عادل حمودة يكتب: ترامب يهوى ولكنه لن يرحل

مقالات الرأي



اللوبى اليهودى والجمهوريين لن يسمحوا برحيله

المباحث الفيدرالية اخترقت حسابات محاميه وسجلاته الضريبية وأجهزة الكمبيوتر الشخصية

وقف نشر أسرار علاقته الجنسية بـ«كارين ماكدوجال» مقابل 150 ألف دولار وتعويض بالتقسيط للصحيفة

منع إعلان مذكرات «ستيفان كليفورد» الجنسية معه وتخفيف العقوبة عليه فى الضرائب بسبب التهرب من 9 ملايين دولار

إدانة مايكل كوهين فى 8 جرائم ولكن الجمهوريين لهم كلمة أخر


لم يعد ترامب طبيعيا فى مشيته أو جلسته أو نظراته وسيطرت على وجهه ملامح المقامر الذى على وشك أن يخسر كل ما كسب.

جلس أمام كاميرات قناة فوكس نيوز وهو يضحك ضحكا عصبيا.. ويحرك يديه حركة عصبية.. وبدا وجهه مزيجا من لون الشمع الأصفر.

أنا أو الفقر قالها ترامب على طريقة مبارك فى لحظات ما قبل النهاية: أنا أو الفوضى وكأن الحاكم بيده وحده مفاتيح الجنة أو لهيب جهنم وكأن الأمة تولد على يديه وتموت على يديه.

وكان السؤال الذى طاف الولايات المتحدة من نيويورك فى الشرق إلى كاليفورنيا فى الغرب: هل يقايض الشعب الأمريكى كرامة نظامه السياسى بفطيرة بيتزا أو شطيرة بيرجر أو زجاجة مياه غازية فملى سايز؟.

كان ترامب حزينا.. ضائعا.. غير مستريح لما يجرى حوله.. ولكنه.. لم يستطع أن يفعل شيئا.. فقد دخل السيف فى القلب وانفجرت شرايين الدم.

أمام محكمة فيدرالية فى نيويورك اعترف محاميه مايكل كوهين تحت القسم بأنه ارتكب ثمانى جرائم انتخابية نفذها بعلم ترامب مستفيدا منها وسهلت وصوله إلى البيت الأبيض.. ولكنها.. تهدده الآن بالطرد منه.

لم يكن أمام كوهين طوق نجاة أو منفذ خروج بعد أن اقتحمت المباحث الفيدرالية مكتبه وبيته وفندقه واخترقت حساباته ووضعت يدها على هواتفه المحمولة وسجلاته الضريبية وأجهزة الكمبيوتر الشخصية وحدث ذلك دون سابق إنذار لتفادى تلاعبه فى الأدلة التى كان من السهل التوصل إليها.

كان كوهين لا يمل الحديث علنا عن استعداده لتلقى الطعنات نيابة عن ترامب فإذا به يجبر على توجيه الطعنات إليه بنفسه فى وقت تزاحمت فيه الخناجر والسكاكين حول رقبة رئيسه بل لامستها.

دفع كوهين أموالا لنساء عرفن ترامب سرا حتى لا يفضحن علاقتهن به فى وقت الانتخابات ولكن الأخطر أنه شهد على انتهاك ترامب قوانين تمويل الحملات الانتخابية بتلقى دعم مالى لم يفصح عنه مما يعد جريمة فيدرالية تهدد شرعية حكمه.

فى يونيو 2016 وقبل بدء حملة ترامب بشهر عرف كوهين من شركة بيكر ناشر مجلة ناشيونال إنكويرز المتخصصة فى فضائح المشاهير أن كارين ماكدوجال نجمة المشاهد العارية فى مجلة بلاى بوى اتفقت مع الصحيفة على نشر أسرار علاقتها الجنسية بالمرشح الجمهورى ترامب مقابل 150 ألف دولار وطلب كوهين إيقاف النشر وتعويض الصحيفة بما يرضيها ووافق ترامب على الصفقة.

ولكن ترامب لم يدفع التعويض من حسابه الشخصى ولو فعل لما كانت هناك جريمة ولكنه دفعه على أقساط (كل قسط 35 ألف دولار) من حساب مؤسسته تحت بند وهمى (استشارات قانونية) مما يعد انتقاصا من قيمة الضرائب التى على مؤسسته دفعها وهى جريمة فيدرالية واعتبر المبلغ تمويلا للحملة الانتخابية لم يفصح عنه لتصبح الجريمة جريمتين.

وتكررت الواقعة ذاتها مع الممثلة الإباحية ستيفانى كليفورد.

ورغم أن كوهين يعمل مديرا تنفيذيا لدى ترامب فإنه نجح فى تحقيق أرباح بعيدة عنه (من تأجير تراخيص يمتلكها لتسيير سيارات تاكسى فى نيويورك وشيكاغو وإقراض سائقيها) وصلت إلى 4 ملايين دولار لم يبلغ عنها الضرائب وهو ما دفعه للاعتراف على ترامب لتخفيف العقوبة عليه فى صفقة مع المحققين الفيدراليين.

وقع زلزال كوهين بعد ساعات قليلة من اتهام بول مانافورت رئيس حملة ترامب فى 18 جريمة ولكنه أدين فى ثمان منها تتعلق بالتهرب من الضرائب والاحتيال على المصارف وعدم الإبلاغ عن حساب أجنبى وأعلنت هيئة المحلفين بالإجماع أنه مذنب.

وفى واشنطن سيخضع مانافورت الشهر القادم إلى محاكمة أخرى باتهامات تتعلق بغسيل الأموال والتلاعب بالشهود والكذب على السلطات.

