د. رشا سمير تكتب: ضحايا قصص الحب التى تنتهى فى محكمة الأسرة!

مقالات الرأي



الدول الإسلامية تسن السكاكين فى مواجهة مدنية تونس وانحيازها للمرأة

الأطفال يدفعون ثمن فشل مؤسسة الأسرة

الأب يبحث عن بديلة والأم تبحث عن الانتقام.. والأطفال يبحثون عن سقف..


هل تنطبق القوانين على كل الأزمنة والأمكنة؟ هل يمكن أن نسير جميعا على نفس الخُطى وبنفس التشريعات؟ هل أنصفت القوانين المرأة أم مازلنا نبحث عن حقوقنا الضائعة؟ هل استطاعت مؤسسة الزواج أن تصمد فى ظل سقوط كل المؤسسات الإنسانية الأخرى؟

مما لا شك فيه أن مؤسسة الزواج هى أكبر كيان يحتاج إلى إصلاح ومتابعة ومراعاة.. لأنها ببساطة المكان الذى تخرج من بين جدرانه أجيال جديدة قد تسطع سوية لو أحسنا تربيتها أو ضائعة لو أفلت الزمام من بين أيدينا..


1- تونس الشرارة الأولى

قررت تونس أن تخوض الحرب منفردة وتشهر سكاكين الحرية فى وجوه كل المجتمعات العربية.. بكل بساطة تم تعديل قانون الإرث فى تونس ليصبح للمرأة نفس حق الرجل.. الحقيقة قد أكون ضد تغيير شرع الله لأنه تشريع سماوى له أسبابه التى قد نعلم بعضها وربما لا نُدرك حكمتها.. ولأن عدم تطبيق ما شرعه الله على يد البشر لا ينتقص من الدين بل ينتقص من البشر.. إلا أن وبكل أسف النموذج الذكورى بكل مفاهيمه تغير عبر السنين وتخلى الرجل عن مسئولياته تجاه نساء عائلته..

فلا الأخ الذى يرث أكثر من الأخت أصبح مسئولا عنها ماديا ولا حتى معنويا.. ولا الأب أصبح ينفق على بناته بعد الطلاق.. وبالمثل تخلى العم والخال عن وجودهما المادى والإنسانى فى حياة نساء العائلة.. .فعلى من نُطلق الرصاص؟

تونس منذ الأبد دولة تتصدى للزواج الثانى بقوة القانون فتعاقب كل من يقوم بالزواج على زوجته بالسجن!.. إذن هى دولة اختارت تشريعاتها وقوانينها شاهرة شعار المدنية وهذا بالقطع من حقها كدولة مستقلة لم تجور على حق أحد ولم تعترض على قوانين أحد، وبرغم ذلك قامت الدنيا ضدها وتم إسقاطها من قائمة الدول الإسلامية على الرغم من أن قوانينها الداخلية هى حقها الخالص.. فأنت حر ما لم تضر!


2- الأسرة والطفل

أما بالنسبة لقوانين الأسرة والطفل.. فهى وجه آخر للوجوه القبيحة للمجتمعات العربية..

الآباء معترضون على قانون الرؤية والاستضافة.. والأمهات معترضات على قانون الولاية التعليمية والنفقة الضئيلة.. وكل الجهات المعنية وغير المعنية تقدمت بمقترحات لتعديل القانون، كل بحسب هواه وتجربته الشخصية وأهوائه العائلية..

ولكن أين الأبناء من كل هذه التشريعات والتعديلات؟!..

الأبناء ضائعون.. مهمشون.. مترددون.. ممزقون..

تعديل القوانين كان دائما وأبدا مجرد طرح يأتى بعد أزمة فتقوم الدنيا ولا تقعد حتى يتم التعديل..

من أهم القوانين التى تم تعديلها بضغط الشارع المصرى هما قانونا الخُلع وحق الزوجة الحاضنة فى شقة الزوجية..

فما أسهل أن يأخذ الرجل شباب المرأة وصحتها ثم يتزوج عليها ويُلقى بها فى الشارع بعد الكِبر دون حقوق.. وكم من نساء افترشن الأرصفة دون سكن بعد أن سُلبن أعمارهن فى بيت الزوجية.. ولازال هذا يحدث وبقوة بعد بلوغ الأطفال السن القانونية للحضانة وهو 15 عاما للابن و17 للابنة.. الذى من بعده تصبح الزوجة بلا أى حقوق لدى الرجل!.

