عادل حمودة يكتب أول تحقيق ميدانى عن دولة الـ450 مليار جنيه: خرافة الخطيئة فى الـ«"ويست كوست"

مقالات الرأي



113 منتجعا سياحيا تجتذب 4 ملايين مصيّف فى الساحل الشمالى أغلبهم محامون وصحفيون ومهندسون وأطباء

8٪ يختارون مراسى و21٪ فى مارينا

مبارك يختار هاسيندا وسط أحفاده و18٪ من فتيات الساحل يرتدين البكينى

الأثرياء هربوا إلى اليونان وقبرص بسبب زيادة الإيجارات 40٪ وتكاليف التشغيل


يثير الساحل الشمالى «ويست كوست» خيال الذين تجبرهم ظروفهم على قضاء الصيف بعيدا عنه وفى كثير من الأحيان يتحول الخيال تحت ضربات الشمس الساخنة فى يوليو وأغسطس لمن يتابعون أخباره من بعيد إلى حكايات مثيرة فيها قليل من الحقيقة وكثير من المبالغة.

ما نسمع وما نقرأ عن الساحل سبق أن سمعنا وقرأنا عنه فى المعمورة والمنتزه والعجمى ولكن تلك الشواطئ أصابها العجز والترهل وفقدت خصوصيتها وتميزها وحاصرتها المساكن بعيون تراقب وآذان تتنصت فتركها روادها واتجهوا غربا.

يبدأ الساحل من قرية أكاسيا رزورت فى حى سموحة بالإسكندرية ويمتد إلى قرية لافستيا بالقرب من مدينة الضبعة ويصل عدد المنتجعات الشاطئية فى هذه المسافة الممتدة نحو 217 كيلومترا إلى 113، رزورت.. الغالبية العظمى منها محافظة.. بناها مهنيون لأنفسهم.. مهندسون وصحفيون وأطباء ومحامون ودبلوماسيون وعمال وضباط شرطة وأساتذة جامعات.. وهؤلاء يمثلون النسبة الأكبر من رواد الساحل.. بنسبة لا تقل عن 30 فى المائة.. ولأنهم يصيفون بأسلوب تقليدى يناسب طبائعهم لا تهتم بأخبارهم الصحافة.. فليس فيها ما يثير شهية القراء.

أما سكان مارينا فلا يزيد عددهم عن 21 فى المائة من زوار الساحل فى الصيف الذين يقترب عددهم من أربعة ملايين شخص وهو رقم ليس كبيرا إذا ما قيس بمساحة مارينا التى يزيد طول شاطئها على طول شاطئ الإسكندرية.

قبل ثورة يناير كانت مارينا مصنعا للأخبار فقد كانت مصيف الكبار من أصحاب المناصب العليا فى السلطة.. رؤساء حكومات مثل عاطف عبيد وعاطف صدقى.. وزراء مثل إبراهيم سليمان وكمال الشاذلى وأحمد شفيق.. أعضاء فى مجلس الشعب على رأسهم الدكتور فتحى سرور.. نجوم سينما مثل نبيلة عبيد وليلى علوى ومحمود عبدالعزيز.. وصحفيون وكتاب لامعون مثل مصطفى أمين ويوسف إدريس.. شخصيات مؤثرة فى مؤسسة الرئاسة منهم الدكتور زكريا عزمى.. وجذب هؤلاء إلى مارينا أصحاب المصالح والراغبون فى التودد للنظام لتسهيل أعمالهم.

ولكن باتساع مارينا وتنوع سكانها بين التحرر والتزمت.. بين الحجاب والبكينى.. لم يعد الجيل الجديد يجد نفسه فيها.. لم يعد يشعر بحريته فى التصرف بحرية على شواطئها.. فبدأ الضغط على ذويهم ليتركوها فى اتجاه الغرب إلى منتجعات أصغر حجما ولكنها أكثر تجانسا.

وبظهور مراسى على الخريطة جذبت نحو ثمانية فى المائة من رواد الساحل لكن هناك قرى أقل شهرة مثل أمواج جذبت نسبة مشابهة واقتربت منها قرية أخرى هى تلال.

