منال لاشين تكتب: الأضحية على البلاج والخروف على شيك

مقالات الرأي



ماذا جرى للمصريين؟

ضاع طعم العيد عندما تحولنا إلى صك الأضحية

أثرياء الساحل يصفون ذبح الخروف بالتخلف والناس البيئة

الجمعيات تضيع نسبة مع أموالنا على التنافس على الصك


كان لعيد الأضحى أو العيد الكبير طقوس خاصة واحتفالات خاصة جدا، لم يكن من المتصور أن نطرح على أبى وأمى رحمهما الله السفر للمصيف وذلك على الرغم من أن إجازة عيد الأضحى أكبر من إجازة عيد الفطر أو العيد الصغير. والحقيقة أننى لم أفهم يوما سر تسمية الكبير والصغير لهما إذا كان المقصود هو أن إجازة عيد الأضحى أكبر من إجازة عيد الفطر.

المهم أن العيد الكبير كان له موقع خاص جدا فى حياتنا..وأظن أنه كان العيد الأكثر بهجة. كنا فى العيد نتصل بالأقارب خاصة الفقراء منهم. لأن أبى كان يرفض أن يقوم غرباء بتوصيل اللحمة لأقاربنا.. فإما أن نذهب نحن إليهم أو يأتون إلينا.. وكان شقيقى يتولى إيصال اللحوم للأقارب والمعارف بسيارته (فاشبط) أنا وأختى فيه ونذهب معه بينما تظل أمى وأختى الكبرى لإعداد الطعام. أتذكر الآن بمزيد من الشوق المؤلم لمة العائلة وامتلاء البيت بالأقارب والمعارف. وفرحة الجميع. بعد رحيل أبى وأمى وأخى الأكبر. توقفنا عن هذه العادات واختفت هذه المظاهر أو بالأحرى المشاعر من حياتنا.. أصبح الأمر الآن لا يكلف سوى اتصال هاتفى بإحدى الجمعيات الأهلية، ليأتى مندوب يحصل فلوس الأضحية.. ويمنحك الصك.

لا أريد أن يفهم البعض أننى ضد صك الأضحية ولكننى فى حيرة أشارككم فيها معى ليس أكثر أوأقل.


1- عيد سعيد

كنا نتساءل الآن بحزن لماذا لا نشعر بفرحة العيد.والحقيقة أننا ساهمنا بجهود ذاتية مخلصة فى قتل مظاهر العيد. كان عيد الأضحى هو الموعد السنوى يتلقى الذى فيه الأهل والمعارف.. وهو اليوم الذى يمتلئ فيه البيت ولا يخلو من خلافات العيد..أمى تصرخ بأنه لا يوجد مكان فى الثلاجة أو الديب فريزر لتخزين لحم الأقارب والمعارف.. وأبى يؤكد أنهم فى الطريق إلينا. وينهى الخلاف بالقول (كل سنة وأنت طيبة ياحاجة عيد مبارك) لم تكن أمى قد حجت لبيت الله ولكن أبى يذكرها بأقدس وأغلى حلم لديها.

ولم يكن لنا أى من الأقارب أو الأصدقاء يقضى العيد فى مصيف بما فى ذلك أصدقائنا ومعارفنا من المسيحيين إلا نادرا. وفى هذه الحالة يجب تخزين اللحم الخاص بهم فى الديب فريزر حتى عودتهم. ولكن معظم معارفنا من الأقباط كانوا يحرصون على قضاء عيد الأضحى فى بيوتهم للاحتفال بالعيد مع المسلمين.

وكان هناك قلة من معارفنا قد بدأوا فى التسعينيات قضاء أشهر الصيف فى الساحل الشمالى. ولكنهم كانوا يحرصون على قطع الإجازة والعودة لبيوتهم لممارسة طقوس عيد الأضحى.

ولم يكن مقبولا أن نشترى الخروف ونأتى به فى المنزل.فنحن نسكن فى شقة وليس لدينا حديقة. ولذلك كنا نشترى الخروف ونتركه للجزار. ويتولى هو ذبحه وتجهيزه.وكان الجزار يعطى لكل خروف مباع رقمًا ويكتبه على ظهر الخروف.. ولم أكن أحب أن أشاهد الخروف وهو حى حتى لا أتعلق به. لأن فكرة أننى سآكل لحم صديقى الخروف كانت تؤرقنى وتشعرنى بالخجل من نفسى..ولكن فى الأحياء الشعبية كانت تنشأ علاقة بين الخروف والأطفال لأنه يعيش معهم فترة طالت أو قصرت. كان مشهد الخروف مع مظاهرة الأطفال يأخذك إلى فرحه العيد.


2- الساحل والصك

اعتقد أن ظهور صك الأضحية ودور الجمعيات الأهلية كوسيط عن المسلمين قد قلب أمور العيد رأسا على عقب. خاصة أنه جاء حلا خرافيا ومريحا لأهل الساحل الشمالى. ولا أنكر أن صك الأضحية وفر اللحوم إلى أقصى بقاع مصر. إلى فقراء الصعيد والجنوب والدلتا. ولا أنكر أيضا أن فكرة الصك قد جعلت لحوم الأضاحى تنجو من الذهاب لغير المستحقين من معتادى صيد اللحوم فى البيوت والمساجد. ولا أنكر أننى أيضا ألجأ إليها خاصة بنك الطعام الذى يوفر اللحوم للفقراء طوال العام.