لكن وعلى الجانب الآخر هناك 16 ألف قضية مرفوعة من رجال سلبتهن زوجاتهن كافة حقوقهم المادية بالتحايل على القانون.. لدرجة جعلت بعض النساء يتزوجن بعقد عُرفى من أجل احتفاظهن بالشقة وأحيانا تُصبح شقة الحضانة هى عُش الزوجية الجديد!.

وهناك رجال سافروا ليعودوا على مفاجأة زوجة غيرت كالون الشقة واستولت على العفش وطلبت الطلاق لأنها حاضنة..  

إذن الصراع دائما وأبدا حول الشقة والنفقة وحقوق الزوجين.. صراع مُفاده أن البقاء للأقوى ولصاحب النفس الأطول.. ولكن..

أين الأبناء من هذا الصراع؟ الأبناء قصصهم مازالت هى محور الروايات والأفلام وصفحات الحوادث..


3- الآباء وتمويل الأحلام

هناك من الأبناء من يدركون أن المشكلات التى تفاقمت بين الأب والأم قد تنتهى عند المأذون فى أى وقت وبالتالى تصبح فكرة الابتزاز هى الفكرة المسيطرة على عقلية هذا الابن أو الابنة.. أو بالأحرى نظرية (يالا نفسى)..

طوال الوقت هم على الهامش يراقبون ويغلقون آذانهم حتى لا يستيقظوا على العراك الدائر كل يوم إلى أن يقع الطلاق.. فيبدأ الابن أو الابنة بعد الطلاق فى قياس درجة حرارة الوضع عن طريق السؤال الشهير: من يمتلك المال؟ ومن سيقوم بتمويل المشاريع القادمة؟.

كريم.. شاب فى الثامنة عشرة من عمره.. شب على الاختلاف الحاد بين الأب والأم.. والخلاف أدى إلى صمت والصمت أدى إلى ملل والملل خلق احتياجا لدى الأم من نوع آخر!.

كريم كان يعلم لمدة أعوام طويلة أن أمه على علاقة بزميل لها فى العمل.. لكنه آثر الصمت والمراقبة.. آثر أن يدعوه بلقب (أونكل) بدلا من أن يخسر دفتر شيكات الأم التى تعمل فى منصب كبير ومرتب أكبر.. فهو قد قرر أن يجعل أولوياته أوراق البنكنوت التى سوف تحقق أحلامه.. الجامعة فى كندا.. اللابتوب.. السيارة الفارهة.. إلخ..

حتى لو كان الثمن أن يغض بصره قليلا أو أن يكون حاضرا مبتسما فى فرح أمه على أونكل ويلتقط الصور معهما وهى بالطرحة والفستان الأبيض.. وسط استغراب الحاضرين ووصفه بأوصاف ربما ترامى بعضها إلى سمعه، لكنه مازال مصمما على تجنب الأشياء التى قد تبدو له فتسوءه!..

كان هذا هو الحال أيضا مع ماهيتاب التى بعد عُمر أفنته أمها فى تربيتها ورفضت الزواج بعد طلاقها من الأب بعشر سنوات.. لكن عندما تعرف الأب على شابة أصغر منه بعشرين عاما طلبت منه أن يكف عن الإنفاق على أسرته القديمة ويتفرغ لها..

فى تلك اللحظة شعرت ماهيتاب بخطورة الموقف.. الأم لا عائل لها ولا تعمل.. إذن فهى سوف تفقد المصروف والجامعة الأمريكية والفساتين الجديدة.. سوف تفقد كل شىء..

هنا كان لابد أن تتخذ قرارا بتقبل عرض الأب.. وبين يوم وليلة تترك الأم وتسافر مع أبيها وزوجته إلى أمريكا بل وتنصح أختها الأصغر بنفس الطريق..

نعم قد يكون ما فعلته أمهما تجاههما هو جميل لا ينسى ولكن لغة المال أقوى من السحر..


