د. رشا سمير تكتب: الذين قتلوا البراءة

مقالات الرأي



الطلاق أصبح أسهل الحلال والأطفال خرجوا من حسابات الأهل
أمرنا الله بالرحمة ووعدنا الشيطان بالغواية، فانتصر الشيطان على ضعف نفوسنا.
 التفكك الأسرى، الأمراض النفسية، المخدرات، ودراما العُنف، هم المتهم الأول.
 أساء معاملتها، فقتلت أبناءه بلا دمعة ندم.
 يتسببان فى إزعاجه، فألقاهما فى الترعة وهرب.
 الإعدام فى ميدان عام هو حق هؤلاء الأطفال على مجتمع عجز عن حمايتهم!.

رسم الله الأشجار وأجرى الأنهار وأمر الشمس أن تشرق وترحل، أخذ من تربة الأرض الحمراء، والصفراء، والسوداء، مزيجا بالماء فأصبحت صلصالاً من حمأ مسنونٍ، فخلق البشر، وشرع القوانين ليُحاسب قابيل بما اقترفت يداه، ثم أرسل الأنبياء للأرض برسالة السلام والرحمة والعدل.

وأمر الله سفينة نوح لترسو على جبل الجودى، والنمل أن يأتى على عصا سليمان، وألهم يونس الدعاء فى بطن الحوت، بعث للقلوب رسولا كى تنبض بالحب وترتدى الرحمة ثوبا، ليفتح بابا أمام البشرية عنوانه التقوى.

لكن بقيت كلمات الشيطان لله عز وجل هى الهوة التى انزلق إليها جيل بعد جيل، هى القسم الذى أقسمه إبليس وأسكنه ضعاف النفوس «فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ»

اليوم بعد قرون من ميلاد الرحمة وسنون من التيه فى صحراء المعانى الإنسانية، نأخذ بالأسباب ونفسر الأشياء علنا نجد إجابة عن سؤال تحولت عنده كل المعانى الجميلة إلى معنى واحد..هو القُبح والقسوة.

كيف انهزمت الأخلاق وماتت الرحمة وتحولت المعارك كلها إلى معركة واحدة هى..معركة الشر؟!


1- الواقع الذى تفوق على الخيال

لقد تفوق الواقع على الدراما والروايات، طالما شاهدنا فى الأفلام صورا لجرائم قتل وخيانة لم نكن نتصور أنها قد تحدث فى الواقع أو حتى تقترب منه، لقسوتها.

استيقظت القاهرة فى العيد على جريمة اهتز لها وجدان البشر، العثور على جثتين لطفلين طافيتين على النيل بمركز فارسكور بمحافظة دمياط، المفاجأة أتت بها التحريات والاستجوابات، حيث تمت مواجهة الأب بالأدلة ويعترف أنه هو قاتل أبنائه!

التحريات تؤكد أن الأب لم يتوجه إلى الملاهى نهائيا، وأنه توجه بهما مباشرة إلى مدينة فارسكور بمحافظة دمياط، ووقف فوق الكوبرى حيث أمرهما بالقفز فى النيل ثم أمسك بمحموله وطلب زوجته ليخبرها أن أبناءهما قد اختطفا.

شاهدت اعترافات الأب الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعى فأذهلنى مظهره وصغر سنه وثباته العجيب وكأن من رحلا ليس سوى أبناء الجيران، القاتل يقول إن ابنيه طالما أزعجاه وكان يشكو لزوجته من دوشتها ولذا قرر التخلص منهما، علاوة على أنه كان يريد أن يسبقاه للجنة.

أصبح للواقعة ألف صوت وألف رأى وآلاف المبررات، الأب يمر بضائقة مادية، يتعاطى المخدرات، ضعف تحت تأثير العجز المادى، كان يحضر الجن وينوى التجارة فى الآثار، الموضوع وراءه تعتيم وجريمة أكبر.

هُراء،كل ما سبق هو هراء، الحقيقة العارية القبيحة هى أن هذا الشاب البالغ من العُمر 33 عاما والذى لن أستطيع أن أصفه بأنه أب قد تجرد من كل المشاعر الإنسانية ولن أقول الأبوية لأنه لا يرتقى إلى الوصف بهذه الكلمة.

كنت أتمنى لو رافقته فى تلك الرحلة الرهيبة التى اصطحب فيها فلذات أكباده إلى مصيرهما المحتوم، كنت أتمنى لو لمحت نظرات عينيه وهو يقوم بالتقاط صورة سيلفى معهما هى آخر صورة لهما فى الدنيا،كنت أتمنى لو وقفت فوق الكوبرى وسمعت آخر كلمة قالها لهما وهو يشاهد فلذات أكباده ينزلقان إلى قاع النيل ويصمت نبض قلبيهما للأبد.