وعلى الرغم من هذا وذاك فإن المرء لا يستطيع أن يتجاهل أن العيد قد ذهب بغير رجعة بالنسبة لأهالى الساحل الشمالى الكرام..وأن جيلا من الأبناء يمر عليه عيد الأضحى دون أن يشعر به أو يعرف أن ثمة عيد قد مر. لأن أهله يكلفون موظفيهم بدفع صك الأضحية دون أن يغادروا الساحل. وذرا للأعين فإن البعض يقيم صلاة العيد فى منتجعه كآخر مظهر من مظاهر العيد.

ولاشك أن من حق أهل الساحل أن يشعروا بالرضا لأنهم اشتروا بدلا من الصك صكين وثلاثة وأحيانا عشرة.وأن أموالهم ستوفر اللحوم والفرحة لعشرات الفقراء.

ولكن ما فاتهم وفاتنا أن الصك والسفر أضاع مشاعر العشرة والمودة بينهم وبين أهلهم. وأطاح بالتقليد الإسلامى الذى يؤلف القلوب ويقوى الروابط. فقد كان ثلث الأضحية يذهب للأقربين والثلث للفقراء وعندما كنا نضحى بين أهلنا ومعارفنا فالأقربون أولى. وقد حكى أحد الموظفين فى مكتب رجل أعمال قصة موحية. فرجل الأعمال يكلفه كل عام بالذهاب إلى إحدى الجمعيات لشراء 100 صك وتوزيع 100 أضحية. ويكمل الموظف ولكنه لا يعطى لنا جنيهًا عيدية ولا كيلو لحمة أضحية. حتى البوابين والشغالين لا يحصلون على لحم الأضحية.

وهذه ملاحظة فى محلها وتتنافى مع أحد أهداف الأضحية وهو التقارب بين الأهل والمعارف والعطف على الفقراء المحيطين بنا. ولكن أهل الساحل لكى يشعروا بالرضا الكامل عما يفعلوه ولكى يستمروا على شاطئ البحر فى العيد راحوا يكيلون الاتهامات للآخر. والآخر هنا هو المواطن الذى لم يحصل على جنسية الساحل الذى لايزال يذبح الأضحية. فجأة أصبح بيئة ومتخلفًا وملوثًا للبيئة وسبب كل الأمراض. ويخيل إلىَّ أن ضمن الموبقات أو العار الاجتماعى الآن أن تذبح خروفك أو أضحيتك ولا تنتمى لنادى الصك.

وبعيدا عن الساحل وأهله فإن القضية تحيرنى كثيرا.ولا أدرى بالفعل أيهما أفضل. إن الصكوك تضمن أن تذهب الأضاحى إلى أهالينا فى مناطق بعيدة. ولكن فى الوقت نفسه لم تعد الأضحية مصدرا للتقارب بين الأهل والعطف على الفقراء المحطين بنا والذين ينتظرون عيد الأضحى بشوق هائل لأنه المناسبة الوحيدة لأكل اللحم.


3- تسويق الأضحية

وقد زاد من حيرتى أو بالأحرى غضبى أن صك الأضحية تحول إلى قضية تسويق وصراع ومنافسة بين الجمعيات الأهلية. كم الإعلانات الهائل التى تقوم به كل جمعية لجذب المسلمين إلى التعامل معها وحدها. والتأكيد أن صك الأضحية لدى هذه الجمعية أكبر من غيرها من الجميعات. وأن اللحوم بلدية ومن مزارع الجمعية. الآن أصبحت أكثر حساسية من إنفاق جزء لا يستهان به من أموالنا فى معركة المنافسة بين الجمعيات، وذلك بدلا من إنفاق المال لشراء المزيد من الأضاحى لإطعام مزيد من الفقراء. وأصحبت أكثر حساسية لفكرة تحول الصك إلى سلعة تخضع لقوانين الإعلان وإلى منهج السوق. فبعد زيادة عدد الفقراء بعد التعويم لا أتصور أو أستطيع أبلع أن ندفع الملايين للتنافس على اقتناص صك أضحية للفقراء والمساكين.

مرة ثالثة وعاشرة لست ضد صك الأضحية لأنه يحل أزمات فقراء الصعيد والمناطق النائية كما أن بنك الطعام يحتفظ باللحوم من خلال التعبئة ويتولى توزيعها طوال العام. ولكننى افتقد صلة الرحم واللمة وفرحة الفقراء الذين أعرفهم جيدا بيوم العيد ولحمة العيد.. أفتقد خصوصية أن تقوم بالتوزيع على الفقراء يدا بيد وترى الفرحة فى أعينهم. خصوصية أن أموالك التى تحولت للحم قد ذهبت للأقربين.. والأقربون أولى.

وهذا العيد احتدمت المناقشة داخل عقلى.. أريد أن أوزع على الجيران وأتلقى منهم لحوما فنتعارف ونصبح أصدقاء وليس غرباء فى فندق الحياة. أريد أن أطمئن أن بيوت الفقراء الذين أعرفهم عرفت طعم العيد وفرحته ولحمته. ولذلك خطرت فى بالى فكرة أحب أن أشارككم فيها. فقد قررت أن أجمع بين الفكرتين إما بصك أضحية وأوزع لحوم صدقة على المستحقين فى دائرة حياتى. أو العكس اشترى لحوم الصدقة من إحدى الجمعيات واكتفى بخروف صغير كأضحية. هذا الحل يبدو أكثر عدالة فى توزيع أموالنا فلا نحرم الفقراء البعيدين ولا نكسر بخاطر الفقراء القربين. وكل عام وكل عيد أضحى وأنتم ومصر كلها بخير.