4- عودة المنتقم

أما الطريق الثانى الذى يختاره الأبناء أو دعونا نقول إنهم يدفعون إليه بعد ما يلاقونه فى محكمة الأسرة وساعات الرؤية مثل المساجين.. وهوس الآباء والأمهات بالاستحواذ عليهم.. هو طريق السقوط!..

وائل طبيب شاب وسيم.. لا يمتلك المال ليتزوج لكنه يمتلك الوسامة واللباقة الكافية التى جعلت زميلته الطبيبة ابنة الحسب والنسب توافق على الزواج منه من دون شبكة أو مؤخر صداق أو حتى شقة تمليك.. ثم عادت رجولته الزائدة تدفعه ليوقع أكثر من سيدة فى شباكه.. تارة يلعب بعواطف ابنة خالته وتارة يتزوج أخت صديقه عرفى.. إلى أن تزوج عليها ثلاثا أخريات!.

تطلب الزوجة الطبيبة الطلاق بعدما انكسر قلبها وتشتت حياتها.. يرفض الزوج طلاقها باعتباره صفعة على وجهه وهزيمة لكبريائه..

يراود ويراوغ.. فتخلعه.. وتتمسك فقط بأبنائها الثلاثة دون أن تمنعه من رؤيتهم..

بعد سنوات يعود طالبا منها الصفح والرجوع إليها.. فترفض.. وتخبره أنه بالنسبة إليها قد مات ودُفن..

هنا تكتمل أركان الجريمة لدى الأب.. يطلب منها أخذ الأولاد فى نزهة.. فتعطيه إياهم بحسن نية.. ليركب أول طيارة ويغادر البلاد إلى مكان غير معلوم.. فيشت عقل الزوجة ويتهاوى كيانها..

بعد شهور يصلها أول ايميل من زوجها فيه صور أبنائها وهو يعذبهم ويضربهم ويمنع عنهم الطعام.. تذبل الزوجة.. وتموت كل يوم بعدما ذهبت إلى كل الجهات المختصة لتستعيد أبناءها بلا فائدة..

بعد سنوات يعود الأبناء إلى القاهرة بعد وفاة الأب فى حادث سيارة.. .الأكبر فى إحدى مصحات الإدمان بلا أمل فى الشفاء.. والأوسط راسبا فى دراسته بعد أن جذبه أصدقاء السوء.. والابنة الأصغر قد تزوجت عرفيا من شاب عاطل ثم تنصل منها وطردها بعدما حملت منه!..


5- من يدفع الثمن؟

لكل معركة ضحاياها ولكل فعلة ثمن.. .فمن إذن يدفع الثمن؟!.

انهيار مؤسسة الزواج ومعدلات الطلاق المرتفعة أدت إلى صدع كبير فى المجتمع.. ومازالت محكمة الأسرة تشهد آلاف القضايا والنزاعات فى معركة طرفاها الأب والأم ويدفع ثمنها الأبناء..

تعديل قانون الأسرة يجب أن يكون فى مصلحة الأبناء فقط لا غير.. الأم هى الأجدر بالولاية التعليمية.. النفقة التى يتحايل الأب ألف مرة، لكى يبخس طليقته وأولاده حقهما فيها بوثائق مزورة وشهود مزورين يجب أن يٌجبر على دفع مبلغ محترم يتيح لهم العيش بكرامة لأنها حقهم عليه وعلى المجتمع..

الأم التى تتخلى عن أبنائها من أجل زيجة أخرى أو قصة حب جديدة ويصل الأمر أحيانا إلى تركها الأبناء واختفائها من حياتهم.. يجب أن تُعامل من قبل المحكمة معاملة أخرى.

لكل قاعدة شواذ ولكل حالة قوانينها الخاصة.. لا أعتقد أن سن القوانين والتعديلات يجب أن تتم دون دراسة كل حالة منفردة..

يجب أن يُخير الأطفال.. يجب أن يستمع إليهم القاضى حتى لو كانوا أطفالا.. يجب أن يؤخذ رأيهم واختياراتهم فى الحسبان.. يجب أن يُنحى القضاة والمحامون مشاعرهم كذكور فى قضايا الأحوال الشخصية!.

إن الزيجة التى تبدأ بجلسة عاطفية على ضفاف النيل وتنتهى فى محكمة الأسرة.. لا يدفع ثمنها فى الواقع سوى الأبناء.