"الانتحار" وسيلة هروب الضعفاء.. المراهقون الشريحة الأكبر.. وعشرينية: شوفت آخرتي في الغيبوبة

تقارير وحوارات

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


"أسهل طريقة للتخلص من ضغوط الحياة".. هكذا يعتقد الكثيرون استسلامًا منهم لما فرضته الظروف، ليصبح الانتحار هو خيارهم الوحيد للهروب من مقاومة مسؤوليات الحياة، لتصبح هذه الظاهرة اليوم ضمن أهم 20 سببًا للوفاة حول العالم، حيث أنها باتت المسؤول الأبرز عن وفاة أكثر من 800 ألف حالة، الأمر الذي يجعل من الانتحار تحديًا كبيرًا تواجهه المجتمعات سنويًا، إثر ازياد الحالات التي تعرضت له جراء مشاكل اختلفت أسبابها لتصبح النتيجة في النهاية واحدة.

وتعد الشريحة الأكثر عرضة لخطر الانتحار هي فئة المراهقين والشباب وفقًا لدراسات وأبحاث عالمية عدة، في الوقت الذي يفتقر فيه المجتمع والأفراد لكيفية القضاء على هذه الظاهرة وتوفير الحلول المناسبة التي بإمكانها مجابهة السلوك الانتحاري والوقاية منه.

انفصام في الشخصية
"ت.م" عانت لفترة طويلة من مرض نفسي تم تشخيصه على أنه انفصام حاد في الشخصية، وهو الأمر الذي سبب معاناة كبيرة للمحيطين بها، خاصة بعد تغير سلوكياتها بصورة ملحوظة، مما أدى إلى تراجع مستواها الدراسي.

كانت "ت.م"، تعيش مع جدتها منذ طفولتها بعد انفصال والديها، لتتحول حياتها بالكامل بعد فترة من الوقت، وتُصاب بهذا المرض النفسي الذي أدى لانحدار مستوى أخلاقها، ومع مرور الوقت بدأ الاكتئاب في السيطرة على حالتها النفسية مما دفعها لإنحاء حياتها.

العجز
يتذكر الشاب العشريني محمد السيد – اسم مستعار- جيدًا ما حدث لجاره ذو الخمسة وثلاثون عامًا، منذ فترة، حينما ألقى بجسده أمام عربة المترو للتخلص من حياته، بعد مروره بضائقة مالية واجه بسببها صعوبة في مواجهة أزمات غلاء الأسعار.

فيروي محمد السيد، أن جاره كان يسير شاردًا في الشوارع أغلب الأحيان، يضيق صدره بسبب ضغوط الحياة والأزمة المالية التي جعلته عاجزًا حتى عن شراء الحلوى لنجله الصغير، فلم يتحمل شعور العجز الذي دفعه لإنهاء حياته بهذه الطريقة.

شعور الوحدة
"م.ح" لم تطق العيش وحيدة بعد سنوات من فراق والدتها منذ أن كانت في سن الرابعة عشر من عمرها، فبالرغم من حالتها المادية اليسيرة، إلا أنها اختارت الموت لتلحق بوالدتها التي واجهت صعوبة العيش بدونها، وهو ما دفعها لمحاولة الغرق أكثر من مرة، والاستمتاع بتجربة قطع يديها بـ"الموس" وتأمل الدم المتناثر من فوق يديها.

محاولات عديدة فشلت فيها الفتاة العشرينية، التي نجت من الموت في كل مرة تحاول فيها الانتحار، وهو ما دفعها للاستسلام لحالتها، ومحاولة التأقلم مع الوحدة التي لازمتها بعد انشغال الجميع عنها.

تجربة يعقبها الأمل
تروي فتاة في العقد الثاني من عمرها عن تجربتها مع الانتحار، والذي كان سببًا في تغير حياتها، بعدما  استغرق هذا التحدي من عمرها خمسة أعوام، حينما التحقت بالمرحلة الإعدادية، وبدأت في المرور بعدة أزمات خلال فترة المراهقة، وهو ما دفعها إلى الدخول في اكتئاب مزمن قادها إلى التفكير في الانتحار.