ورغم أن هاسيندا لم تنل نسبة مؤثرة من رواد الساحل إلا أنها كانت مرشحة قبل ثورة يناير لترث العرش السياسى لمارينا لوجود جمال مبارك فيها.

راهن رجال الأعمال الشباب على تولى جمال مبارك السلطة خلفا لوالده فتسابقوا على السكن بجواره أو بالقرب منه فى قرية «حماه» محمود الجمال ولكن الرياح السياسية أتت بما لا تشتهى سفن الانتهازية فحرمت هاسيندا من لقب القرية الأكثر نفوذا فى الساحل.

ويقضى مبارك الصيف فى هدوء وسط أحفاده فى هاسيندا وكان وهو رئيس يقضى إجازته الصيفية إما فى استراحة برج العرب أو استراحة رأس الحكمة التى بنيت فى زمن الملك فاروق وتقع على خليج هادئ جذب أحد المستثمرين لتشييد قرية سياحية هناك.

واستجابة للجنون الذى أصاب المصريين بالساحل الغربى تحولت بعض القرى (مثل ستيلا) إلى عمارات سكنية متلاصقة تضم عددا من الوحدات تقدر بالمئات يتزاحم أصحابها على شاطئ صغير سرعان ما ينافس فى زحامه زحام مواقف النقل العام فى القاهرة.

وتهتم المنتجعات بنفسها تاركة أكواما من الحجارة والقمامة ومخلفات المبانى بينها وبين جيرانها فى مشهد يثير الغثيان ويجبر من يراه على التساؤل: أين محافظة مرسى مطروح التى تتقاضى مبالغ هائلة من الضريبة العقارية يدفعها سكان المنتجعات ويطالب القانون المحافظة بإنفاق ربع حصيلتها فى خدمة من يدفعها.

ويصعب تصور خطورة الطريق الساحلى المفروض أنه طريق دولى فليس فيه علامات أو أضواء ولا نقاط للدوران تضمن السلامة.

وفى الوقت نفسه نجد من يقطع الطريق بالعرض دون إنذار أو نجد قيادة مسرعة تزيد من خطورة الطريق وتمنحه شهادة عليا متميزة من نقابة «دفن الموتى».

وحسب الإحصائيات والتقديرات العلمية فإن من يقود سيارته بسرعة 140 كيلومترا فى الساعة لمدة 17 دقيقة يعرض نفسه للخطر بزيادة 40 فى المائة ومن يقود بسرعة 160 كيلو فى الساعة لمدة 29 دقيقة تزيد نسبة تعرضه للخطر بنسبة 80 فى المائة ولكن أغلب الشباب لا يتعاملون بجدية مع هذه التحليلات.

ولو كانت الدنيا قد قامت ولم تقعد لوفاة شاب شفطته ماسورة فى منتجع راق فإن لا أحد توقف عند قتل عامل وابنه تحت عجلات سيارة مسرعة وكان العامل قد جاء بابنه الذى لا يزيد عمره عن 14 سنة ليستمتع بالصيف بينما هو يعمل فى تشييد منتجع جديد.

ويقضى 86 فى المائة من رواد الساحل يومهم على البحر لمدة ثلاث ساعات غالبا ما تكون بين الظهر والمغرب ولكن هناك مئات من الشباب جاءوا إلى الساحل لم يقدر لهم أن يقتربوا من الشاطئ فقد جاءوا للعمل فى المطاعم والكافيتريات ومحلات السوبر ماركت ليدخروا مصاريف دراساتهم فى الجامعات والمدارس الثانوية.

ولو كانت نسبة لا تزيد عن 18 فى المائة من الفتيات يخترن بعناية البكينى فإن النسبة نفسها من الشباب تستعد للمصيف بالذهاب إلى صالات الرياضة ليخرجوا إلى الشاطئ بجسم مثالى يجذب الجنس الآخر إليهم.

وليس كل من يمتلك شاليها أو فيللا فى الساحل ثريا فكثير من الملاك حصلوا على أماكنهم من هيئات أو وزارات عملوا بها بنظام تقسيط مناسب ولكنهم بعد أن خرجوا إلى المعاش عجزوا عن الإنفاق على إجازاتهم فى الساحل فعرضوا بيوتهم للإيجار وهو أمر شائع بين الدبلوماسيين وأساتذة الجامعات فى قراهم.

