستمرة بينهما ويمثلان أمام أبنائهما أنهما يحبان بعضهما البعض من أجل أن ينشأ الأولاد نشأة طبيعية وحياة سوية، كفانا وإياكم شر تقلب النفوس وغدر الزمن، أكرر على وزارة التضامن الاجتماعى عمل لجان لتحليل تلك النماذج التى أصبحت ظاهرة.