سالم أحمد سالم يكتب: في قريتنا "مسيحي"

ركن القراء

سالم أحمد سالم
سالم أحمد سالم




لم يكن الأمر جديداً .. لم تتلوث المحبة يوماً .. لم تكن الكراهية متوفرة .. لم يُفكر الأهل في أي فتنة .. لم تحدث خلافات.

ولكن الذي كان موجوداً هي نظرة عين ذلك الفتي الصغير لحظة مروره مرتجلاً علي قدميه، ذاهباً إلي مدرسة النصاري -كما يسمونها-، يخشي أن يُقابله الرجل ذات الرداء الأسود والقبعة شديدة السواد وقلادته التي لا تُفارقه أينما ذهب، كان الخوف يُسيطر علي الفتي عندما يري كل من في الشارع يهرولون إليه مُسرعين لينحنوا له ويقبلوا يداه دون التلفظ بأي كلمة سوي «صباح الخير يا ابونا».

ظل شعور الخوف من المرور يُسيطر علي الفتي، يخشي أن يُنادي عليه أحد ليطلب منه تقبيل يد «ابونا»، لم يُفكر في رد الفعل وقتها، ولكنه كان يبتعد حتى يمر قسيس القرية ويدخل منزله أو الكنيسة، إلا أنه قرر أن يمر من نفس الشارع وفِي لحظة مرور ذلك القسيس، لم يتخذ الفتي ذلك القرار إلا بعد مرور عاماً كاملاً والتحالقه بالصف الثاني الابتدائي.

لم يحدث أي شئ ومر الصغير بسلام ولَم يُنادي عليه أحد أو يطلب منه شئ، وانتهي الأمر وأصبح المرور لحظة خروج «القسيس» من منزله أمراً ليس فيه أي صعوبة.

انقضت سنوات كثيرة وظل المشهد الرئيسي في القرية «مراسم الأعياد»، أعياد المسلمين والمسيحين، كان هناك مشهداً لا ينقطع أبداً، ففي أعيادنا يصطحب «القسيس» الذي لم يتغير حتى الآن جميع المسيحين وينظموا مسيرة في شوارع القرية لتقديم التهنئة لنا، والعكس يقع في أعيادهم.

الأمر الغريب للغاية، أو بمعني أدق غريب علي ذهني بمفردي ومن يحملون نفس تفكيري، إصرار أحد المسيحين علي التبرع لإعادة بناء مسجد القرية الكبير.

«مسجد الزيني بركات» أحد أهم وأكبر المساجد بقريتي «فيشا الصغري»، لم تنظر إليه الحكومة منذ ما يقرُب من ١٠٠ عام، سيطر عليه الإهمال وتناسته وزارة الأوقاف، بل أنها رفعت شعار «اِقفلوا الجامع .. الجوامع كتير في البلد»، إلا أن أهل القرية «الجدعان» وعلي رأسهم «كرم عبدالله وإبراهيم عبدالحميد وآخرون» قرروا جمع تبرعات لصالح «الزيني بركات»، فظهر «المسيحي» مُطالباً بالتبرع.

عند هذا اِجتمعت عائلات القرية «سالم وعبدالجواد وعطا وخليل ومعارك وعباس وحسان والشيمي والفيومي» ومعهم «المسيحون» ليضربوا مثالاً آخر لروح التعاون فيما بينهم، عازمين علي التبرع بأموالهم لإنهاء أزمة «الصرف الصحي» بعد أن انشغلت الحكومة وتناست عن عمد كل من في القري.