هل تردد؟ هل ارتعدت أوصاله، هل بكى، هل شعر بالندم، هل تمنى الموت بدلا منهما، هل جافاه النوم بعدما خضبت الدماء يديه؟، ألف سؤال وسؤال والإجابة واحدة.. إعدام هذا الشاب فى ميدان عام هو الرد الوحيد على كل الأسئلة، إعدام رجل قتل نفساً لا تمتلك الدفاع عن نفسها، ليصبح واجب المجتمع والقانون هو أخذ حقيهما.

وتتوالى الحوادث

وكأن جريمة دمياط فتحت الطريق لأكثر من جريمة بنفس الطريقة، وكأن القتل أصبح مُباحا، كأن منظر الدماء أصبح مُشبعا للنفوس المريضة، وكأن زينة الحياة الدنيا أصبحوا عبئا نأتى بهم إلى الدنيا ثم نتخلص منهم بالقتل.

منذ أيام ألقت ربة منزل فى محافظة المنيا، طفليها فى ترعة البحر اليوسفى بعزبة الشيخ عيسى التابعة لقرية صفط الخمار بمركز المنيا، بسبب خلافات مع زوجها، ما أسفر عن مصرع أحدهما وإنقاذ الثانى.

اسمها..الشيماء (24 سنة) والسبب أغرب من الخيال، إنها دائمة الشكوى من معاملة زوجها السيئة لها، وفى يوم الحادث رفض الزوج أن تذهب لزيارة أسرتها، فلعب برأسها الشيطان لتنتقم من الأب، فألقت بالطفلين فى الترعة، ونعم الانتقام، وفى اليوم التالى تم إيداع جثة الابن الأكبر فى مشرحة مستشفى المنيا العام، تحت تصرف النيابة التى باشرت التحقيقات وأنقذت عناية الله الطفل الثانى.

قد أتفهم أن يكون الأب غليظا قاسيا، ولكن لا أتصور ولا أتخيل أن تسكن قلب الأم قسوة تدفعها لقتل عُمرها وحلمها، الأم هى السكن.. هى الحُضن.. هى الرحم..كيف يتحول الحُضن إلى سكين أو مشنقة كاذبة..كيف؟!

وكان للإسكندرية نصيب أيضا من حوادث القتل، حيث قامت ربة منزل 33 سنة انتابتها حالة نفسية سيئة بالإسكندرية صاحبها عدم إدراك لقتل طفلتها فى عامها الأول بشنقها بشال من رقبتها وثبتتها فى نافذة مسكنها بمنطقة نجع رحيم دائرة القسم، ثم توجهت لزيارة أحد أقارب زوجها، ولدى عودتها افتعلت اكتشافها الحادث.

وحيث إن الجرائم لم تقف عند سن معينة، كان للشباب النصيب الأكبر منها، فقد أنهى موظف بالمعاش منذ أيام حياة ابنته وأصاب زوجته بعدة طعنات فى الفخذ بعد مشادة بينهما فى منطقة دار السلام، حيث طلب منها مبلغ 200 جنيه ورفضت إعطاءه المبلغ، وحين تدخلت ابنته لمنعه من التعدى على والدتها..طعنها هى الأخرى فقتلها..ما أرخص المبلغ وأغلى الثمن.


2- وللعنف قصة أخيرة

لو تتبعنا أسباب جرائم القتل واعترافات الجُناة لتوصلنا إلى ألف سبب لغياب الرحمة وغلظة القلوب، القتل لم يصبح فقط هو الجريمة التى تحمل كل آثام الدنيا، بل تفشت الجريمة الأكثر ذيوعا فى المجتمع مؤخرا وهى جرائم الاغتصاب.

فى مارس عام 2017 شهدت مدينة بلقاس بمحافظه الدقهلية واقعة اغتصاب الطفلة ذات العامين والتى عرفت إعلاميًا بـ «طفلة البامبرز»، وهى التى كانت فى وقتها أشهر جريمة اغتصاب شهدها المجتمع المصرى خلال الفترة الأخيرة، حيث اعتدى عليها عامل بوحشية وقسوة لا توصف وتركها تنزف حتى الموت.

وفى واحدة من أقسى جرائم القتل وطأة اغتصب جد حفيدته التى تبلغ من العمر عاما ونصف العام بمركز أخميم فى سوهاج، فأصابها بنزيف حاد دون رحمة أو مراعاة لجسدها الهزيل وصلة القرابة وبلوغه أرذل العُمر، واكتملت بشاعة الجريمة بجريمة لا تقل قسوة حين تخلت الأم عن كل مشاعر الأمومة والرحمة بإغراق ابنتها فى «بستلة» المياه خوفا من أن يلاحقها العار، أى عار يا سيدتى! العار الحقيقى هو كونك أمها.