وكشفت محاكمة مانافورت عن اتهام جنائى ضد 33 شخصا من رجال ترامب منهم مايكل فلين مستشار ترامب السابق للأمن القومى وجروج بابادوبلوس الرجل الثانى فى حملته.

وتلى زلزال كوهين تعاون مستشار البيت الأبيض دون مكجوان مع روبرت مولر المكلف بالتحقيقات فى تجاوزات ترامب الانتخابية الذى سجل ثلاثين ساعة من اعترافات مكجوان بات مؤكدا أن فيها ما يصيب ترامب بالسكتة السياسية.

أدت هذه الاعترافات إلى إيقاف روجر ستون مساعد ترامب بتهمة سرقة حساب رئيس حملة هيلارى كلينتون وتسريب مستنداته إلى وكيليكس للتشهير بها.

كما كشفت الاعترافات عن لقاء سرى بين دونالد الابن الأكبر لترامب مع محامية روسية خلال الحملة الانتخابية أرسلتها موسكو للحصول على معلومات ضارة عن هيلارى كلينتون وكان ترامب على علم بذلك.

والأخطر أن جاريد كوشنر صهر ترامب وزوج ابنته كان له حق الاطلاع على التقارير عالية السرية لوكالات المخابرات الأمريكية ولكنه لم يحتفظ بما فيها من معلومات تتعلق بالأمن القومى لنفسه وإنما استغلها فى علاقاته التجارية بنقلها إلى شخصيات سياسية أجنبية اتخذت إجراءات داخلية حادة بناء عليها وأصبحت حديث العالم مما يقرب ترامب وكوشنر من تهمة الخيانة.

ولتساقط رجال ترامب واحد وراء الآخر بات واضحا أن ترامب ليس رئيس دولة وإنما رئيس عصابة ولكن فى بلد يسود فيه القانون ولا يقبل بتأجيل محاسبة المخطئين مهما علت مناصبهم واشتد نفوذهم وقويت صلاتهم تولد الحقيقة فى موعدها ولا تؤجل إلى ما بعد رحيل النظام.. لا حساب بأثر رجعي.

وكان متوقعا من مقامر ومغامر وسمسار عقارات مثل ترامب أن يكون كل رجاله من عينته وبسقوطهم واحدا بعد الآخر لا يمكن الادعاء بأن تحقيق موللر فى التدخل فى الانتخابات الرئاسية فضيحة وهمية أو زوبعة فى فنجان حسب وصف ترامب.

وربما يواصل ترامب استهزاءه بالقضاء ويستخدم سلطته الرئاسية فى العفو عن كوهين ومانافورت كما فعل مع غيرهما من قبل.

وهناك جدل بين الخبراء القانونيين حول إمكانية اتهام الرئيس أثناء شغله منصبه ولم تحسم المحكمة العليا ذلك حتى الآن.

ولكن حسب الدستور الأمريكى يحق لمجلس النواب التصويت لمساءلة الرئيس وتوجيه اتهامات إليه فى حالة الخيانة أو الرشوة ولو صوت ثلثا أعضاء مجلس الشيوخ (67 من أصل 100 عضو) بإدانة الرئيس يعزل من منصبه.

وسبق أن سعى مجلس الشيوخ إلى عزل الرئيس مرتين.. الأولى فى عام 1868 ضد الرئيس أندرو جونسون الذى اتهم بعد الحرب الأهلية بالانحياز للبيض فى الجنوب ولم يصادق المجلس على إدانته.. والثانية عند اتهام الرئيس بيل كلينتون بالكذب بشأن علاقته الجنسية مع مونيكا لونيسكى ورفض المجلس إدانته.

ويحق لأعضاء مجلس النواب التقدم فرادى أو جماعات بمشروعات قرارات لمساءلة الرئيس ولا تحتاج المساءلة إلا لأغلبية بسيطة أما العزل فيتطلب موافقة ثلثى مجلس الشيوخ.

ومتوقع أن يحدث ذلك لو نجح الديمقراطيون فى الحصول على أغلبية فى انتخابات التجديد فى الكونجرس خلال شهر نوفمبر القادم.

ولا يزال ترامب يحظى بتأييد غالبية الجمهوريين فى الكونجرس كما أنه نجح فى زيادة معدل النمو وتخفيض معدل البطالة مما جعل شعبيته فى تصاعد يصعب معه إسقاطه وهو ما جعله يؤكد: إن عزله سيؤدى إلى انهيار سوق الأسهم وإضعاف الاقتصاد مضيفا: أعتقد أن الأمريكيين سيصبحون فقراء للغاية.

ولكن ترامب حقق إنجازاته الاقتصادية بتدمير قواعد التجارة الدولية بفرض جمارك على البضائع الصينية فى الأسواق الأمريكية كما أنه حصل على صفقات مغرية من دول السعودية بمساندة موقفها ضد إيران وبوضع قيود على العمالة الوافدة من المكسيك ببناء سور على الحدود معها.

على أن حجم العداء والخصومة لترامب فى الداخل والخارج يحتل مساحة كبيرة من خريطة العالم بما فيها الدول الصديقة مثل تركيا بجانب كتلة الدول الأوروبية المعارضة لسياساته الخارجية.

ولكن إسرائيل ترى فيه الصديق الذى طال انتظاره ومن جانبه اعترف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية لها كما أنه سحب الدعم الأمريكى لوكالة غوث اللاجئين لإجبار الفلسطينيين على القبول بما يسمى صفقة القرن.

والمؤكد أن اللوبى اليهودى لن يتخلى عنه.

بل ربما سعى لانتخابه رئيسا لفترة ثانية.


بمشاركة: مي سمير