منال لاشين تكتب: عودة الساحليين

مقالات الرأي



ابن رئيس وزراء أول من روّج لـ"مراسى" فباع 20 فيللا فى حفلة

العلمين ستصبح تاج الساحل الجديد

حرصت الحكومات على قلة الفنادق والإيجار لإبعاد الناس العادية


أخيرا بدأت أفواج الساحليين فى العودة للقاهرة، و«الساحليين» تعبير ابتكرته تمييزا لهذه الفئة عن المصيفين العاديين من أهل الطبقة الوسطى. والساحلى مختلف تماما عن المصيف ليس فقط فى المستوى المادى ولكن فى نمط الإجازة لدى كل منهما. والساحل لدى الساحلى ليس مجرد بحر فقط. بل ولقاءات وسهر مستمر طوال الليل. وحمام السباحة له جاذبية عن البحر لدى شباب الساحليين. والانتقال بين القرى أصبح بالكاش مايوه للنساء، ولذلك ارتفعت قيمة وأهمية الكاش مايوه لدى نساء الساحليين أو الساحليات أكبر من المايوه نفسه. المثير أن الحكومة انحازت بكل ما تملك من إجراءات وموازنة للساحليين على حساب المصيفين من عامة الشعب.


1- طرق الساحلي

لا يهتم المصيف كثيرا بطول الطريق، فهو يسافر للتصييف مرة واحدة فى العام ولذلك فإن مطلب الملايين من المصريين هو طرق آمنة، ولكن الأمر يختلف للساحلى. فهو يستخدم الطريق مرتين كل أسبوع للذهاب لفيللته أو شاليه فى الويك إند.ولذلك يحتاج الساحلى إلى طرق سريعة وقصيرة، ولذلك دأبت الحكومات المتعاقبة فى مصر على ابتكار طرق أقصر للساحل الشمالى مع الاهتمام الفائق بجودة الطريق ليتحمل السرعات الرهيبة للساحليين لأنه الوقت لديهم يساوى مالًا. وقبل الصيف بأشهر تجد الحكومة تطمئن مواطنيها الساحليين بإجراء الإصلاحات على طرق الساحل وربما ابتكار طريق جديد أسهل وأقصر. وتتجاهل الحكومة طرق مصيفى الإسكندرية وبلطيم وبورسعيد والإسماعيلية وجمصة والإسماعيلية والسويس. فالمصيفون فى هذه المصايف والمحافظات مجرد أرقام لدى الحكومة. أما البشر الآخر فيستحق طرقا آمنة وسريعة.

ثمة ملاحظة أخرى يمكن ملاحظتها فى الطرق تتعلق بالخدمات. فأمام كل قرية من قرى الساحليين، خاصة الثرية منها، تجمع كافيهات شهيرة ومحطة للوقود، وذلك لخدمة سهرات وليالى شباب الساحليين، لأن الملل يدفعهم إلى ترك القرية إلى أماكن جديدة للسهر والتجمع. ولكن خدمات المصيفين لم يطرأ عليها جديد منذ عشرات السنوات. ثلاث أو أربعة كافيهات فى الطريق حتى الساحل. والسبب أن الساحلى ليس لديه لا الوقت ولا الحاجة لقضاء وقت فى كافيه لأن الطريق لا يستغرق ساعتين أو ساعتين ونصف الساعة بسرعات الساحليين. ولذلك لم تتغير كافيهات أو خدمات المصيفين بل لم تزد عددها رغم تزايد أو بالأحرى تضاعف أعداد المصيفين بعشرات المرات.


2- درة التاج الساحلي

حتى الآن تحتل «مراسى» لقب درة تاج الساحل. وحين بدأ التفكير فى مراسى بدا المشروع لأهل مارينا مجنونا وراهن بعضهم على فشله. ولم يثر دهشتى أن أول ترويج أو تسويق لمراسى بدأ فى فيللا ابن رئيس وزراء سابق. فقد تطوع الرجل أن يقيم حفلة تسويق لمراسى. وفى هذه الحفلة بيعت 20 فيللا مرة واحدة.. وبدا أن مستوى الرفاهية التى تقدمه مراسى سيصيب جمهورية مارينا فى مقتل. فسرعان ما زادت عدد القرى فى سيدى عبدالرحمن ثم رأس الحكمة. ولكن من المؤكد أن درة تاج الساحل الجديدة هى العلمين. فالمشروع الذى لايزال تحت الإنشاء يسحب البساط من مراسى، خاصة أن عدد الفيللات أقل بمعنى أن النخبة فى العلمين ستكون أقل عددا وهو ما يزيد من جاذبية المكان للساحليين. فالقاعدة لدى الساحلى هى أن الندرة تزيد القيمة. وفى هذا يتبع الساحلى أهم قواعد علم الاقتصاد. ولكن مراسى ستحتفظ بمكانتها الساحلية المتميزة وإن نافستها قرى جديدة تبنى على امتداد الساحل.