الحقيقة أن الاغتصاب جريمة لا تقل بشاعة عن جرائم قتل الأبناء، فماذا إذا كانت الضحية طفلة أو طفل فى عُمر الزهور؟، حاولت كثيرا أن أجد لمرتكبى تلك الجريمة أى مبرر أو سبب للتعاطف، حتى أن نوع النشوة التى يبحث عنها مرتكبو تلك الجرائم هى نشوة مقززة.


3- على من نُطلق الرصاص؟

ماذا حدث للمصريين؟ ماذا تغير فى المجتمع المصرى، لماذا سكنت القسوة القلوب، لماذا انزوت الضمائر وماتت كل معانى الإنسانية، هل هى تبعات زمان ولى وآخر آت، أم أن هناك أسباباً للانهيار الأخلاقى الذى حدث فى المجتمع؟.

من الطبيعى أن يكون الآباء والأمهات هم مصدر الأمان والحب والرعاية فى أى زمان وكل مكان، وما بخلاف ذلك هو ورم سرطانى يسكن جسد المجتمع ويحتاج إلى استئصاله.

المجتمع المصرى أصبح يعانى خصوصا فى الآونة الأخيرة من تفكك أسرى واضح بزيادة حالات الطلاق التى لم يعد يتبعها أم أو أب يحاولان لم الشمل، بل عادة ما ينصرف الأب إلى حياته باحثا عن زوجة جديدة والجديد أن الأم أيضا لم يعد اهتمامها الأول هو الأبناء، بل أصبح همها عادة هو زيجة جديدة أو صداقات تلهيها عن متابعة أبنائها واحتضانهم.

الطلاق أصبح أسهل الحلال، والأطفال لم يعودوا فى حسابات الأهل. ليُصبح الشارع هو المأوى الوحيد للأطفال بعد الطلاق، والشارع يا سادة هو عنوان الدعارة والمخدرات والانحلال الأخلاقى، فلا بديل للانحراف إلا الانحراف، إن الأمراض النفسية وحدوث خلل فى تربية الأب أو الأم فى الصغر مثل تعرضهم للضرب المبرح والتعذيب ينعكس بالسلب على تربيتهم لأبنائهم، لذا يرتكبون هذه الجرائم ضد أبنائهم.


4- العلاج يبدأ بالعرض وليس بالمرض

يجب أن تكون هناك حلول موضوعية لوضع حد لهذه المأساة قبل وقوعها، فالتشخيص أول خطوات العلاج، لا بد من التوعية بالزواج والإنجاب قبل الزواج وأن يكون الخضوع لاختبارات نفسية إجبارية للمقبلين على الزواج مع الكشف عليهم بدنيا ونفسيا.

وأن يتم التأهيل للزواج منذ الصغر عبر حصص بالمدارس، كما هو الحال فى الدول الأوروبية وأمريكا، الفتيات والفتيان فى الفصول يتلقون على هامش المناهج دورات تدريبية فى الأمومة والأبوبة وفى تربية الأطفال واحترام قدسية الأسرة.

يجب أيضا أن يحرص كل المثقفين وصُناع الدراما من كتاب وروائيين وفنانين على تغيير طابع الأعمال الدرامية والروايات التى تتسم بالعنف، فقد كانت السمة لأغلب أعمال رمضان هى القتل العمد، وأفلام العيد لا تدعو سوى للتحرش والهزل.

يجب أن نضع قيماً حقيقية فى الأعمال الدرامية، لأن الدراما هى نبض الشارع وصوته، هى الحافز والدافع لكل الجرائم والتردى المجتمعى، يجب أن يكون المجتمع والشباب نصب أعيننا طول الوقت، الأجيال القادمة هى مستقبل مصر، فقط لو أحسنا توجيهها.

هل كانت الطبقة المتوسطة هى الطبقة المعنية بحماية الأخلاق؟ وهل الأزمات الاقتصادية التى تُعانى منها تلك الطبقة هى سبب انهيار الأخلاق؟، فى اعتقادى أن الإجابة هى نعم، الطبقة الوسطى هى «رُمانة الميزان» فى كل المجتمعات، هى التى تعلم أبناءها القيم والأخلاق، وهى التى تخشى ضياع المجتمع والتفكك الأسرى وانحراف الأبناء..هى طبقة تربت على إطار أخلاقى مُعين وهو نفس الشكل الذى تدفع أبناءها لوراثته.

يجب أن ترفق الدولة بهذه الطبقة التى تعانى الأمرين من جراء الأزمة الاقتصادية، صحيح أنها ما زالت تتنفس، ولكن للأسف هى طبقة تعيش على أجهزة التنفس الصناعى، يجب أن يتم تشريع قانون يقتضى عقاب قاتلى الأطفال بالإعدام شنقا فى ميدان عام، ليت البرلمان يطرح هذا القانون ويتمسك بتمريره.

الإعدام وحده لا يكفى يا سادة، الإعدام هو عقوبة القتل، أما الميدان العام فهو الردع الأكيد لكل من تسول له نفسه الإقدام على تلك الجريمة البشعة من جديد.