د. أماني ألبرت تكتب: حالة مختلفة

مقالات الرأي

د. أماني ألبرت
د. أماني ألبرت


لم أتوقع يومًا أني سأدخل المستشفي الجامعي ببني سويف أو أقضي داخل أروقتها وممراتها وعنابرها هذا الوقت الطويل. ورغم شدة المحنة التي مررت بها على أثر حادث طريق لصديقتي وشقيقتي د. الشيماء صبحي إلا أن وجودي مترددة لمدة 25 يوم مكنني أن أتابع وأراقب عن قرب طبيعة العمل داخل المستشفيات الجامعية. وللأمانة لم يكن لدى أى توقعات أن أرى شيئًا مختلفًا عن أى مستشفيجامعي أخر،فلديها نفس الإمكانيات الموجودة بأي مستشفى عام، وربما نفس الأجهزة الطبية.ولكنى هناك لمست "حالة مختلفة". 

كانت البداية بقسم الطوارئ، الذي أثبت جاهزيته في استقبال الحادث ومتابعته وتقديم ما تحتاج له ثم قسم جراحة المخ والاعصاب الذي أدي عمله بإمتياز. ومع ترددي في الأيام الأولى،كانت أولى ملاحظاتي هو التواجد الدائم لمدير الطوارئ الدكتور ريمون بشرى. فاستغربت أنه متواجد طوال الوقت بالمستشفي ثم عرفت من زملاء لى أنه يبقي مستيقظًا 48 ساعة ولا يغادر إلا حينما يطمئن على الحالات. فقلت لعلها صدفة. 

ثم أوقفتني تصرفات الممرضة "سهام" فما اعتدناه أن يكون التمريض مشغول لكثرة الأعداد ولكنى وفي كل مرة أدخل أجدها بالقرب من سريرها، مرة ترتب الغطاء ومرات تتابع العلاج.  

ثم لفت انتباهي مرور عميد كلية الطب الأستاذ الدكتور وائل الشاعر، ومتابعته والرجل قامة علمية كبيرة، رغم هذا لم يتأفف من كثرة الأسئلة بل أرسل بإجاباته رسائل ضمنية للطمأنة. 

ثم لفت انتباهي شخص أخر متفان في عمله، متابع لكافة الحالات، مكتبه مفتوح للجميع، ورغم التعقيدات الإدارية المنوطة به إلا أنه يحفظ عن ظهر قلب مكان كل طبيب وموعد تواجده! إنه الدكتور عماد البنا مدير المستشفي.

بالصدفة لمحته في أوقات متنوعة من اليوم، صباحًا وظهرًا ومساءًا، وصُدمت حينما اتصلت به تليفونيًا يوم الجمعة 17/8/2018 بعد صلاة الظهر معتذرة لإزعاجه في يوم الأجازة فرد بصوت واضح "أنا بالمستشفي يا دكتوره،ومريت على د. شيماء وهي بخير"!! أدركت أن هناك شيء مختلف، فالأمر ليس صدفة. 

ولأنى أكاديمية فأنا أدرك تمامًا مشغوليات رئيس الجامعة.الأستاذ الدكتور منصور حسن. وهو بالأصل طبيب، كان عميد لكلية الطب بجامعة بني سويف وكانت المستشفي بيته الأول قبل رئاسة الجامعة. ورغم مشغولياته الشديدة وسفره للخارج واعباءه الإدارية. إلا أنى لم أجد تفسيرًا لما يفعله داخل المستشفي سوى لكونه إنسان. الرجل رغم قامته تجده يتلامس مع الالام البسطاء وهمومهمفي تواضع شديد. ورغم تفوقه العلمي لا مانع عند هذا البروفسير الكبير من الشرح والتبسيط لغير المختص.

خلال فترة تواجدى بالمستشفي زار الدكتور منصور المستشفى مرات كثيرة، أحد المرات كانت الساعة الواحدة صباحًا للمتابعة، ولما مر على حالة صديقتي كان مفترض عمل فحص قاع عين. فإذ به بصفته طبيب عيون يقوم بعمل الفحصبنفسه!

أدركت أن الأمر ليس صدفة في كل مرة، فقد أحسن الدكتور منصور اختيار قياداته واطباءه المسئولين. وهو مطمئن تماماً أن لديهم نفس العقيدة، رعاية المريض والاهتمام به رغم محدودية الامكانيات.وتخفيف الالام والاوجاع، وإعطاء وقت للمريض. إن سر النجاح هو القدرة على التواصل مع كل الأشخاص رغم إختلافهم. ومثل هذه اللمسات الإنسانية تصنع فرقا في حياة كثيرين. 

لقد وجدت داخل المستشفي نموذجًا عمليًا سأستعين به حينما أدرس طلاب العلاقات العامة حول دورها في تكوين صورة إيجابية عن المؤسسة. فكل فرد صغيرًا أم كبيرًا،كان جهاز علاقات عامة متنقل يحمل معه رسالة ضمنية "أن الدنيا بخير".

وجدت أشخاص يتفانون في عملهم، رغم الألم الذي يحيط بهم من كل ناحية. ورغم الخطر الذي يحف سرائر مرضاهم، كانت نفوسهم مطمئنة يفعلون ما عليهم بمنتهى الأمانة والإخلاص.

ولما بحثت عن أدائهم وجدت طبقًا لاحصائيات المجلس الاعلى للمستشفيات الجامعية أنهم انهوا 86% من قوائم الانتظار وربما وقت كتابة هذه الكلمات يكونوا قد انتهوا منها كلها. وجدت استضافة لأساتذة واستشاريين أجانب والاستعانة بخبراتهم في عمليات كثيرة. وجدت حضور ومتابعة مستمرة بداية من عمال النظافة، للتمريض، للاداريين، للطاقم الطبي، لأفراد الأمن، لمدير المستشفي، لرئيس الجامعة.

جميلة هذه الروح الموجودة من أصغر ممرضة لأكبر طبيب. إنها روح مختلفة من التناغم والتضافر يغلفها الإخلاص في العمل. وكما ننتقد السلبيات وجب أن نسلط الضوء على نموذج إيجابي. 

هذه المستشفي حالة مختلفة. الكل يعمل بتناغم كفريق عمل، يعزف مقطوعة موسيقية جميلة، ويمثل أداء كل فرد نغمة موسيقية تكمل إحداها الاخرى لتقدم - في أشد الأوقات حزنًا -شعاع أمل وبصيص نور أن القادم أفضل إن شاء الله.