3- الساحل لمن؟..

منذ تدشين مارينا حافظت الحكومة على إغلاق الساحل أمام الطبقة الوسطى خاصة الفئة المتوسطة من الطبقة. وقد لاحظ الدكتور جلال أمين أن مارينا تحولت إلى مكان جديد للنخبة بعيدا عن أعين المتطفلين، حيث صار السهر وحتى الزواج قاصرا على أهل جمهورية مارينا وأن الأسوار العالية تعزز الحاجز بين الطبقتين.

ولاشك أن الدكتور جلال كان على حق تماما. فقد حرصت الحكومة على قصر الساحل على فئة بعينها. فلم تحاول الحكومة منح تراخيص لفنادق الثلاث نجوم فى كل قرية من قرى الساحل. لأن بناء فندق أو أكثر من هذا النوع كان سيتيح لمئات بل مئات الآلاف من المصريين التمتع بالساحل الشمالى من خلال قضاء إجازة قصيرة فى الساحل تناسب ميزانية الطبقة الوسطى. وهذا الحل كان سيتيح للساحلى التمتع بالساحل طوال الصيف، بينما يتمتع المصيف بعدة أيام فقط فى جنة الساحل.

كما أن الحكومة حرصت على أن تذهب فيللات وشاليهات الساحل للأثرياء فقط من خلال الاعتماد على نظام التمليك فقط. فقد منحت النقابات وبعض الوزارات قطع أراضى فى الساحل. ولكنها أصرت على أن تذهب هذه القطع إلى أثرياء النقابات فقط دون أن يستفيد منها كل أهل المهنة أو موظفو الوزارات أو الجامعات. لأن كل هذه القرى عرضت للتمليك. ولو طرحت الحكومة القرية بنظام الإيجار أو الشقق الفندقية لأتاحت لكل أبناء المهن والوزارات والجامعات التمتع بجنة الساحل. ولكن كان المقصود منذ البداية استبعاد الشعب لصالح فئة الساحليين فقط.فلم يخطر فى بال حكومات رجال الأعمال أن من حق الشعب التمتع بهذا الجمال.بل إن إحدى الحكومات ارتكبت فضيحة. ففى مرسى مطروح وتحديدا فى شاطئ كليوباترا. كانت هناك قطعة أرض مخصصة للعاملين فى الجمارك. وبعد بناء الفندق قررت وزارة المالية بيع حق الانتفاع بالفندق لصالح أحد الفنادق. فقد رأت أن هذا الجمال أروع من أن يستفيد به عامة الناس. وخلال حركة البناء النشط حاول بعض الكتاب والعقلاء تنبيه الحكومة إلى ضرورة إقامة فنادق كثيرة من فئة النجمتين والثلاث نجوم واشتراط تخصيص نسبة من القرى للإيجار لإتاحة الفرصة أمام كل المصريين للاستمتاع بالساحل. ولكن لا حياة لمن تنادى. فقد تواطأت الحكومات مع الملاك لإبعاد عامة الشعب عن سواحلهم وقراهم ومطاعمهم وأماكن سهرهم. فوجود الغرباء سيزعج الساحليين ويقلق راحتهم. ويسمح لعامة الشعب مشاركتهم فى التمتع بالساحل. وهذا وحده كفيل بأن يفسد متعة الساحليين. ولذلك فإن مقولة إن مصر كلها فى الساحل لا تعبر عن الحقيقة كثيرا أو قليلا. فالساحل كان ولا يزال تدشينا لفئة النخبة الجديدة وتزاوج السلطة بالثروة. وكلما تغيرت النخب الحاكمة سيحدث تغيير مواز فى الساحل وخريطة قرى كريمة النخبة فى الساحل. لأن النخبة من حقها أن تختار مكانا جديدا كمقر صيفى للحكومة. وقد لاحظت ابتعاد بعض الوزراء والقيادات الجديدة عن هاسيندا بدعوة أنها مقر مصيف لمبارك ولذلك تصوروا أنه مصيف الفلول... وهذه أكبر نكتة سمعتها عن حكاوى الساحل.


وكل عام وأنتم بخير

الأسبوع القادم

رجعنا للدراسة