فبعد علاقة حب نشأت بين الفتاة مع شاب دامت لأكثر من ثلاثة أعوام، فوجئت بخطبته لإحدى صديقاتها، وهو ما دفعها لإنحاء حياتها في ظل غياب الأب وانشغال الأم بالحفاظ على زوجها دون الاهتمام بأبنائها، لتقرر ذات يوم خوض تجربة الانتحار بتناول كمية مفرطة من العقاقير، واستخدام "الموس" لقطع الشرايين.

"شوفت أخرتي وأنا في الغيبوبة".. بعيون أغرقتها الدموع؛ تذكرت الفتاة العشرينية لوهلة تفاصيل هذه اللحظة الفاصلة في حياتها، حينما دخلت في غيبوبة لمدة أسبوع، رأت خلالها العديد من الكوابيس التي فسرتها بأنها غضب من الله عليها.

هذه التجربة القاسية، كانت درسًا رادعًا للفتاة، التي استفاقت من غفلتها على الفور، وبدأت في التقرب من الله، بعدما أيقنت أن قوة إيمانها به هي الحل المثالي لكافة المشاكل والأزمات التي يمر بها الإنسان، والذي كان بداية نقطة تحول فارقة في حياتها، حيث تمكنت من النجاح في الالتحاق بكلية الطب وتحقيق حلمها بجمع شمل أسرتها من جديد.

"المراهقون" الشريحة الأكبر.. وهذا هو الحل
ومن جانبه، أكد الدكتور جمال فرويز أستاذ الطب النفسي، أن الحالات المُنتحرة أكثرهم من المراهقين، بسبب شعور فقدان الأحباء، والكفر بالله، وانفصام الشخصية.

وأشار "فرويز" في تصريح خاص لـ"الفجر"، إلى أن نسبة تجربة الانتحار عند الفتيات أقل من الذكور لاستخدامهم وسائل اكثر عنفًا في القتل

ونفى أستاذ الطب النفسي، أن تكون الحالة المادية هي السبب الرئيسي للانتحار، موضحًا أن السبب يعود إلى الأمراض النفسية، والاكتئاب السودوي، والهلاوس السمعية، وهو ما يجعل المريض يلجأ للانتحار.

وكشف عن طريقة تسجيل حالات الانتحار في المستشفيات، لافتًا إلى أنها تسجل تسمم غذائي في حال تم إنقاذ المُنتحر، بينما يسجل المتوفي على أنه مُنتحر إذا أودى الانتحار بحياته.

وشدد الدكتور جمال فرويز، على ضرورة تفعيل دور الطب النفسي في مصر، مع وجود أخصائي نفسي في كل شركة ومصنع لتأهيل العاملين بالجهات نفسيًا وعدم تعرضهم لحالات اكتئاب، منوهًا على أنه يجب تفعيل دور وسائل الإعلام وتعليق لافتات في الشوارع، والتركيز على قضية الانتحار في المسلسلات والأفلام بطريقة إيجابية، وشن حملات ممنهجة تحت مُسمى "المرض النفسي مش وصمة".

حكم الانتحار
وقال الشيخ الأزهري محمد هشام، إن الانتحار من كبائر الذنوب، مشيرًا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيًّن أن المنتحر يعاقب بمثل ما قتل نفسه به.

واستند"هشام" في تصريح خاص لـ"الفجر"، على حديث نبوي، وهو:"مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً".

ولفت الشيخ الأزهري، إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم سن لأهل العلم والفضل أن يتركوا الصلاة على المنتحر تأسيًا بالرسول صلى الله عليه وسلم كعقوبة له وزجرًا لغيره ممن قد يحاولون تقليد هذا السلوك.

وأوضح أن هذا لا يعني عدم الدعاء للمنتحر، حيث أنهم الأكثر حاجة له، مضيفًا أن الانتحار ليس كفرًا مخرجًا عن الملة، بل هو من كبائر الذنوب.