محمد سمير يكتب: هل سيعزل ترامب من منصبه؟

مقالات الرأي

بوابة الفجر


أصبح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الأغرب حالاً والأكثر جدلاً، مهددًا بمقصلة العزل من منصبه، بعد سيل من الفضائح المتتالية التي يبدو أن دائرتها لم تغلق بعد، وأن أحداثها السوداء التي تشبهه كثيرًا في أفعاله، لم تتوقف كذلك بل تسير بسرعة الصاروخ، لكن هل حقاً سيتم عزل ترامب؟

أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال يتوقف على بعض المحددات، فبرغم ارتكاب ترامب لمخالفات صريحة تستوجب العزل، يؤسفني القول بأن ذلك ليس كافيًا لعزله، فترامب ليس رئيسًا عاديًا كما يظن البعض، أو يشبه من سبقوه على الأقل في فترات رئاستهم، فهو الرئيس الذي يحظى بأقوى تأييد تاريخي في جميع الأوساط الصهيونية اليهودية بلا منازع، وما أدراكم ما هؤلاء !

العلاقة بين ترامب والصهيونية تشبه علاقة الابن بأبيه، إن لم يكن ذلك بالفعل، فليس خافيًا على أحد الدعم الغير محدود واللانهائي، حتى قبل انتواءه للترشح، من قبل المنظمات الصهيونية كمنظمة (‏ZOA‏) التي دعمت ترامب وحده بشكل علني، وهي أكبر التنظيمات اليهودية الصهيونية في الولايات المتحدة، وأول منظمة صهيونية رسمية، كما أنها الممثل الرئيسي لليهود الأمريكيين في المنظمة الصهيونية العالمية، التي تتبنى في الأصل الصهيونية السياسية.

ما تقدم يفسّر لنا ما قالته صحيفة "معاريف" نصًا عن علاقة ترامب بدولة الاحتلال "إسرائيل حظيت بالدعم التام من رئيس الولايات المتحدة دعمًا لم تره منذ سنين، بعد أربعة أشهر فقط في البيت الأبيض يبدو أن هناك تماهيًا تامًا بين نسق المصالح القومية الإسرائيلية ومصالح الولايات المتحدة".

أعتقد أن ما قالته "معاريف"، يضع بين أيدينا ويوضح لنا أبعاد مجئ ترامب للرئاسة الأمريكية، وكيف أنه اقتنصها بواقع مزيف تم صناعته خصيصًا من أجل تنفيذ مخططات وأهداف أقرتها الصهيونية، ولم تكلف ترامب حتى بتعب كتابتها ورسمها في إحدى أوراقهم السوداء.

قوة ترامب التي تحول دون عزله، تكمن فقط في علاقته بالصهيونية ومدى تنفيذه لأهدافهم، فهو "الصفقة" اليهودية الصهيونية التي طال انتظارها لهندسة المنطقة لصالحهم في أحلك فترة يبحث فيها أصحاب الحق عن ممتلكاتهم وتاريخهم المهضوم، بين احتراق وتدمير المنطقة التي كتب عليها البؤس والشقاء.

ولكي ندلل أكثر على هذا الكلام، فإنه يجب النظر إلى ما فعله ترامب وما حققه للصهاينة في المنطقة بسرعة متناهية، وكأنه أتي منهم وإليهم، فنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وصفقة القرن، فضلا عن العراك مع إيران، والخروج من الاتفاق النووي، كلها أهداف لصالح دولة الاحتلال، تستشعر وكأن ترامب رئيسًا للكيان الصهيوني وليس لأمريكا.

لا يمكن الفصل في اعتقادي بين ما يفعله ترامب وبين التحركات الصهيونية التي من الواضح جدًا أنها تسابق الزمن في ضبط أوضاع دولتها المزعومة، واتخاذ خطوات تصاعدية تجاه ما ترمي إليه من سيطرة وكسب المزيد، فمنذ البداية سوقت دولة الاحتلال ترامب على أنه المرعب والمخلص لها على العكس ممن سبقوه، وتحققت فعليا هذه النظريات، فترامب بتصريحاته المرعبة التي أطلقها منذ الوهلة الأولى لظهوره، جذبت إليه الأنظار وجعلت الجميع ينتبه إليه، بل يرتعد مطأطأً الرأس.

حقق ترامب للعدو الصهيوني أحلامًا كانت أضغاثا بالسابق، وأعتقد أن تلك الأهداف التي نُفذت بالفعل من أهم وأخطر الصفقات التي أنجزها الرئيس الأمريكي لصالح الصهاينة والعدو الإسرائيلي في المنطقة.

لا تستغربوا عندما أقول لكم إن تاريخ الولايات المتحدة لم يشهد إلا عزل 3 رؤساء فقط، منهم أندرو جونسون، الذي عزله مجلس الشيوخ عام 1866؛  بسبب معارضته للتعديلات التي تعطي الجنسية لأصحاب البشرة السوداء، وإقالته وزير الحرب آنذاك "إدوين ستانتون" عقب إصدار الكونجرس قانون امتلاك المنصب، وكلها مخالفات دستورية وقانونية تستوجب العزل وفق القوانين الأمريكية.

ما يهمني هنا وما يثير دهشتي هو المعزول الآخر ريتشارد نيكسون، الذي يبدو أن عزله من منصبه عام 1974، بسبب فضيحة "ووترجيت" الشهيرة، لم يكن بعيدًا عن اليهود، بحسب التسجيلات التي نشرتها مكتبة ومتحف نيكسون الرئاسية عام 2010، وهي محادثات أجراها نيكسون مع مساعديه، قبل 16 شهرًا من تنحيه عن الرئاسة، والتي أفصحت عن العداء الذي يكنّه نيكسون لليهود عمومًا، بل قال نصًا في إحدى تسجيلاته "اليهود عدائيون جدا وبغيضون ووقحون".

يبدو أن لا شيء يسير هكذا في أكبر دولة بالعالم دون إذن الصهاينة، الذين يسيطرون على كل صغير وكبير، لا سيما اقتصادها ودوائر اتخاذ القرارات وصناعتها، وهذا يفسر لك كيف أن ترامب ركّز في اعتقادي على الفوضى الاقتصادية مهددًا "الأسواق ستنهار والجميع سيصبحون فقراء جداً في حال تمّ عزلي"، كون اليهود الذين جاءوا به، هم المسيطرون على اقتصاد الولايات المتحدة بل يتحكمون في اقتصاد العالم، وكأنه يقول "إنّ عزلي سيغضب الصهاينة الذين أتوا بي وليس الأمر متوقف على شخصي..فلتقرروا".