مصطفى محرم يكتب: عن السينما والأدب

الفجر الفني

مصطفى محرم
مصطفى محرم


يحاول أى فن فى بدايته أن يقلد مظاهر الحياة، بل يحاول أن يكون صورة قريبة جداً من هذه المظاهر التى تحيط به من كل جانب وهذا ما نطلق عليه الشكل البدائى للفن أو الفن فى مرحلة طفولته.

 

بدأ المسرح مجرد طقوس فى أعياد الإله ديونيسيوس فى بلاد اليونان، وبدأ فن التصوير منذ عهود سحيقة، حيث حاول الإنسان تسجيل صور من حياته اليومية الروتينية على جدران كهوف «لاسكو»، واستوحى فنان الموسيقى من أصوات الطبيعة حوله وأصوات الطيور واستخدم فى البداية آلات النفخ البدائية من أعواد البوص.

 

ويتطور الفن وتتسع الرؤية تدريجياً ويعثر الفنان على شخصيته الفنية، ويتغير مفهومه للحياة والإبداع حتى عندما يقوم بتقليد الحياة فإنه يقلدها بشكل آخر ينبع من فكره وإلهامه بحيث تصبح هى الحياة، ولكنه ينفث فيها من روحه وتعبر عن وجهة نظره، أو كما قال الشاعر الإنجليزى الكبير ألكسندر بوب فى قصيدته الشهيرة «مقال فى النقد» إن «الفن هو الطبيعة ولكنه الطبيعة مقننة».

 

وباعتباره أحد أشكال التعبير، فإن الفيلم السينمائى يتشابه مع غيره من وسائل التعبير أو وسائط الإبداع أو بمعنى آخر وسائط الاتصال الفنية، لأن الخواص الأساسية بوسائل الاتصال الأخرى قد جرى نسجها داخل بنيتها الثرية،

 

وللفيلم السينمائى أيضاً بنيته الثرية، ويستخدم العناصر المركبة لكل الفنون البصرية: الخط، الشكل، الكتلة، الحجم والنسيج، ومثل التصوير يستخدم الفيلم التفاعل الدقيق للضوء والظل، ومثل النحت فإنه يعالج ببراعة الفراغ بأبعاده الثلاثة، ولكن مثل البانتوميم يركز الفيلم على الصورة المتحركة، ومثل الرقص فإن لمثل هذه الصورة المتحركة إيقاعا، وتشبه الإيقاعات المعقدة للفيلم تلك التى نجدها فى الموسيقى والشعر وبالأخص مثل الشعر، فإن الفيلم يقوم بالتوصيل من خلال المجاز والاستعارة والرمز، ومثل المسرح يقوم الفيلم بالتوصيل بشكل بصرى وشفاهى: بصرى من خلال الحدث والإيماءة، وشفاهى من خلال الحوار، وفى النهاية مثل الرواية فإن الفيلم يوسع أو يضغط الزمان والمكان ويتحرك للوراء والأمام بحرية داخل حدودهما العريضة.

 

ويمكن قراءة الرواية على فترات ولكن الفيلم قبل اختراع الشرائط والأسطوانات المدمجة كان لابد من مشاهدته كله فى جلسة واحدة وإذا كانت هناك رغبة فى رؤيته مرة أخرى أو مرات فيجب التردد على دار السينما لمشاهدته كاملاً أو مشاهدة أجزائه على فترات إذا كان هذا لضيق الوقت الشديد. أشكال السرد الروائى مختلفة وعديدة كما تقول الأديبة الأمريكية الكبيرة جرترود شتاين: «ما لدى أى إنسان أن يقوله بأى طريقة عن أى شىء ممكن أن يحدث أو قد حدث أو سوف يحدث بأى شكل ما».

 

وقد كانت الرواية أكثر حرية من الفيلم فى هذا المجال، ولكن بعد تطور السينما وبالتحديد التطور فى فن السيناريو أصبح مجاراة الفيلم للرواية بل التفوق على الرحاية فى مجالات السرد، ويساعدها على ذلك أن الروية البصرية تهيئ لها الرجوع إلى الخلف والتقدم إلى الأمام وإبراز تيار الوعى المرئى. يقول المخرج الروسى العظيم سيرجى إيزنشتين إن المخرجين ينحدرون من الأدباء ويحملون تراثهم وأعطى مثلاً بالمخرج الأمريكى د. جريفيث وهذا ليدافع عن قيمة القصة فى السينما.

 

يرى بعض النقاد أن هناك روائيين يعمدون إلى توكيد المعانى والإسهاب فى التفاصيل مثل بروست أو تركيزها وبلورتها وهذا صعب للغاية لنقل هذا الإحساس فى السينما بنفس الشكل والتفاصيل خاصة بالنسبة لرواية مثل رواية «يوليسيس» لجيمس جويس، يجب أن يعلم هؤلاء النقاد أن اللقطة السينمائية أبلغ وأكثر إيجازاً وتأثيراً من عدة صفحات، وعلى سبيل المثال وصف هوميروس لدرع أخيليس فى عدة أبيات استغرقت عدة صفحات بينما تستطيع السينما أن تعرض الدرع فى لقطة واحدة لا تستغرق على الشاشة أكثر من دقيقة بحيث يحيط المتفرج بكل ما فى الدرع من جمال.

 

المقال نقلا عن "المصري اليوم"