وبسبب ارتفاع الإيجارات هذا لموسم بنسبة 40 فى المائة وارتفاع تكاليف المعيشة بنسبة 18 فى المائة عن المحافظات الأخرى قل الإقبال على الساحل بنسبة 35 فى المائة ووجد كثير من المصطافين أن قضاء إجازاتهم فى اليونان أو قبرص أو شرم الشيخ أرخص.

وينفق 37 فى المائة من سكان المنتجعات المتوسطة ألف جنيه فى الأسبوع منها 37 جنيها على البحر و808 جنيهات على الطعام و381 جنيها على السهر والترفيه أما الأكثر ثراء فينفق ثلاثة آلاف جنيه فى الأسبوع دون أن تتغير نسب الإنفاق على البنود المتنوعة.

ولا تزيد نسبة الشباب الذى يشرب ويرقص على الشواطئ المغلقة فى حرية تامة عن ثلاثة فى المائة ولكن هذه النسبة البسيطة تنشر صورها على وسائل التواصل الاجتماعى مستفزة الميديا فتهاجمها ولكن الميديا تقع فى خطأ التعميم وتنسب ما تراه لكل رواد الساحل وكأن كل من فيه لا يكف عن الخمر أو الخطيئة.

وكانت تلك النسبة الضعيفة هى مصدر الأخبار المثيرة التى تخرج من المنتزه والمعمورة والعجمى فيما قبل.

وبفضل الكمبيوتر والإنترنت يعمل 15 فى المائة من المصطافين وهم يقضون إجازاتهم فى الساحل.

وما إن ينفض الصيف مع بداية شهر سبتمبر حتى يسيطر الموات على الساحل الذى يتميز بجمال ساحر وبحر هادئ ورمال لا تعرفها شواطئ كان ونيس.

وصل ما أنفق على مبانى الساحل إلى ما يزيد على 450 مليار جنيه لا تعود بعائد استثمارى على أصحابها بل على العكس يدفعون الكثير لصيانتها والحفاظ عليها بجانب ما يدفعون لإدارة القرى التى يسكنونها مقابل ما تقدم من خدمات.

كان متوقعا أن يكون الساحل الغربى نقطة جذب للسياحة الأجنبية القادمة من بلادها الباردة فى الشتاء ولكن فشلت كل هذه المحاولات.

فى إسبانيا وفرنسا وإيطاليا يكسب ساكنو المنتجعات ما يسدد ثمن ما دفعوه فى الشاليهات والفيللات باستئجارها للأجانب الذين يأتون لحضور دورات رياضة أو مؤتمرات متنوعة أو مسابقات للجمال أو مهرجانات للفن والإبداع وكل ما فعلت تلك الحكومات أن وفرت البنية المناسبة لتلك الأنشطة وتولت شركات متخصصة استئجار الوحدات السكنية وضمنت سلامتها وسلامة ما فيها.

وأتصور أن ذلك ممكن فى مصر لو وفرت الحكومة قاعات مؤتمرات وقرى رياضية ومسارح ودور سينما تناسب القيام بفعاليات تجذب السياح فى الشتاء وتؤجر لهم المنتجعات التى تغلق أبوابها متعرضة للصدأ نحو تسعة أشهر على الأقل فى السنة.

وربما تحمست الحكومة لتلك الفكرة وبنت ما يلزم من منشآت جاذبة للسياحة الأجنبية فى مدينة العلمين الجديدة وألا تقصرها على الأبراج التى أعلنت عنها.

ولا ننسى أن تلك المنطقة شهدت أحداثا تاريخية حسمت الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء ولا يزال أهالى الضحايا الذين سقطوا من عشر جنسيات يسعون لزيارة قبورهم ولكنهم لا يجدون مكانا مناسبا للإقامة ومن ثم يكتفون بزيارة لا تزيد على ساعات يعودون بعدها إلى بلادهم.

ليس مهما أن تملك الموارد ولكن المهم أن تجيد استثمارها.